البث المباشر

علي في أفق الشهادة

الثلاثاء 30 إبريل 2019 - 08:00 بتوقيت طهران
علي في أفق الشهادة

أفي شهر الصيام فجعتمونا

بخير الخلق طراً أجمعينا

ومن بعد النبي فخير نفسٍ

أبو حسنٍ وخير الصالحينا

فلو أنا سئلنا المال فيه

بذلنا المال فيه والبنينا

كأن الناس إذ فقدوا علياً

نعام جال في بلدٍ سنينا

فلا والله لا أنسي عليا

وحسن صلاته في الراكعينا

لقد علمت قريشٌ حيث كانت

بأنه خيرها حسباً ودينا

يقيم الحق لا يرتاب فيه

وينهك قطع أيدي السارقينا

فتبكي أم كلثومٍ عليه

بعبرتها وقد رأت اليقينا

بسم الله وله الحمد والمجد رب العالمين والصلاة والسلام علي خير النبيين وأخيه خير الوصيين وعلي آلهما الطيبين الطاهرين.
السلام عليك يا وليد بيت الله وقوامه، والسلام عليك يا شهيد بيت الله ويا ذمامه، السلام عليك يا أول القوم إسلاماً وأكملهم أيمانا وأعظمهم عناءً في سبيل الله والمستضعفين، السلام عليك يا مجير المظلومين وابي اليتامي وكهف الأرامل والمحرومين، السلام عليك يا أمير المؤمنين يوم ولدت سيداً مباركاً ويوم إستشهدت شهيداً مظلوماً ورحمة الله وبركاته.
عظم الله أجورنا وأجوركم بمصابنا ومصاب الإسلام بإستشهاد ولي الله المرتضي وكاشف الكرب عن وجه المصطفي باب مدينة العلم المحمدية وعيبة الحكمة الالهية أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام).
وتعظيماً لشعائر الله نلتقيكم بهذه المناسبة الأليمة في لقاءٍ خاص من برنامج أيام خالدة وفي الفقرات التالية:
- روائية عنوانها: مقتل من مقتله مقتل رسول الله
- ثم حكاية من مجريات أيام الشهادة العلوية عنوانها: يا مولاي أنت أبي
- تليها فقرة روائية عنوانها: إنها الليلة الموعودة

*******

أولي فقرات البرنامج - اخوة المؤمنين - تحمل العنوان التالي:

مقتل من مقتله مقتل رسول الله

قبل ما يزيد علي ثلاثين عاما من إستشهاد أمير المؤمنين (سلام الله عليه) أخبر الصادق الأمين (صلي الله عليه وآله) بهذه الشهادة ووقوعها في شهر رمضان المبارك.
كان ذلك في خطبة إستقبال شهر الله الأكبر التي ألقاها رسول الله (صلي الله عليه وآله) في آخر جمعة من شهر شعبان؛ ففي هذه الخطبة المروية في كثير من المصادر المعتبرة تحدث الصادق الأمين صلوات الله عليه وآله للمسلمين عن فضائل شهر الله وفي أخرها قام الإمام علي (عليه السلام) وسأل النبي قائلاً: يا رسول الله، ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟
فقال (صلي الله عليه وآله): يا أبا الحسن، أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله.
ثم بكي، فقال علي: يا رسول الله، ما يبكيك؟
قال: يا علي أبكي لما يستحل منك في هذا الشهر، كأني بك وأنت تصلي لربك وقد إنبعث أشقي الأولين والآخرين شقيق عاقر ناقة ثمود، فضربك ضربة ًعلي قرنك فخضب منها لحيتك.
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا رسول الله وذلك في سلامةٍ من ديني؟
أجاب (صلي الله عليه وآله): في سلامة من دينك، ثم قال: يا علي من قتلك فقد قتلني ومن أبغضك فقد أبغضني، ومن سبك فقد سبني، لأنك مني كنفسي، روحك من روحي، وطينتك من طينتي، إن الله تبارك وتعالي خلقني وإياك وإصطفاني وإياك، وإختارني للنبوة وإختارك للإمامة، فمن أنكر إمامتك فقد أنكر نبوتي.
يا علي أنت وصيي وأبو ولدي وزوج إبنتي وخليفتي علي أمتي في حياتي وبعد موتي، أمرك أمري ونهيك نهيي، أقسم بالذي بعثني بالنبوة وجعلني خير البرية إنك لحجة الله علي خلقه، وأمينه علي سره وخليفته علي عباده.
لقد أخبر رسول الله (صلي الله عليه وآله) وفي خطبة عامة بمحضر من المسلمين بأن وصيه سيقتل مظلوماً ويرحل الي ربه الأعلي شهيداً وتُنتهك حرمته وهي أقدس حرمة لله عزوجل بعد حرمة حبيبه المصطفي (صلي الله عليه وآله). هذه الحرمة القدسية ستُستحل في شهر الله الأكبر؛ فما الذي كان يرمي إليه معدن الحكمة والرحمة (صلي الله عليه وآله) من إخبار المسلمين بأستشهاد وصيه وقبل ما يزيد علي ثلاثين من وقوعها؟

ألا يا عين ويحك فأسعدينا

الا وأبك أمير المؤمنينا

رُزئنا خير من ركب المطايا

وحثحثها ومن ركب السفينا

إذا استقبلت وجه أبي حسينٍ

رأيت البدر راق الناظرينا

يقيم الحدّ لا يرتاب فيه

ويقضي بالفرائض مستبينا

ألا أبلغ معاوية بن حربٍ

فلا قرت عيونُ الشامتينا

فلا تشمت معاوية بن حرب

فإن بقية الخلفاء فينا

*******

نتابع تقديم برنامج ايام خالدة في حلقته الخاصة بهذه المناسبة المفجعة وندعوكم للفقرة التالية وحكاية عنوانها هو:

يا مولاي أنت أبي

نَفَر الأصبغ بن نباتة ومعه جماعة من المؤمنين الي دار أمير المؤمنين بعد أن نُقل إليها مخضباً بدمائه الزكية من ضربة الغدر التي تلقاها من ابن ملجم وهو ساجد في محراب مسجد الكوفة الأعظم جلس الأصبغ ومَن معه عند الباب فسمعوا البكاء وأجهشوا هم بالبكاء وإرتفعت أصواتهم، فخرج إليهم الحسن بن علي (عليه السلام) وقال:
يقولُ لكم أمير المؤمنين: إنصرفوا الي منازلكم يرحمكم الله لقد كان الوجع قد إشتد بالإمام وقد إجتمع حولَه أهل بيته فلم يكن بالأمكان أن يستقبل أحداً ولذلك أمر (عليه السلام) القوم بالإنصراف الي منازلهم فإنصرفوا إلا الأصبغ بن نباته فقد بقي جالساً عند الباب وقد إشتد بكاؤه مع إشتداد بكاء من في بيت علي (عليه السلام).
ومن داخل الدار سمع الإمام الحسن بكاء الأصبغ فخرج إليه وقال له: ألم أقل لكم: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول لكم إنصرفوا الي منازلكم.
ولم يكن الأصبغ يقصد مخالفة أمر أمير المؤمنين ولكن قد جاش في قلبه من الوجد مالم يعد معه يملك أمره.
أجاب عن سؤال مولاه الحسن (عليه السلام) قائلاً: لا والله يا ابن رسول الله، لا تتابعني نفسي ولا تحملني رجلي أن أنصرف حتي أري أمير المؤمنين، وشهق الأصبغ بالبكاء وبلغ به الوجد والحزن والشوق مداه.
دخل الإمام الحسن الدار لكي يستأذن لهذا المؤمن الذي لم يطق فراق أمير المؤمنين (عليه السلام)، فلم يلبث أن خرج الحسن وقال له: أدخل.
يقول الأصبغ بن نباتة: فدخلت علي أمير المؤمنين (عليه السلام) فاذا هو مستند معصوب الرأس بعمامة صفراء قد نزف وإصفر وجهه ما أدري وجهه أصفر أم العمامة، فاكببتُ عليه فقبّلته وبكيت فقال (عليه السلام) لي: لا تبك يا أصبغ فإنها والله الجنة.
فقلت له: جعلت فداك، إني أعلم والله أنك تصير الي الجنة، وإنما أبكي لفقداني إياك.
وهنا طلب الأصبغ طلباً من الإمام علي (عليه السلام) تبلورت فيه وحدة محبة النبي ومحبة الوصي عليهما وآلهما السلام، قال: يا أمير المؤمنين، جعلت فداك حدثني بحديث سمعته من رسول الله (صلي الله عليه وآله) فإني أراني لا أسمع منك حديثاً بعد يومي هذا.
ورغم ما كان به إستجاب (عليه السلام) لطلب هذا المؤمن المحب ونقل له حادثة ترتبط بأيام مرض رسول الله الذي توفي فيه (صلي الله عليه وآله) قال: نعم يا أصبغ، دعاني رسول الله (صلي الله عليه وآله) يوماً فقال لي: يا علي إنطلق حتي تأتي مسجدي ثم تصعد منبري، ثم تدعوا الناس إليك فتحمد الله تعالي وتثني عليه وتصلّي عليّ صلاة كثيرة، ثم تقول: أيها الناس إني رسول الله إليكم وهو يقول لكم: أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ ولعنة ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين ولعنتي علي من إنتمي الي غير أبيه أو إدعي الي غير مواليه أو ظلم أجيراً أجره.
فأتيت مسجده (صلي الله عليه وآله) وصعدت منبره، فلما رأتني قريش ومن كان في المسجد أقبلوا نحوي فحمدت الله وأثنيت عليه وصليت علي رسول الله صلاة كثيرة ثم قلت: أيها الناس إني رسول الله إليكم وهو يقول لكم: أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ ولعنة ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين ولعنتي علي من إنتمي الي غير أبيه أو إدعي الي غير مواليه أو ظلم أجيراً أجره.
كان الأصبغ ينصت لما يقوله مولاه أمير المؤمنين وما يحدثه (عليه السلام) به وهو يفكر في مغزي ما يحدثه به وما الذي يقصده رسول الله (صلي الله عليه وآله) من لعن من إنتمي الي غير أبيه أو إدعي الي غير مواليه أو ظلم أجيراً أجره وظل ذهنه منشغلاً في هذا التفكير وهو يستمع لما يحدثه به أمير المؤمنين حديث أخبره إعتراض الحاضرين علي رسالته وقوله له: قد أبلغت يا أبا الحسن ولكنك جئت بكلام ٍ غير مفسرٍ يقول أمير المؤمنين:
فقلت: أبلغ ذلك رسول الله، فرجعت الي النبي (صلي الله عليه وآله) فأخبرته الخبر فقال: إرجع الي مسجدي حتي تصعد منبري، فأحمد الله وأثن ِ عليه وصلّ عليّ ثم قل: أيها الناس ما كنا لنجيئكم بشيء ٍ الا وعندنا تأويله وتفسيره، ألا وإني أنا أبوكم؛ ألا وإني مولاكم، ألا وإني أجيركم.
وهنا تذكر الأصبغ بن نباتة حديث رسول الله (صلي الله عليه وآله): يا علي أنا وأنت أبوا هذه الأمة، وحديث: من كنت مولاه فهذا علي مولاه وآية: قُل لّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى.
بكي الأصبغ وهو يجد أمير المؤمنين ينعي نفسه بهذا الحديث وهو يدعوه الي التمسك بأبوة وولاية ومودة الحسن والأئمة من بعده (عليهم السلام) مثلما دعا رسول الله المسلمين الي التمسك بأبوة وولاية ومودة وصيه وأخيه أمير المؤمنين (عليه السلام) في الحادثة التي حدثه بها. فعرف الأصبغ وهو يقبل غرة الإمام الحسن (عليه السلام) سر إختيار الأمير (سلام الله عليه) لهذا الحديث بالذات لكي يحدثه به.

لقد هُدَّ ركني أبا شبّر

فما ذاقت العين طيب الوسن

و أقلقني طول تذكاره

وألفيتُ دَهري رهين الحزن

*******

قتلت شرارُ بني أمية سيداً

خير البرية ماجداً ذا شان

فهو المفضّل في السماء وأرضها

سيف النبي وهادم الأوثان

بكت المشاعر والمساجد بعد ما

بكت الأنام له بكل مكان

*******

بكيتك يا علي بدر عيني

ومن لي أن أبثك ما لديّا

فيا أسفي عليك وطول شوقي

وأنت اليوم أوعظ منك حيّا

*******

معكم الآن في فقرة روائية عنوانها:

إنها الليلة الموعودة

روي الأصبغ بن نباتة رضي الله عنه أن علياً (عليه السلام) بعد أن ضربه ابن ملجم لعنه الله: لقد ضربت في الليلة التي قُبض فيها يوشع بن نون [وصي موسي (عليه السلام)] ولأقبضن في الليلة التي رُفع فيها عيسي بن مريم (عليهما السلام).
وحلت ليلة التاسع عشر من شهر رمضان المبارك من سنة أربعين للهجرة النبوية في تلك الليلة كان إفطاره في منزل صهره عبد الله بن جعفر عند إبنته العقيلة الكبري ام كلثوم زينب (سلام الله عليها)، فقد كانت سنته في شهر رمضان الذي استشهد فيها أن يفطر ليلة عند الحسن وليلة عند الحسين وليلة عند زينب عليهم جميعاً صلوات رب العالمين.
في تلك الليلة لم يزد إفطاره علي ثلاث لقيمات، فسألته إبنته عن ذلك فقال: يأتيني أمر الله وأنا خميص؛ أي علي جوع.
وفي تلك الليلة كان (سلام الله عليه) يكثر من الخروج الي فناء بيت إبنته زينب وينظر الي السماء وهو يقول: والله ما كذبتُ ولا كذّبتُ وإنها الليلة التي وعدت فيها.
فسألته العقيلة عن هذا السهر فقال: إني مقتولٌ لو أصبحت.
فقالت: مُر جعدة وهو من أصحابه فليصل بالناس [تعني صلاة الفجر].
قال: نعم، مُروا جعدة ليصل.
ثم مَرَّ وقال: مفر من الأجل.
وخرج (عليه السلام) بنفسه الي الصلاة وهو يقول:

خلوا سبيل المؤمن المجاهد

في الله ذي الكتب وذي المشاهد

في الله لا يعبد غير الواحد

ويوقظ الناس الي المساجد

شدّ (عليه السلام) إزاره وخرج وهو يقول:

إشدد حيازيمك للموت فإنّ الموت لاقيكا

ولا تجزع من الموت إذا حلّ بواديكا

فلما خرج الي صحن الدار، إستقبلته الأوزُ فصحن. فجعلوا يطردونهن، فقال: دعوهن فإنهن نوائح وصوائح تتبعها نوائح.
ثم قال: اللهم بارك لنا في الموت، اللهم بارك لنا في لقائك.
وأقبل (عليه السلام) الي مسجد الكوفة وهو ينادي بالناس: الصلاة الصلاة.
ويقول للنائم: الصلاة يرحمك الله.
ثم يتلو: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ.
صعد مئذنة المسجد للأذان، وإرتفع صوته - وللمرة الأخيرة - بالأذان وتردد الصوت المبارك في أجواء المدينة وبقي مذخوراً في فضائها تسمعه قلوب المؤمنين يدعوهم الي الفلاح والصلاة في كل زمان.
ونزل (سلام الله عليه) من المئذنة وهو يسبح الله ويقدسه ويكبره ويكثر من الصلاة علي النبي (صلي الله عليه وآله)، ومَر علي النائمين في المسجد يوقظهم للصلاة بتلك العبارات المفعمة بالرأفة حتي وصل الي شخص قد نام علي وجهه فقال له: يا هذا قم من نومك هذا فإنها نومة يمقتها الله وهي نومةِ الشيطان ونومة النار.
فتحرك الرجل - وكان هو اللعين ابن الملجم - كأنه يريد أن يقوم وهو مكانه لا يبرح فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) مخاطباً له: لقد هممت بشيء ٍ تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا.
ثم تركه وعدل الي محرابه وقام قائماً يصلي يطيل الركوع والسجود كعادته في الفرائض والنوافل، فقام ذلك اللعين الذي كان نائماً علي وجهه ووثب بسيفه عند الإسطوانة وهو يضرب بالسيف المسموم علي الرأس الشريف عند ما رفعه الإمام من السجدة الأولي من الركعة الأولي فوقعت الضربة في مكان الضربة التي أصابه بها عمروبن ود العامري يوم الخندق. أخذت الضربة الي مفرق الرأس الي موضع السجود فقال (عليه السلام): بسم الله وبالله وعلي ملة رسول الله.
وترددت في الخافقين صرخة تقول: فزتُ ورب الكعبة.

يا للرجال لعظم هول مصيبة

قدحت فليس مصابها بالهازل

والشمس كاسفة لفقد إمامنا

خير الخلائق والامام العادل

يا خير من ركب المطيّ ومن مشي

فوق الثري من حافي أو ناعل

يا سيدي ولقد هددت قواءنا

والحق أصبح خاضعاً للباطل

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة