البث المباشر

في ذكري رحيل الصديقة الشهيدة

الثلاثاء 30 إبريل 2019 - 11:42 بتوقيت طهران
في ذكري رحيل الصديقة الشهيدة

مالعيني قد غاب عنها كراها

وعراها من عبرة ما عواها

حاش لله لست أطمع نفسي

آخر العمر في اتباع هواها

بل بكائي لذكر من خصها الله

تعالي بلطفه واجتباها

ليت شعري لم خولفت سنن

القرآن فيها والله قد أبداها

بنت من؟ ام من حليلة من

ويل لمن سن ظلمها وأذاها

وكذا أخبر النبي بأن الله

يرضي سبحانه لرضاها

السلام عليك أيتها الصديقة الشهيدة والزهراء المرضية، السلام عليك يوم ولدت مباركة ويوم رحلت مظلومة، مضطهدة السلام عليك وعلي ابيك المصطفي وبعلك المرتضي وأولادك عظم الله اجورنا واجوركم بأيام ذكري رحيل الصديقة الشهيدة مولاتنا فاطمة المرضية (سلام الله عليها). بهذه المناسبة المفجعة، نلتقيكم اخوة الايمان في هذا اللقاء الخاص بها من برنامج أيام خالدة معظمين شعائر الله بذكر صفيته الزهراء (عليها السلام)، يشتمل هذا اللقاء علي فقرات عدة منها:
- فقرة روائية عن الوفاة عنوانها: افتقادي فاطماً بعد أحمد
- تليها وقفة عند خصوصيات قصة الوفاة الفاطمية عنوانها: وفاة ليس كمثلها وفاة
- ويلي اللقاء فقرة عنوانها: دروس في الساعات الاخيرة
- تخلل ذلك أشعار علوية وغيرها في رثاء الصديقة المرضية
- وكلماتكم الوفية في هذه الذكري الاليمة

*******

افتقادي فاطماً بعد أحمد

لم ينجاوز عمر وديعة المصطفي الثمانية عشر ربيعاً عندما ودعت امته راحلة الي الرفيق الاعلي مظلومة تحمل علي جسدها الطاهر آثار ما نزل بها من ظلم وبعضها كانت تخفيها حتي عن زوجها المرتضي رأفة بغيرته العلوية التي تحملت كل ما نزل من مصاب جلل حرصاً علي حفظ الاسلام والمسلمين من نار الفتنة.
لم تبق الصديقة الشهيدة بعد ابيها سوي أربعين أو خمسة وسبعين أو تسعين يوماً علي اكثر الاقوال المعتبرة.
وقد جمع بينها بعض العلماء المحققين بقوله (رحمه الله): إنها (سلام الله عليها) قد لازمت فراش المرض بعد اربعين يوماً بسبب آلام الظلم والاذي الذي لحق بها يوم هجوم الدار وما بعده كمنعها حتي من البكاء في المدينة وقطع الشجرة التي كانت تستظل بها وغير ذلك مما يطول الكلام عنه.
وبعد خمسة وسبعين يوماً بلغ بها الضعف مبلغه حتي اصبحت كالخيال من ضعف بدنها كما ورد في حديث سليلها الصادق سلام الله عليه.
وبعد تسعين يوماً كان التحاقها بالرفيق الاعلي حيث فارقت روحها الطاهر جسدها المطهر وذلك في الثالث من شهر جمادي الاخرة من السنة الحادية عشر للهجرة.
روي المؤرخون انه لما توفيت الصديقة الشهيدة (سلام الله عليها) قال امير المؤمنين (عليه السلام): "اللهم اني راض عن ابنة نبيك، اللهم انها قد أوحشت فآنسها، اللهم انها قد هجرت فصلها، اللهم انها قد ظلمت فأحكم لها وانت خير الحاكمين ". ولما جن الليل غسلها وجهزها، وعملاً بوصيتها لم يدع للصلاة عليها سوي ابي ذر وسلمان والمقداد وعمار وحذيفة بن اليمان وابن مسعود في رواية، ولما واراها واخفي قبرها أنشأ يقول:

أري علل الدنيا علي ً كثيرة

وصاحبها حتي الممات عليل

لكل اجتماع من خليلين فرقة

وان بقائي عندكم لقليل

وان افتقادي فاطماً بعد احمدِ

دليل علي ان لا يدوم خليل

*******

وقفة الاكارم عند خصوصية مجريات وفاة سيد ة نساء العالمين تأتيكم في الفقرة التالية من برنامج ايام خالدة الخاص بهذه الذكري الاليمة عنوان الفقرة هو:

وفاة ليس كمثلها وفاة

اشتملت قصة وفاة مولاتنا الصديقة الشهيدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) علي كثير من الدروس والعبر العقائدية والاخلاقية، كيف لا وهي التي جعل الله جل جلاله رضاه وغضبه في رضاها وغضبها وهذا يعني ان من رضت عنه مولاتنا فاطمة (عليها السلام) رضا الله ومن غضبت عليه غضب الله جل جلاله عليه وهذا من أوضح الادلة علي عصمتها المطلقة ليس في افعالها فقط بل وفي مشاعرها ايضاً والعصمة في المشاعر أصعب وأعظم درجة وأسمي مرتبة من العصمة في الافعال.
فالانسان يمكن أن يكون معصوماً في افعاله فتكون افعاله الهية لكنه يكبت مشاعراً مضادة لها ومجاهدتها ابتغاء مرضاة الله عزوجل: أي ان مشاعره تبقي خاضعة بدرجة او اخري لرغبات نفسية وان لم يسمح لها بأن تؤثر علي سلوكياته وافعاله.
اما ان تصبح مشاعره الهية بالكامل فهذه مرتبة سامية تعني ان النفس ذاتها قد اصبحت متبعة حتي في رغباتها لارادة الله جل جلاله ولكن هذه ايضاً دون مرتبة مولاتنا الصديقة الزهراء (سلام الله عليها).
ان مرتبة العصمة المطلقة في الافعال والمشاعر التي تجلت في مولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) هي مرتبة الطهارة المطلقة من كل ما سوي الله عزوجل اي ان نفسها الزكية هي الهية بالكامل، تعبر عن رضا الله وغضبه.
اي انها عليها افضل الصلاة والسلام تغضب لما يغضب الله وترضي لما يرضي الله عزوجل، ولذلك فان الله عزوجل يغضب لغضبها ويرضي لرضاها.
وبعبارة اخري فان رضاها (عليها السلام) وغضبها لا يخضع حتي للانفعالات البشرية غير المذمومة، بل هو منزه بالكامل عن ذلك والا لما صح أن يقول الصادق الامين الذي لا ينطق عن الهوي النبي الاكرم (صلي الله عليه وآله) ان الله يغضب لغضبها ويرضي لرضاها ومضمون هذا الحديث الشريف مروي من طريق الفريقين وفي مصادرهم المعتبرة مثل صحيح البخاري - عند اهل السنة - وغيره كثير ولذلك فهو دليل من السنة النبوية المتفق عليها علي هذه المرتبة السامية من العصمة المطلقة التي تجلت في مولاتنا فاطمة الزكية.
ومن هذا الحديث الشريف ينطلق طالب الحق والحقيقة والساعي الي مرضاة الله عزوجل لدراسة قصة وفاة الصديقة الشهيدة فاطمة الزكية (سلام الله عليها) ليتعرف منها علي معالم الدين الحق واصحابه ومن ارضي الله ومن اغضبه قال رسول الله (صلي الله عليه وآله) للصحابي الجليل سلمان المحمدي رضي الله عنه وفي الحديث الذي رواه الفقيه الشافعي الحافظ ابو عبد الله ابراهيم بم محمد بن ابي بكر الجويني في كتابه القيم فرائد السمطين قال:
"يا سلمان، من احب فاطمة ابنتي فهو في الجنة معي، ومن أبغضها فهو في النار، يا سلمان حب فاطمة ينفع في مائة من المواطن، أيسر تلك المواطن الموت والقبر والميزان والمحشر والصراط والمحاسبة.
فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة رضيت عنه ومن رضيت عنه (رضي الله عنه)، ومن غضبت عليه غضبت عليه ومن غضبت عليه غضب الله عليه، يا سلمان ويل لمن يظلمها ويظلم بعلها أمير المؤمنين علياً، وويل لمن يظلم ذريتها وشيعتها".
والمعيار الذي يتضمنه مضمون هذا الحديث النبوي الشريف عام يشمل جميع العصور الاسلامية وكمصداق لذلك ننقل لكم القضية التالية التي ترتبط ببدايات تسلط حكومة البعث علي العراق في نهاية الستينات من القرن الميلادي المنصرم. فقد جاء وفد من القيادات البعثية الي النجف الاشرف يومذاك سعياً للحصول علي تأييد علماء حوزتها للحكم البعثي الجديد، وعندما التقوا أحد علمائها وطلبوا منه تأييد هذا الحكم فرفض هذا العالم واكتفي في جوابهم بالقول:
قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): ان الله ليغضب لغضب فاطمة ويرضي لرضاها.

نفسي علي زفراتها محبوسة

ياليتها خرجت مع الزفرات

لا خير بعدك في الحياة وانما

أبكي مخافة أن تطول حياتي

كانت هذه الابيات المليئة باللوعة بعض ما أنشأ الوصي المرتضي عند وفاتها الصديقة الشهيدة الزهراء (عليها السلام) طبق مارواه الحاكم في مستدركه علي الصحيحين وروي ايضاً، انه (عليه السلام) قال بعد وفاتها:

حبيب ليس يعدله حبيب

وما لسواه في قلبي نصيب

حبيب غاب عن عيني وجسمي

وعن قلبي وروحي لا يغيب

وقال (سلام الله عليه) مخاطباً، الصديقة الشهيدة (عليها السلام):

فراقك أعظم الاشياء عندي

وفقدك فاطم أدهي الثكول

سأبكي حسرة وأنوح شجواً

علي خلمضي أسني سبيل

الا يا عين جودي

حزني دائم أبكي خليلي

*******

معكم والفقرة التالية من هذا اللقاء الخاص بذكري رحيل مولاتنا الزهراء (عليها السلام) عنوان الفقرة هو:

دروس في الساعات الأخيرة

روي العلامة المجلسي في كتاب البحار أنه كان من وصية الصديقة الكبري لزوجها المرتضي - عليهما والهما افضل الصلاة والسلام - قبيل وفاتها أنه قالت له:
أوصيك يابن عم أن تتخذ لي نعشاً فقد رأيت الملائكة صوروا لي صورته، فقال لها صفيه لي، فوصفته، فاتخذه لها فأول نعش حمل علي وجه الارض ذاك، وما رأي احد قبله ولا عمل أحد. وفي ذلك عبرة جليلة في عظمة العفة الفاطمية وتكريم الحجاب في الاسلام، فقد كان المألوف قبل وفاة حبيبة المصطفي (صلي الله عليه وآله) أن يحمل المتوفي علي سرير لاغطاء له ويوضع علي جسده قماش يغطيه لكن تبقي معالم بدنه واضحة للرائي، وهذا ما انكرته سيدة العفاف والطهر وسنت سنة النعش الكريمة في الاسلام، قال الامام الصادق (عليه السلام): أول من جعل له النعش فاطمة بنت محمد (صلي الله عليه وآله) وبملاحظة الرواية الاولي ونزول الملائكة علي الصديقة الكبري بصورة النعش يتضح أن الامر يرتبط بتكريم خاص من الله جل جلاله لصفيته وام أصفيائه الزهراء المرضية (سلام الله عليها)
ومن الدروس المؤثرة التي اشتملت عليها قصة وفاة الصديقة الشهيدة حبيبة الله ورسوله وأوليائه فاطمة المظلومة (سلام الله عليها) دعاؤها للمذنبين من أمة محمد (صلي الله عليه وآله) وهي في الساعات الأخيرة من حياتها الشريفة.
فقد روي المؤرخون عن أسماء أو سلمي بنت عميس أن الزهراء طلبت قبيل وفاتها أن تأتيها ببقية حنوط أبيها المصطفي وتضعه تحت رأسها وتخرج عنها لأنها تريد أن تناجي ربها.
قالت أسماء: فخرجتُ عنها فسمعتها تناجي ربها فدخلت عليها وهي لا تشعر بي، فرأيتها رافعة يديها الي السماء وهي تقول:اللهم إني أسألك بمحمدٍ المصطفي وشوقه إليّ وببعلي علي المرتضي وحزنه عليّ، وبالحسن المجتبي وبكائه عليّ، وبالحسين الشهيد وكآبته عليّ، وببناتي الفاطميات وتحسرهن علي أن ترحم وتغفر للعصاة من أمة محمد (صلي الله عليه وآله) وتدخلهم الجنة إنك أكرم المسؤولين وأرحم الراحمين.
ولم يؤثر عن غير الصديقة الزهراء (سلام الله عليها) مثل هذا الدعاء وفي ساعات الإحتضار الصعبة، فما الذي يعبر عنه هذا الموقف؟ وما الذي يكشف عنه من أبعاد رأفة أم الأئمة وأم أبيها (سلام الله عليها) بالأمة المحمدية؟
قال القاضي ابوبكر بن قريعة من قصيدة له في مأساة الزهراء (عليها السلام).

ولأي حالٍ لُحدِّت

بالليل فاطمة الشريفة

آهٍ لبنت محمدٍ

ماتت بغصتها آسيفة

أما مسك ختام هذا اللقاء الخاص بذكري وفاة بضعة المختار وأم الأئمة الأطهار وعبرة الكرار سيدة النساء الزهراء (عليها السلام) فهو أن نتقرب الي الله تبارك وتعالي بزيارة أمته الطاهرة من بعيد بهذه الفقرات من زيارتها المروية عن أئمة العترة والتي رواها السيد ابن طاووس (رحمه الله) في كتاب الإقبال فنقول:
السلام عليك يا أم المؤمنين، السلام عليك أيتها الصديقة الشهيدة السلام عليك أيتها الصادقة الرشيدة، السلام عليك يا والدة الحجج علي الناس أجمعين.
السلام عليك أيتها المظلومة الممنوعة حقها، السلام عليك أيتها المحدثة العليمة، السلام عليك أيتها المعصومة المظلومة السلام عليك أيتها الطاهرة المطهرة السلام عليك أيتها المضطهدة المغصوبة حقها، السلام عليك أيتها الغراء الزهراء السلام عليك يا فاطمة بنت محمد رسول الله ورحمة الله وبركاته.
اللهم صلّ عليها صلاة تُزيد في محلها عندك وشرفها لديك ومنزلتها من رضاك، وبلغها منا تحية وسلاماً وآتنا في لدنك في حبها فضلاً وإحساناً ومغفرةً وغفرانا إنك ذو العفو الكريم يا أرحم الراحمين.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة