البث المباشر

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الثلاثاء 28 مايو 2019 - 12:36 بتوقيت طهران

"السلام عليك يا ابن رسول الله، السلام عليك يا ابن أميرالمؤمنين، السلام عليك يا أباعبدالله، السلام عليك يا سيد شباب أهل الجنة ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا من رضاه من رضى الرحمان، وسخطه من سخط الرحمان. السلام عليك يا أمين الله، وحجة الله، وباب الله، والدليل على الله، والداعي الى الله ".
والسلام عليكم – إخوتنا المحبين للحسين، والباكين على الحسين، والموالين لأبي عبدالله الحسين – ورحمة الله وبركاته. في ظل قوله تبارك وتعالى: "فلله الحجة البالغة" أوردت التفاسير الروائية جملة من الروايات المباركة، منها:
- أن سديراً سأل الإمام الباقر عليه السلام: جعلت فداك، ما أنتم؟ فأجابه عليه السلام قائلاً: "نحن خزان علم الله، ونحن تراجمة وحي الله، ونحن الحجة البالغة على من دون السماء وفوق الأرض".
- وأن الإمام الصادق عليه السلام قال: "كان أميرالمؤمنين عليه السلام باب الله الذي لا يؤتى إلا منه، وسبيله الذي من سلك بغيره هلك، وكذلك يجري لأئمة الهدى واحداً بعد واحد، جعلهم الله أركان الأرض أن تميد بأهلها، وحجته البالغة على من فوق الأرض ومن تحت الثرى.."
- وفي حديث طويل للإمام الكاظم عليه السلام، قال لهشام بن الحكم: "يا هشام إن لله على الناس حجتين: حجة ظاهرة وحجة باطنة، فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة عليهم السلام، وأما الباطنة فالعقول".
أجل – أيها الإخوة الأكارم – وقد تقدم الإمام الحسين عليه السلام بعد شهادة أخيه الإمام الحسن المجتبى صلوات الله عليه على يد امرأته الخائنة بتدبير معاوية.. تقدم سلام الله عليه الى الناس باعتباره وصي رسول الله صلى الله عليه وآله والحجة عليهم، فعرفهم معالم الدين، كما عرفهم فضائل أهل البيت وأفضلياتهم، ورذائل أعدائهم وجناياتهم.. فكان ذلك حجة على الناس جميعاً، إذ هو الإمام خليفة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وقد بين وأبلغ، واحتج فألزم، ثم قد نبه العقول الى ما يجري على أيدي الطغاة من تحريف الدين، وقتل المؤمنين، ونشر الفساد الأخلاقي والعقائدي في الأمة، وكان من احتجاجاته صلوات الله عليه رسالة بليغة بالغة، الى طاغية زمانه، فلنقرأ فصولها – إخوتنا الأفاضل – بعد هذه الوقفة القصيرة.
إخوتنا الأعزة الأكارم.. كان معاوية بن ابي سفيان قد كتب الى الإمام الحسين عليه السلام رسالة مشحونة بالتهم الباطلة والأضاليل والأكاذيب والمدعيات الفارغة الخالية من كل حقيقة، يحاول أن يحتج بذلك أنه الأولى بالخلافة والأجدر بالحكم، وإذا بالجواب الحسيني البليغ يبطل كل مزاعم معاوية، وليس ذلك فحسب، بل يحتج على الأمة أن لا تدع هذا الظالم حراً متولياً يسعى في الأرض ظلماً وفساداً، وذلك بعد أن عرفه عليه السلام للناس وذكره لنفسه، إذ كتب إليه: "أما بعد، فقد بلغني كتابك أنه بلغك عني أمور أن بي عنها غنى، وزعمت أني راغب فيها، وأنا بغيرها عنك جدير. أما ما رقى إليك عني فإنه رقاه إليك الملّاقون المشّاؤون بالنمائم، المفرقون بين الجمع، كذب الساعون الواشون.."، الى أن كتب عليه السلام في فضح معاوية:
"ألست قاتل حجر بن عدي أخي كندة وأصحابه الصالحين المطيعين العابدين؟! كانوا ينكرون الظلم، ويستعظمون المنكر والبدع، ويؤثرون حكم الكتاب، ولا يخافون في الله لومة لائم، فقتلتهم ظلماً وعدواناً بعد ما كنت أعطيتهم الأيمان المغلطة والمواثيق المؤكدة، لا تأخذهم بحدث كان بينك وبينهم، ولا بإحنة تجدها في صدرك عليهم.. أولست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله، العبد الصالح الذي أبلته العبادة فصفرت لونه، ونحلت جسمه، بعد أن أمنته وأعطيته من عهود الله عزوجل وميثاقه ما لو أعطيته العصم ففهمته لنزلت إليك من شعف الجبال، ثم قتلته جرأة على الله عزوجل واستخفافاً بذلك العهد!".
هكذا كان معاوية – أيها الإخوة – يغدر ويفجر ويترصد للمؤمنين بالحبس والقتل بعد أن نقض كل عهد له مع الإسلام والمسلمين. وكان عمرو قد سقى رسول الله صلى الله عليه وآله فحظي بدعائه له: "اللهم أمتعه بشبابه"، وآزر أميرالمؤمنين عليه السلام فحظي أيضاً بدعائه: "اللهم نور قلبه بالتقى واهده الى صراطك المستقيم.."، وكذلك حظي ببشارته، حيث خاطبه عليه السلام قائلاً له: "يا عمرو، إنك مقتول بعدي، وإن رأسك لمنقول، وهو أول رأس ينقل في الإسلام، والويل لقاتلك!"، وكان معاوية قد سجن زوجة عمرو ليرغمه على التسليم، فلما قُتل جيء برأسه الى معاوية فنصبه على رمح، وهو أول رأس نصب في الإسلام!
ثم رمى بذلك الرأس الى زوجته وهي في الحبس، فمسحت الدم عنه ورثته بقولها: غيبوك عني طويلا، ثم جاؤوا بك قتيلا، فصبراً على قضاء الله صبراً جميلا.
وكان يزيد بن معاوية على سر أبيه، وعلى سننه الإجرامية الغادرة، وقد أولع بقطع الرؤوس والتشفي بضربها بالخيزران.. ألا لعنة الله على القوم الظالمين!
أيها الإخوة والأخوات.. وعندما نتأمل في احتجاجات سيد الشهداء – عليه السلام – على الطاغية معاوية وخليفته يزيد فيما بعد نلاحظ بوضوح أنها تعمل على بعث وترسيخ روح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحفظها في الوجدان الإسلامي وهذه من أسمى مصاديق الغيرة على الإسلام، فهو الدين الذي يستهدفه الطواغيت ويسعون لتغييبه ومحوه.
وهذا ما نسعى لإستجلاءه أكثر من خلال الإستماع الى توضيحات ضيف لقاء اليوم من برنامجكم الاحتجاجات الحسينية سماحة الشيخ اديب حيدر الباحث الاسلامي من بيروت، نستمع معاً لما يقوله.
حيدر: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطاهرين وصحبه المنتجبين. لاشك ولاريب أن الامام الحسين عليه السلام عندما إندفع بثورته الخالدة والمجيدة لم يندفع من دافع شخصي ولم ينطلق من مصلح شخصي بل كان الدافع الأساس لقيامه وبواجبه كإمام مفترض من الله سبحانه وتعالى وحجة على الناس والحجة لابد أن يقدم الإحتجاج على الأمة لكي يلقي عليهم الحجة في ذلك لذلك الامام الحسين أبرز غيرته من عدة مجالات، المجال الأول عندما قال مبيناً الهدف من خروجه أنه لم يكن خروجي هدف شخصي "ما خرجت أشراً ولابطراً إنما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي محمد". اذن كان الهدف هو أن الامام الحسين وجد أن الأمة تركت إلتزاماتها فهو الذي قال "ألا ترون أن الأمر بالمعروف لايعمل به والى المحرمات تنتهك والى السنة تهجر؟". الامام الحسين عليه السلام أراد أن يحيي هذا الأمر الى مساره الصحيح وهو القائل "إن كان دين محمد لايستقيم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني" هذا المضمون يعبر عن أن الامام الحسين قد خرج من ذاته وقد خرج من نفسه وقد خرج مما يعتبر عائداً لشخصه، نظر بعين الله:

إلهي ما تركت الخلق طراً في هواك

وأيتمت العيال لكي أراك

فلو قطعوني في الحب إرباً

لما مال الفؤاد إلا سواك


هذا لسان حال الامام الحسين عليه السلام المبين بأن الامام الحسين عليه السلام كان بين ميزانين، ميزان أن يسلم بنفسه وأن ينئى بنفسه عن هذه المعركة وبين أن يقدم نفسه فداءاً للدين وفداءاً لشرع الله عزوجل. لذلك الامام الحسين وجد أن الواجب الشرعي وخاصة عندما قيل له أترك أطفالك ونساءك يابن رسول الله لعل القوم قد يتغيروا. قال الحسين عليه السلام "لقد شاء الله أن يراهن سبايا وشاء الله أن يراني قتيلاً". كان واضحاً في عملية المقايضة بين حياته ومايملك وبين القيام بواجب الدفاع عن الاسلام الذي شعر الامام الحسين أنه وصل الى حد الانتهاك والى حد الردة والى أن تعود الجاهلية هي الحاكمة ولم يكن الحكم لله في هذا الأمر. على هذا الأساس الامام الحسين أبدى هذه الغيرة على الاسلام وهذا التفاني في سبيل الاسلام، عندما قتل ولده الرضيع على صدره قال "اللهم هون ما نزل عليّ من البلاء أنه بعينك" وعندما قتل ولده علي الأكبر عبر بنفس الشعور "على الدنيا بعدك العفا يابني" لذلك كان الامام الحسين عليه السلام دائماً يركز على أن المسئلة ليست خلاف شخصي وليست مطامح حكم وادارة وإنما الاسلام هو الذي يريد أن يعبر مضمونه الاسلامي الخالد ويعبر عن حياته الاسلامية الخالدة في الدفاع عن هذه المبادئ السامية والمبادئ العالية. لذلك نحن ننظر الى الخط الذي رسمه الامام الحسين للأجيال هو أنه خلاصة من الدين والاسلام وهو القيم العليا وأن الفداء للاسلام والدفاع عن الاسلام هو الخط الأول والقضية الأولى للمسلمين. ومن هذا المنطلق انتصرت الثورات العالمية التي إنبثقت من خلال ثورة الحسين وإنتصرت المقاومة الاسلامية على العدو الاسرائيلي والآن نواجه أقسى انواع الهجوم الشرس من الارهابيين وذلك كله لايثنينا على أن نقدم التضحيات الكبيرة إقتداءاً بأبي عبد الله الحسين الذي فدا الاسلام بماله ونفسه ودمه.
نشكر سماحة الشيخ اديب حيدر على هذه التوضيحات ونتابع أيها الأخوة والأخوات من اذاعة طهران تقديم حلقة اليوم من برنامجكم الاحتجاجات الحسينية.
نعود – أيها الإخوة الأحبة – الى الرسالة الجوابية الإحتجاجية للإمام الحسين عليه السلام وقد كتب فيها لمعاوية: "أو لست المدعي زياد بن سمية، المولود على فراش عبيد عبد ثقيف؟! فزعمت أنه إبن أبيك، وقد قال رسول الله: "الولد للفراش، وللعاهر الحجر"، فتركت سنة رسول الله، واتبعت هواك بغير هدى من الله، ثم سلطته على أهل العراق، فقطّع أيدي المسلمين وأرجلهم، وسمل أعينهم، وصلبهم على جذوع النخل، كأنك لست من هذه الأمة وليسوا منك! أولست صاحب الحضرميين الذين كتب إليك فيهم ابن سمية أنهم على دين علي ورأيه، فكتبت إليه: أقتل كل من كان على دين علي ورأيه، فقتلهم ومثّل بهم بأمرك، دين علي – والله – وابن علي الذي كان يضرب عليه أباك "أي أبا سفيان قائد الشرك والمشركين"، وهو أجلسك بمجلسك الذي أنت فيه... فكدني ما بدا لك إن شئت؛ فإني أرجو أن لا يضرني كيدك، وأن لا يكون على أحد أضر منه على نفسك، على أنك تكيد فتوقظ عدوك، وتوبق نفسك، كفعلك بهؤلاء الذي قتلتهم ومثلت بهم، بعد الصلح والأيمان والعهد والميثاق، فقتلتهم من غير أن يكونوا قتلوا، إلا لذكرهم فضلنا، وتعظيمهم حقنا...).
وكان في خاتمة الرسالة الحسينية الشريفة – أيها الإخوة الأعزة – هذه العبارات الترهيبية الناصحة الموقظة لأهل العقول، لو كان معاوية من أهل العقول، حيث جاء فيها قوله عليه السلام: "أبشر – يا معاوية – بقصاص، واستعد للحساب، واعلم أن لله عزوجل كتاباً لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وليس الله تبارك وتعالى بناس أخذك بالظنة، وقتلك أولياءه بالتهمة، ونفيك إياهم من دار الهجرة (أي المدينة المنورة) الى الغربة والوحشة (كما فعل بالصحابي الجليل أبي ذر الغفاري)، وأخذك الناس ببيعة ابنك غلام من الغلمان، يشرب الشراب، ولعب بالكعاب".
وكأن هذه العبارات الأخيرة للإمام أبي عبدالله الحسين صلوات الله عليه، كانت تعريفاً تمهيدياً، ومقدمة لازمة لنهضة العاشورائية المقدسة، وحجة متقدمة لحمل ركبه الشريف الى كربلاء، حيث الملحمة العقائدية الجهادية العظمى، لتعرف للتاريخ وللأجيال ما هو الحق ومن أهله، و ما هو الباطل ومن أهله.. حجة بالغة لله رب العالمين، وصلى الله على المصطفى وآله الميامين.
مستمعينا الأفاضل، ونصل الآن الى تلخيص النتيجة العقائدية والتربوية التي نستفيدها من فقرات الحلقة الرابعة من برنامجكم (الإحتجاجات الحسينية) فقد اتضح مما نقلناه من إحتجاجات سيد الشهداء والإباء – عليه السلام – أنها تعبر عن أسمى مصاديق روح الغيرة على الإسلام المحمدي النقي، فهي تجسد صور العمل الأبي بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقول كلمة الحق بوجه السلطان الجائر بقلب واثق بالنصرة الإلهية من نصر دينه الحق.
وبهذا نصل الى ختام لقاء اليوم من هذا البرنامج إستمعتم له من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران شكراً لكم وفي أمان الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة