البث المباشر

المعالم الرئيسة لإحتجاجات الامام الحسين عليه السلام

الثلاثاء 28 مايو 2019 - 12:28 بتوقيت طهران

خبير البرنامج: السيد نذير الحسيني الأستاذ في الحوزة العلمية من مدينة قم المقدسة
السلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين.
أيها الإخوة الأكارم... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم في هذا الملتقى الحسيني الطيب معكم، ونفحات من الكلمات الهادية العابقة للإمام أبي عبدالله سيد شباب أهل الجنة، عليه أفضل الصلاة والسلام، يرشد فيها العقول، ويوقظ القلوب، ويطمئن النفوس، ويحيي الضمائر، ويفتح السبل لكل الناس، ليسلكوها نحو مرضاة الله تعالى، بالإيمان الصادق، والعمل الصالح، والإعتقاد السليم، والإلتزام بالشرع الحكيم، ومنهج دين الله العلي العظيم، الرب الرحيم.
إخوتنا الأفاضل... لو فتحنا كتاب الله العزيز، وبلغنا في تلاوتنا لسورة النحل الآية الخامسة والعشرين بعد المئة، لوجدنا أن الله جل وعلا قد خاطب حبيبه المصطفى بهذا البيان النوراني:
"ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ"
آية واحدة، بكلمات قليلة، رسمت لنا – أيها الإخوة الأعزة – منهجاً كاملاً في الدعوة الى الله ودين الله تبارك وتعالى، وعينت الطريقة والأسلوب، ونبهت الأذهان الى الرقابة الإلهية والعلم الرباني بالسرائر والمصائر، وبالنوايا والأغراض...
فهنالك – إخوتنا الأعزة – حوار ومحاورون، وهنالك أدلة وبراهين، ولابد من الجدال إذا كانت دعوة إلى الدين، ثم لابد أن يكون الجدال بالتي هي أحسن، فما هو – يا ترى – الأحسن؟
هل هو النية الأحسن، أم الأسلوب الأحسن، أم المنطق الأحسن، أم الدليل الأنسب الأحسن، أم كل هذا وذاك هو الأحسن؟ ولعل هذا هو الجواب الأحسن، ولا يتم ذلك إلا عند خلق الله الأحسن، وهم محمد وآل محمد – ومنهم أبوعبدالله الحسين – صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
أيها الإخوة الأحبة، في تفسيره (البرهان)، روى السيد هاشم البحراني أعلى الله مقامه، عن تفسير الإمام الحسن العسكري – صلوات الله عليه – أن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، ذكر عنده الجدال في الدين، وادعي أن رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام قد نهوا عنه، فقال عليه السلام يصحح هذا التوهم:
((لم ينه عنه [أي النبي صلى الله عليه وآله] مطلقاً، لكنه نهى عن الجدال بغير التي هي أحسن، أما تسمعون الله يقول: "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن" [العنكبوت:٤٦]؛ وقوله تعالى: "أدع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن". ثم قال الصادق المصدق عليه السلام:
"فالجدال بالتي هي أحسن قد قرنه العلماء بالدين، والجدال بغير التي هي أحسن محرم، حرمه الله تعالى على شيعتنا. وكيف يحرم الله الجدال جملة وهو يقول: "وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى"، قال الله: "تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ"(سورة البقرة:۱۱۱) فجعل الله علم الصدق والإيمان بالبرهان، وهل يؤتى بالبرهان إلا في الجدال بالتي هي أحسن؟!".
أجل إخوتنا الأفاضل.. قد تقتضي بعض المواقف أن يكون هنالك جدال، فليكن من المؤمن جدال بالتي هي أحسن، كيف يا ترى؟ في البدء أن تحسن النية فيه، فيكون خالصاً لوجه الله، طالباً مرضاة الله، منبثقاً عن الغيرة على دين الله وحرمات الله، راغباً في الهداية الى سبيل الله، داعياً الى رحمة الله ونور الله، جل وعلا وعزّ شأن الله. ثم لابد – أيها الأعزة – أن يكون الجدال ملتزماً بالأدب الرفيع والحكمة العالية والبرهان القاطع.. وهذا كله توفر لدى رسول الله صلى الله عليه وآله ولأهل بيته الطيبين، الهداة الميامين، ومنهم الإمام الحسين عليه وعليهم أفضل صلاة رب العالمين.
لنقف – أيها الأحبة – على شاهد حسيني من الجدال بالتي هي أحسن، ولكن بعد التعرف أولاً على المعالم الرئيسة لإحتجاجات الإمام الحسين – صلوات الله عليه – في عموم خطاباته وخاصة فيما يرتبط بأهداف قيامه الإلهي المقدس.
لنستمع معاً أيها الأخوة والأخوات لما يقوله عن هذه المعالم ضيفنا الكريم سماحة السيد نذير الحسيني الأستاذ في الحوزة العلمية من مدينة قم المقدسة
الحسيني: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على النبي المصطفى محمد وعلى اهل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين.
أهم المعالم الرئيسية التي إحتج بها الامام الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام هي أولاً القرآن، الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام رفع القرآن عالياً في ساحات كربلاء وإحتج بالقرآن كثيراً ولكن للأسف الشديد تلك البطون التي إمتلأت بالحرام كما عبر الامام الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام لم ترعوي لهذا الكتاب المبارك. كيف لايحتج الحسين بالقرآن وهو عدل القرآن وهو الذي قال بحقه وبحق أبيه وأخيه وأبناءه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله "إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض". فالإحتجاج الأول والمعلم الأول للإمام الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام كان القرآن. الأمر الثاني الذي إحتج به الامام الحسين هو السنة الشريفة، رفع الكثير من الأحاديث في ساحات كربلاء، ذكرهم بأحاديث وأقوال النبي الكرم صلى الله عليه وآله بل إستدعى الصحابة الذين كانوا في الجيشين، في جيش عمر بن سعد وفي جيش الحسين إستدعاهم وعرض عليهم الكثير من الأحاديث التي كانت تتحدث عن أن الحسين امام قام او قعد. فالمعلم الثاني الذي إحتج به الامام الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام هو معلم السنة الشريفة وأحاديث النبي الأكرم صلى الله عليه وآله. الأمر الثالث الذي إحتج به الامام الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام هي الصول الانسانية التي يجب على كل انسان سواء إنتمى لهذا الدين او ذاك الدين، سواء كان يؤمن بدين معين او لايؤمن بدين معين ، الأصول الانسانية التي إحتج بها الامام الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام كان عبارة عن ألف الاصلاح، الامام الحسين ذكر هذه المفردة مراراً وتكراراً "لم أخرج أشراً ولابطراً ولامفسداً ولاظالماً وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي محمد صلى الله عليه وآله". من منا لايريد الاصلاح؟ سواء كنا ننتمي الى دين او لاننتمي الى دين، لايوجد انسان اليوم يتجرأ ويخرج على شاشات التلفزيون او الفضائيات او حتى على المنابر الاعلامية المختلفة ويقول لاأريد الاصلاح. الاصلاح مطلب فطري للبشرية، الجميع يطلبون الاصلاح. الامام الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام إحتج على القوم بأن هذه الثورة التي خرج بها، بعياله، بأطفاله، بنساءه، برجاله وبأصحابه كانت ترفع شعار الاصلاح "إنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي محمد صلى الله عليه وآله". الأصل الأول من الأصول الانسانية التي دعا اليها الامام الحسين عليه السلام في واقعة كربلاء كان الاصلاح. الأصل الآخر والذي أستطيع وضعه في الأصل الثاني الذي هو الرقم باء، هو محاربة الظلم والفساد. ذكر الامام الحسين عليه أفضل السلام صفات الحاكم الجائر الذي كان يحكم الأمة الاسلامية عندما قال نخاطباً الأمة في مواصفات يزيد، كان يزيد فاسقاً فاجراً شارباً للخمور ملاعباً للقردة والخنازير "ومثلي لايبايع مثله" وهنا الامام الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام ذكر أصلاً آخر من الأصول الانسانية التي يجب أن يرفعها صاحب الثورة ويجب أن يرفعها صاحب كل حركة إصلاحية في المجتمعات وهي محاربة الفساد، محاربة الظلم، محاربة الانحراف. ذكر الحسين مفردة مهمة في محاربة الفساد، ذكر أن مثل الحسين لايبايع مثل يزيد. هذه المثلية لاتتخصص وتتحدد في الأشخاص وإنما كل من يحمل مواصفات الحسين سوف لايقترب ولاتجمعه مصلحة مع من يحمل مواصفات يزيد. من هنا الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام فسر هذه القاعدة التي كانت تقول ولاتزال تقول في عالم السياسة الى هذا اليوم "لايوجد صديق دائم ولايوجد عدو دائم وإنما توجد مصلحة دائمة". هذه القاعدة فسرها الامام الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام على اعتاب كربلاء قال يوجد صديق دائم ويوجد عدو دائم، مثل الحسين لايمكن أن تجمعه مصلحة بمثل يزيد. اذن هذه الأصول الانسانية والأصول الشرعية التي رفعها الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام في واقعة كربلاء.
كانت هذه مستمعينا الأفاضل مشاركة سماحة السيد نذير الحسيني الأستاذ في الحوزة العلمية من مدينة قم المقدسة ضيفنا الكريم في حلقة اليوم من برنامج الاحتجاجات الحسينية فألف شكر له ونتابع من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران فننقل لكم نموذجاً من الإحتجاج الحسيني "بالتي هي أحسن" وفيه اشارة لطيفة الى وثاقة العلاقة بين صدق الايمان بالتوحيد الخالص وبين الإلتزام العملي بولاية أهل بيت النبوة صلوات الله عليهم أجمعين، تابعونا مشكورين.
إخوتنا الأعزاء.. لنذهب الى الموسوعة الروائية التي كتبها الحافظ ابن عساكر الدمشقي الشافعي، وهي (تاريخ مدينة دمشق) حيث أورد هذا الخبر العلمي الحواريّ، هكذا:
- عن عكرمة، عن عبدالله بن عباس أنه بينما كان يحدث الناس إذ قام إليه نافع بن الأزرق الخارجي فقال له: يا ابن عباس! تفتي الناس في النملة والقملة! صف لي إلهك الذي تعبد... فأطرق ابن عباس إعظاماً لقوله، وكان الحسين بن علي جالساً ناحية فقال لإبن الأزرق: "إلي يا ابن الأزرق!" فقال ابن الأزرق – تعالياً وتهرباً – يجيبه بجواب بعيد عن الأدب: لست إياك أسأل، قال ابن عباس: يا ابن الأزرق! إنه من أهل بيت النبوة، وهم ورثة العلم.
عندها أقبل نافع بن الأزرق نحو الحسين، فقال له الحسين عليه السلام:
"يا نافع! إن من وضع دينه على القياس، لم يزل الدهر في التباس، سائلاً ناكباً عن المنهاج، طاعناً بالإعوجاج، ضالاً عن السبيل، قائلاً غير الجميل. يا ابن الأزرق! أصف إلهي بما وصف به نفسه: لا يدرك الحواس، ولا يقاس بالناس، قريب غير ملتصق، بعيد غير منتقص، يوحد ولا يبعض، معروف بالآيات، موصوف بالعلامات، لا إله إلا هو الكبير المتعال!"
فبكى ابن الأزرق وقال مذعناً: يا حسين ما أحسن كلامك!
نعم، فقد تجلت له بكلمات قلائل من الإمام الحسين معاني التوحيد، فأصابه خشوع، وإن كان موقتاً، لكنه أخرسه عن مواصلة الجدال، وجعله يقر بالعجز عن إبداء رأي في مقال، بل ختم الموضوع بعبارة الإعجاب بكلام الإمام، لكن الإمام هنا لم يتركه، بل فتح له صفحة جدال بعد أن عرفه من هو ومن أية أسرة هو؟ فقال عليه السلام له: "بلغني أنك تشهد على أبي وعلى أخي بالكفر وعليّ!"
فماذا كان جواب ابن الأزرق؟ ليس إلا أن يقول: أما والله يا حسين، لئن كان ذلك، لقد كنتم منار الإسلام، ونجوم الحكام. فعاد عليه أبوعبدالله الحسين فقال له: "سل"، فسأله ابن الأزرق عن قوله تعالى: "وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ" (سورة الكهف:۸۲) فقال عليه السلام: "يا ابن الأزرق، من حُفظ في الغلامين؟!"
أجاب ابن الأزرق: أبوهما، وهنا عاد الإمام الحسين عليه السلام على ابن الأزرق ليوبخه كيف هو لم يحفظ رسول الله في سبطيه وولديه الحسن والحسين، حيث سأله ليلزمه قائلاً له: "فأبوهما خير أم رسول الله صلى الله عليه وآله؟!" فأسقط في يد ابن الأزرق، فأعلن انهزامه بهذه العبارة: قد أنبأ الله أنكم قوم خصمون!
أعزاءنا المستمعين؛ إذن نخلص مما تقدم الى معرفة حقيقة محورية فيما يرتبط بموضوع البرنامج وهي أن الإمام الحسين – صلوات الله عليه – قد جسد في جميع إحتجاجاته قبل قيامه الإلهي المقدس وبعد المنهج القرآني في الدعوة الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن.
هذا أولاً وثانياً فقد كان المعلم الرئيس لإحتجاجاته صلوات الله عليه هداية الأمة الى أن صدق الإيمان بالتوحيد الخالص يتمثل بالإلتزام العملي بولاية محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين؛ وهذا هو الهدف المحوري لقيامه الإلهي المقدس.
وبهذه النتيجة نختم أيها الأكارم، أولى حلقات برنامجكم (الإحتجاجات الحسينية) قدمناها لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران نشكركم على كرم المتابعة ودمتم بكل خير.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة