البث المباشر

حديث عن أبعاد كونهم (عليهم السلام) "المطيعون لله" حوار مع الشيخ حسان سويدان يبين قرن الله طاعتهم (عليهم السلام) بطاعته وطاعة رسوله

الأربعاء 17 إبريل 2019 - 10:48 بتوقيت طهران

الحلقة 50

لا نزال نحدثك عن زيارة الجامعة، وهي الزيارة الخاصة بالائمة (عليهم السلام)، حيث تعتبر ذات اهمية خاصة من حيث حجمها ودلالتها وبلاغتها. اذ صيغت بناءً على طلب احدهم من الامام الهادي(ع) صياغة كلام بليغ لزيارتهم (عليهم السلام) فاملاها (عليه السلام)، وقد حدثناك عن مقاطعها متسلسلة وانتهينا من ذلك الى مقطع يسرد لنا جانباً جديداً من السمات العبادية التي تطبعهم (عليهم السلام) حيث جاء المقطع على هذا النحو: (اشهد انكم الائمة الراشدون، المهديون، المعصومون، المكرمون، المقربون، المتقون، الصادقون، المصطفون) ثم يقول: (المطيعون لله، القوامون بامره، العاملون بارادته ...الخ) هنا نلفت نظرك الى ان القسم الاول من المقطع "وقد حدثناك عنه في لقاءاتنا السابقة" يتناول سمات الائمة (عليهم السلام) من حيث بعدها الذاتي، كالرشد، والهدي، والعصمة ...الخ، واما القسم الآخر "وهو ما نبدأ بالحديث عنه" يتناول السمات الذاتية من حيث علاقتها بالوظيفة الالهية او التبليغية او السلوك العبادي العام وهي ما بدأتها الزيارة بعبارة "المطيعون لله" او "المطيعين لله" ... وهذا ما نبدأ بالحديث عنه الآن ...
الاطاعة والطاعة مصطلحان لا يخفيان على احد منا، حيث يعنيان الالتزام بمبادئ الله تعالى ... غير ان هذه المفردة او المفردتين ليستا من السهولة بحيث تنسحبان على سلوك الانسان لمجرد كونه يفقه دلالتهما او يلتزم بجملة من مصاديقهما ...
ولنبدل الكلمة "المطيع" بكلمة "الملتزم" ليتسنى لنا توضيح الدلالة بنحو اكثر بساطة .. وفي ضوء هذه الحقيقة نتساءل هل ان الالتزام بمبادئ الله تعالى متاح للبشرية جميعاً طبيعتاً لا يكلف الله نفساً الى وسعها ولكن الامر ليس بهذا النحو تقهر الشخصية ذاتها حتى يمكنها من تحقيق مفهوم الالتزام او الطاعة.
ولنتحدث قليلاً باللغة النفسية لاضاءة المفهوم بنحو اجلى.
ان الشخصية البشرية مركبة من مجموعة دوافع بعضها حيوي "كالحاجة الى الطعام والجنس والنوم ...الخ" وبعضها نفسي "كالحاجة الى التقدير والاحترام والحب ...الخ" وبعضها عقلي "كالحاجة الى المعرفة ...الخ".
ان كلا من هذه الدوافع ينتظمها جانبان متصارعان احدهما يأمر والاخر ينهى، احدهما يأمر باشباع الحاجة وفق مبادئ منضبطة "كاشباع الحاجة الجنسية من خلال الزواج" والاخر على العكس "كاشباع الحاجة المذكورة بطرق غير المشروعة" والشخصية الاسلامية مطالبة باشباع حاجاتها وفق النمط الاول الا وهو الالتزام بالطرائق التي رسمها الله تعالى يعني الشخصية غير الملتزمة تتجنب الطرائق غير المشروعة ... والملاحظ ان اشباع الحاجات يتطلب بنحوها المشروع "مقاومة" للطرف الآخر او "اكراه" النفس على "مخالفة" هواها الآخر "وهو وسوسة الشيطان وتزيينه" من هنا، تجيء الطاعة او "الالتزام" بمبادئ الله تعالى، تعبيراً عن "المقاومة" و"المخالفة" لهوى الشيطان ... ومن هنا تنفرز الشخصية الايجابية عن السلبية بقدر الحجم او بقدر درجات الالتزام او التمرد على المبادئ اتي رسمها الله تعالى.
ان الشخصيات الايجابية ذاتها درجات متفاوتة فهناك مثلاً من يلتزم بقدر محدد من المبادئ وهناك من تزداد درجة التزامه، وهناك من تتصاعد درجة التزامه حتى يصل الى العصمة وهذا ما لا يطبه الا الاعداد المحدودة جداً من البشرية متمثلة في الاربعة عشر معصوماً وفي الانبياء والاوصياء ومن ثم في الدرجة الادنى من هؤلاء متمثلة في الاولياء الصالحين الذي يتحدد عددهم ايضاً.
وما يعنينا من هذه المقدمة هو ان الزيارة التي نتحدث عنها عندما نقول عن الائمة (عليهم السلام) بانهم "المطيعون لله" فان الاطاعة هنا تصل درجة "العصمة" بمعنى انهم (عليهم السلام) لا يكتفون بمجرد الطاعة المتمثلة في العمل بالواجبات والابتعاد عن المحرم، ولا يكتفون بالعمل المندوب والابتعاد عن المكروه بل يحولون المباح ايضاً الى المندوب بل ليس هذا فحسب بل ان المندوب ذاته يكتب لديهم درجة عليا لا يصل اليها البشر العادي... وهذا ما يفسر لنا معنى ان الله تعالى اصطفاهم ائمة وخلفاء للرسول(ص) حيث ان معرفة الله تعالى سلفاً بما سيسلكونه من درب الطاعة جعلهم بالدرجة العليا من المنزلة وقرن طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله كما نص على ذلك في قرآنه الكريم لكونهم الصادقين، محور حديثنا مع سماحة الشيخ حسان سويدان في الاتصال الهاتفي التالي نسمتع معاً:

*******

المحاور: سماحة الشيخ في حلقتين سابقتين بينتم خلال تحليل عقلي ان صح التعبير تفسير موضوعي لآية اتقوا الله وكونوا مع الصادقين بأن فهم الآية يقودنا الى ضرورة ان يكون مصداق هؤلاء الصادقين هم المعصومون، هذه خلاصة ما تفضلتم، فيما يرتبط في تتمة الدليل على استناد الدليل النقلي حبنا لو تتفضلون به الآن.
الشيخ حسان سويدان: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين. ما خلصت اليه قبل الدليل النقلي وهي روايات كثيرة جداً في مدرسة اهل البيت وبعضها من مصادر غير اهل البيت (عليهم السلام) ما خلصت اليه هو ان الانسان اذا اراد ان يكون متقياً لابد ان يكون كذلك للامر الالهي اللازم فلابد وان يكون مع الصادق في كل شيء قولاً وعملاً وان هذا الصادق موجود دائماً وهو شرط التقوى فلا يكون هناك تقوى حقيقية عند الانسان الا اذا كان مع الصادق وعليه ففي كل عصر لابد وان يبحث عن الصادق فبقول مطلق حتى يكون معه، واذا كان مع الصادق فقد اصبح الصادق قدوة لان امري ان اكون مع الصادق يعني ان الامر تبعية بيني وبينه اذا كان هو الصادق وانا اريد ان اتعلق بأذياله فلابد وان اكون تابعاً له اذن لا اريد ان اتوسع اكثر في الآية فهي تدل على وجود صادق مطلق في الصدق في كل عصر وهو ما نعتقده في مدرسة اهل البيت يعني الآية من التحليل تقودنا الى ما تعتقده في مدرسة اهل البيت (عليهم السلام) ومما يؤيد ويؤكد هذا الفهم بشكل واضح هو ورود الروايات، لا اريد هنا ان اشير الى روايات من مدرسة اهل السنة والجماعة ويكفينا ما جمعه الحافظ السيوطي في الدر المنثور وقد جمع جل روايات التفسير المأثور عند اهل السنة في ذيل الآية الكريمة، من طرق اهل البيت ايضاً الروايات كثيرة جداً في ان المراد من الصادقين هم اهل البيت لا انهم هم ابرز المصاديق، بعض الآيات تشير الى انهم ساداتهم، لكن ما نلمسه في الروايات هنا هذه المرة وهي روايات عديدة جمعت في جل تفاسيرنا وبالاخص في تفسير البرهان للمحدث البحراني رضوان الله عليه هو قول الائمة (عليهم السلام) مثلاً عن الامام الباقر (عليه السلام) في اصول الكافي «اتقوا الله وكونوا مع الصادقين» قال ايانا عنى، لم يعني جميع الناس ونحن ساداتهم، ايانا عنى يشير الى ان مصداق الآية منحصر فينا.
المحاور: بأعتبار ان ايانا اذا تقدمت تفيد الحصر مثل اياك نعبد واياك نستعين؟
الشيخ حسان سويدان: وكونوا مثلاً رواية اخرى عن الامام الرضا (عليه السلام) في اصول الكافي ايضاً وهو اجل مصادرنا كما تعلمون قال «يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين» قال الصادقون هم الائمة (عليهم السلام)، وايضاً في تفسير على بن ابراهيم نفس التفسير هم الائمة.
المحاور: يعني اشارة الى ان مقامهم كونهم ائمة، ائمة يهدون الى الله بأمر الله؟
الشيخ حسان سويدان: يعني نفس الآية تقول الى امامة الصادقين كما نؤمر لنكون متقين بأن نكون مع الصادقين يعني نحن مأمورون بالتبعية لهم، الصادق عندما تؤمر ان تمشي معه وتكون معه لتتبعه في صدقه فاذا كانت كل حياته صدق كأن تكون معه في كل حياة.
المحاور: سماحة الشيخ حسان سويدان لدينا سؤال فيما يرتبط بآية اولي الامر ان شاء الله نوكله الى الحلقة المقبلة شكراً لكم احباءنا في الحلقة المقبلة ان شاء الله يكون الحديث مع سماحة الشيخ عن آية «اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم»ودلالتها على ان المقصود بها هم اهل البيت (عليهم السلام).

*******

كل ما تقدم يعني ان عبارة (المطيع لله) تعالى ليست عبارة اعتيادية تجسد معنى الالتزام بمبادئ الله تعالى مجرداً من درجة هذا الالتزام، بل الالتزام باعلى مستوياته التي نتصورها، متمثلة في "العصمة" من الذنب، ومن الخطأ ايضاً، أي من الخطأ في الممارسة الفكرية ايضاً، فضلاً عن الخطأ في الممارسة العبادية، والحصيلة هي ان الائمة (عليهم السلام) يجسدون الطاعة لله بنحو لا امكان لمقارنته بالطاعة التي تصدر من البشر غير المعصوم.
اذن امكننا ان نتبين جانباً من عبارة المطلع لله تعالى ونسأله تعالى ان يوفقنا الى التمسك بهم، انه ولي التوفيق.

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

ذات صلة

المزيد
جميع الحقوق محفوظة