البث المباشر

ذكرى استشهاد مولانا التقي الجواد عليه السلام

الإثنين 29 إبريل 2019 - 13:03 بتوقيت طهران
ذكرى استشهاد مولانا التقي الجواد عليه السلام

سأنعى التقى والجود اذا فقدا بما

جرى من ولاة في خيرة الرضا

على الدار من بعد الجواد عفاتها

فواضيعة الاسلام من بعدما قضى

محمد جواد الاولياء ومن له

فضائل لا تحصى يضيق بها الفضا

ستبكيه عين المجد والشرف الذي

تساوى وعين العلم والحق والرضا

سابكيه مادامت حياتي وبعدما

أكون رميماً لست عن ذاك معرضا

وله الحمد حمد الشاكرين له في السراء والضراء وفي العافية والرزايا والبلاء. والصلاة والسلام على اهل بيت النبوة والرحمة، والشهداء على الامة محمد وآله الاصفياء.
السلام عليكم، وعظم الله أجوركم وأجورنا وأحسن لنا ولكم العزاء بذكرى استشهاد مولانا التقي الجواد فتى المحمديين الاتقياء وتاسع الحجج المرضيين والائمة الطاهرين.
تعظيماً لشعائر الله واحياء لهذه المناسبة الاليمة نلتقيكم ايها الاخوة والاخوات في هذا اللقاء الخاص من برنامج ايام خالدة، ضمن فقرات عدة:
- الاولى عنوانها: شهيد بكته السماء والارض
- اما عنوان الثانية فهو: وارث الانبياء وسهام الاشقياء
- وعنوان الفقرة الثالثة هو: من جود امام الجود والعطاء

*******

اعزاءنا طهران كونوا معنا في الفقرة الاولى من هذا البرنامج الخاص بذكرى استشهاد مولانا تاسع ائمة العترة المحمدية وعنوانها هو:

شهيد بكته السماء والارض

في آخر شهر ذي القعدة الحرام من سنة (220 للهجرة) قضى مولانا الامام التقي محمد الجواد )عليه السلام) نحبه شهيداً مسموماً ولم يتجاوز عمره الشريف خمسة وعشرون سنة وثلاثة شهور وعشرين يوماً.
ودفن جسده الطاهر في مقابر قريش الى جوار جده الامام الكاظم عليه السلام.
وكان عليه السلام قد اخبر صاحبه باستشهاده قبل توجهه الى بغداد عندما استدعاه المعتصم العباسي اليها، وعندما خرج عليه السلام من المدينة قال ـ كما في كتاب الثاقب في المناقب: «ما اطيبك يا طيبة، فلست بعائد اليك».
ويستفاد مما روته المصادر المعتبرة انه )عليه السلام) سُمَّ على الاقل مرتين خلال اقامته في بغداد التي لم تتجاوز عشرة شهور.
الاولى في دار وزير المعتصم العباسي والثانية عندما عاد الى منزله حيث دست له زوجته بنت المأمون السم في عنب بتدبير من المعتصم وأخيها جعفر بن المأمون، قال المؤرخ المسعودي في تاريخ مروج الذهب: «فلما انصرف ابو جعفر (الجواد) الى العراق لم يزل المعتصم وجعفر بن المأمون يدبرون ويعملون الحيلة في قتله، فقال جعفر لاخته ام الفضل في ذلك لانه وقف على انحرافها عنه وغيرتها عليه.
فأجابت اخاها جعفراً وجعلوا سما في شيء من عنب رازقي.
وكان يعجبه العنب الرازقي فما اكل منه ندمت وجعلت تبكي.
فقال (عليه السلام) لها: ما بكاؤك؟ والله ليضربيك الله بفقر لا ينجبر وبلاء لا ينستر، فبليت بعلة في اغمض المواضع من جوارحها صارت ناسوراً ينتفض في كل وقت، فانفقت مالها وجميع ملكها على تلك العلة حتى احتاجت الى رفد الناس وتردى أخوها جعفر في بئر فأخرج ميتاً وكان سكراناً...».
وبذلك تحقق ما اخبر عنه الامام التقي سلام الله عليه من نزول العقاب الالهي بقاتليه سريعاً، كما تحقق ما اخبر عنه والده الامام الرضا (عليه السلام) قبل استشهاده بسم المأمون، فقد روي عنه انه قال لاصحابه يوم مولد ولده الامام الجواد (عليه السلام): «يقتل ابني محمد غصباً فتبكي عليه اهل السماء والارض ويغضب الله عزوجل على عدويه وظالميه ولا يلبث الا سنة حتى يحل الله به عذابه الاليم وعقابه الشديد الجسيم».
قال آية الله السيد محسن الامين قدس سره في كتاب المجالس السنية وهو يرثي امامنا الجواد (سلام الله عليه) ويخاطبه بالقول:

اتقتل يا ابن الشفيع المطاع

ويا بن المصابيح ويا بن الغرر

ويا ابن الشريعة وابن الكتاب

ويا بن الرواية وابن الاثر

مناقب ليست مجهولة

ببدو البلاد ولا بالحضر

مهذبة من جميع الجهات

ومن كل عائبة أو كدر

*******

ايها الاخوة والاخوات نتابع من اذاعة طهران هذا اللقاء الخاص من برنامج ايام خالدة الذي نقدمه لكم بمناسبة ذكرى استشهاد امامنا الجواد عليه السلام ندعوكم لفقرة تحليلية عنوانها هو:

وارث الانبياء وسهام الاشقياء

من الاسباب المهمة التي دفعت بني العباس الى الاسراع في قتل مولانا الامام الجواد )سلام الله عليه) هو ما احدثته امامته المبكرة من ضجة بين المسلمين، مع انتشار اخبار اجاباته العلمية الدقيقة التي ابهتت جميع العلماء واثلجت صدور الاصدقاء الذين رأوا في امامهم التاسع بأنه يجدد صور ما حكاه القرآن الكريم عن عيسى ويحيى (عليهما السلام) وعلى نطاق اوسع بكثير، فقد جرت معه عليه السلام وهو دون العاشر كثيراً من هذه الحوادث وفي مجالس متعددة كان يجيب على ادق المسائل العلمية الشرعية التي عجز عنها العلماء وبين للامة ان وراثة علوم مدينة الحكمة المحمدية الهية لا تتأثر بعمر الامام.
كما ان هذه الظاهرة المجددة لتأريخ الانبياء (عليهم السلام) قد أثار الحقد والحسد في قلوب الاعداء وخاصة رجال البلاط العباسي الذين خشوا من آثارها على حكمهم لما ستؤدي اليه من اتساع توجه قلوب المسلمين اليه خاصة مع ما كانوا يجدون فيه سلام الله عليه من الاخلاق المحمدية بجميع نواحيها.
ومن هنا جاء قرار تصفية الامام التقي (عليه السلام) بكل وسيلة واغتياله بسرعو وهو في ريعان الشباب.
ومن جهة اخرى، فان امامنا الجواد (عليه السلام) قد كهد بتلك المناظرات وما اظهره في صغر سنه من العلوم والمعارف المحمدية؛ مهد بذلك لامامة ولده الامام الهادي (عليه السلام) الذي خلفه وهو ايضاً دون العاشرة، فتقبلت الامة امامته دون ان تسأل والده الجواد عليهما السلام عن صغر سنه.
لقد سلم مولانا الامام التقي امامنا الهادي مواريث الامامة قبل ان يتحرك الى بغداد في سفره الاخير وأخبر أصحابه بخلافته له، وقد نصت على ذلك نصوص كثيرة، منها ما رواه الكليني في الكافي عن الثقة التقي اسماعيل بن مهران قال: «لما خرج ابو جعفر (الجواد) عليه السلام من المدينة الى بغداد في الدفعة الاولى من خرجيته قلت له ـ عند خروجه ـ: جعلت فداك اني اخاف عليك في هذا الوجه [اي اخشى من قتل بني العباس لك] فإلى من الامر بعدك؟
فكر عليه السلام بوجهه ضاحكاً وقال: «ليس حيث ظننت في هذه السنة».
(اي انه سينجو من القتل في هذه المرة)، قال ابن مهران: فلما اخرج الثانية الى المعتصم صرت اليه، فقلت جعلت فداك انت خارج فالى من الامر بعدك؟
فبكى، ثم التفت الي فقال: «عند هذه يُخاف عليّ، الامر بعدي الى ولدي علي».
احباءنا قال احد شعراء الولاء من البحرين في رثاء امامنا التقي الجواد (عليه السلام) بادئاً بذم ابنة المأمون العباسي قال:

يا قاتل الله من أحيت بفعلها

شعار من قد سمت أفضل الرسل

بشراك فيما فعلت بالجواد لظىً

أبكيت فاطمة والمصطفى وعلي

واصبح الجود ملحوداً بحفرته

حيث الجواد قضى بالحادث الجلل

ولا السرور سرور بعده ولقد

تهدم الدين والكرسي في ميل

صلى عليه اله العرش ما طلعت

شمس النهار على الآكام والطلل

وقال اديب ولائي آخر في رثائه عليه السلام مؤنباً قاتله اللعين؛ قال:

أمعتصم لا زلت مثوى عذابه

أتعمد في قتل الوصي جوادها

عمدت الى ركن الهداية والندى

وباب علوم الله أصل رشادها

لقد زدتم في الجور آل يزيدها

وجاوزتم في الظلم آل زيادها

فما ظلم فرعون لموسى وآله

يزيد على ظلم لكم بل وعادها

اللهم العن اول ظالم ظلم حق محمد وآل محمد وآخر تابع له على ذلك.

*******

لا زلنا معكم اعزاءنا اذاعة طهران وبرنامج ايام خالدة في لقائه الخاص بذكرى استشهاد مولانا تاسع ائمة العترة المحمدية عليهم السلام وندعوكم الآن الى فقرة روائية عنوانها:

من جود امام الجود والعطاء

تجلت الاخلاق المحمدية الزكية بأسمى صورها في جميع ائمة العترة الطاهرة عليهم السلام ومنهم سمي المصطفى وسليله مولانا محمد الجواد (سلام الله عليه) نقضي دقائق مع بعض تجليات الجود المحمدي فيه (عليه السلام): روى الثقة العالم السيد قطب الدين الراوندي في كتاب الخرائج بسنده عن محد بن سهل انه كان مقيماً في مكة المكرمة فقدم الى المدينة المنورة لزيارة قبر نبيه الاكرم (صلى الله عليه آله) زيارة امام زمانة الامام الجواد (عليه السلام) وكان في نيته ان يطلب منه كسوة من ملابسه (عليه السلام) يتبرك وتكون كفناً له، ولكن لم يتفق له ان يطلب منه ذلك حتى ودعه وخرج، فنوى ان يكتب للامام (عليه السلام) كتاباً يضمنه طلبه الكسوة، قال محمد بن سهل: «فكتبت الكتاب، وصرت الى المسجد لاصلي ركعتين، وأستخير الله مئة مرة، فإن وقع في قلبي أن ابعث بالكتاب بعثت والا خرقته، فوقع قلبي ان لا ابعث به، فخرقته، وخرجت من المدينة، فبينما أنا كذلك، اذ رأيت رسولاً ومعه ثياب. يسأل عن محمد بن سهل حتى انتهى اليّ، فقال: مولاك بعث بهذا اليك».
واستلم محمد بن سهل الثياب من رسول مولاه الامام الجواد (عليه السلام)، وتحقق طلبه الذي لم يستطع أن يخبر الامام به، وبقت هذه الثياب عنده يصلي فيها الى ان توفاه الله فكفن فيها عملاً بوصيته.
وروي عن العبد الصالح الحسن بن الوشاء انه كان عند الامام الجواد سلام الله عليه في المدينة المنورة، فلما قام (عليه السلام) امره ان يبقى، قال الحسن بن الوشاء:
فقلت في نفسي: كنت اردت ان اسأل ابا الحسن الرضا (عليه السلام) قميصاً من ثيابه [للتبرك به] فلم افعل، فاذا عاد الي ابو جعفر [الجواد] اسأله [يعني أن يطلب منه قميصاً يتبرك به[.
قال الحسن: فارسل الي عليه السلام من قبل أن اسأله ومن قبل أن يعود وأنا في المشربة [وهو اسم المحل الذي كان جالساً فيه مع الامام]، ارسل الي بقميص، وقال الرسول:
يقول (عليه السلام) لك: هذا من ثياب ابي الحسن الرضا التي كان يصلي فيها.
وروى الشيخ المفيد في كتاب الارشاد عن علي بن مهزيار عن محمد بن الفرج أنه قال: ليتني اذا دخلت على ابي جعفر [الجواد] عليه السلام كساني ثوبين قطوانيين [مما يصنع في الكوفة] مما لبسه أحرم فيهما [للحج].
قال: فدخلت عليه بشرف [موضع قرب مكة] فاذا عليه رداء قطواني يلبسه، فاخذه وحوله من هذا العاتق الى الآخر ثم انه أخذ من ظهره وبدنه الى آخر مما يلبسه خلفه ثم اعطانيهما [اي بعد ان مسحمها ببدنه الشريف] وقال: «أحرم فيهما، بارك الله لك».
واخيراً مع هذه الرواية المعبرة عن شدة حب الامام لمجاورة جده المصطفى (صلى الله عليه وآله) فقد روي عن الحسين المكاري انه دخل على الامام الجواد (عليه السلام) عندما استدعي الى بغداد، فنظر الى ما في القصر الذي جعله بنو العباس له فتصور أن الامام في نعمة وترف فأخذ يحدث نفسه بأحاديث، فنظر عليه السلام له وقال: يا حسين، خبز شعير وملح جريش في حرم جدي رسول الله احب الي مما تراني فيه.
مرة اخرى نجدد تقديم احر تعازينا اذاعة طهران الاعزاء بمناسبة ذكرى استشهاد فتى الطالبن ابن الرضا محمد الجواد (عليه السلام).
الاكارم قال العلامة الاديب الشيخ محمد رضا المظفر رحمه الله من قصيدة طويلة في مدح مولانا الامام الجواد ورثائه سلام الله عليه:

بالامام الجواد منكم تمسكت

وحسبي من قدسه النفحات

حدث قلد الامامة فانقادت

لعلياء حكمه الحادثات

هو نور من قل أن تتجلى

بسنا الحق هذه الكائنات

يا ابا جعفر وما انت الا البحر

جوداً له الهدى مرساة

صمت عن حب ما سواكم لأزكو

وكذا الصوم للانام زكاة

عذب الله امة جعجعت فيكم

مقاماً قامت به الكائنات

قد تصابوا الى لظى غظب الجبار

صبت عليهم اللعنات

كيف تقضي سماً غريباً وبأسم

الله تجري ولأسمك الحادثات

أنت أدرى بما أتت به أم

الفضل لكن شاءت لك النازلات

يا له حادث تزعزع منه العرش

حزناً ومادت الراسيات

ذكرت المصادر التاريخية ان الواثق العباسي هو الذي صلى على جنازة مولانا الامام الجواد (عليه السلام).
ولا يخفى عليكم احباءنا ان هذه هي الصلاة الظاهرية في الملأ العام لان من الثابت في عقائد مدرسة اهل البيت (عليهم السلام) ان الامام المعصوم لا يصلي عليه الا الامام المعصوم. وقد ثبت في كتبنا المعتبرة ان الامام الهادي (عليه السلام) هو الذي صلى على جسد والده الجواد سلام الله عليه خفاء قبل نقله للتشييع العام حيث صلى عليه الواثق العباسي وسؤالنا هو عن اهداف البلاط العباسي من اقامة هذه الصلاة وإظهار الحزن على وفاته (عليه السلام).

*******

اعزاءنا ومن صدق الوفاء لائمة العترة المحمدية الاهتمام بالعمل بوصاياهم والاخذ بتعاليمهم، وها نحن نختم هذا اللقاء بذكرى استشهاد مولانا الامام الجواد عليه السلام بنقل طائفة من حكمه ووصاياه سلام الله عليه في فقرة عنوانها:

المعروف يديم النعم

روي عن العبد الصالح ابي هاشم الجعفري ـ وهو من اجلاء ذرية جعفر الطيار ومن خيار اصحاب الائمة عليهم السلام روي عنه انه قال:
سمعت ابا جعفر الجواد عليه السلام يقول: ان في الجنة باباً يقال له المعروف لا يدخله الا اهل المعروف.
قال ابو هاشم: فحمدت الله تعالى في نفسي وفرحت بما اتكلف من [قضاء] حوائج الناس، فنظر الي عليه السلام فقال: نعم دم على ما انت عليه فإن اهل المعروف في دنياهم هم اهل المعروف في الآخرة، جعلك الله منهم يا ابا هاشم ورحمك.
ومما قاله )عليه السلام) عن حقائق التوحيد العملي وسبل الصلاح والفلاح في حكمه القصار قوله:
كيف يضيع الله من كافله، وكيف ينجو من الله طالبه
من انقطع الى غير الله وكله الله اليه
من وثق بالله أراه السرور ومن توكل على الله كفاه الامور
الثقة بالله حصن لا يتحصن فيه الا المؤمن والتوكل على الله نجاة من كل سوء وحرز من كل عدو.
ومن قصار الحكم والمواعظ الجوادية قوله (سلام الله عليه):
من اطاعة هواه اعطى عدوه مناه
من هجر المداراة قاربه المكروه
من عاب عيب ومن شتم أجيب
من ركب مركب الصبر اهتدى الى مضمار النصر
وقال عليه السلام ان لله عباداً يخصهم بدوام النعم، فلا تزال فيهم ما بذلوا منها، فاذا منعوها نزعها عنهم وحولها الى غيرهم.
جعلنا الله واياكم الكرام من صالحي اشياع محمد وآله عليهم السلام الذين يفرحون لفرحهم ويحزنون لحزنهم.
وعظم الله اجورنا واجوركم بذكى استشهاد الامام التقي مولانا محمد الجواد (عليه السلام) فسلام عليه يوم ولد مباركاً ويوم رحل مسموماً مظلوماً شهيداً على ايدي اعداء الله الاشقياء، وسلام عليه يوم يبعث حياً.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة