البث المباشر

أكبر من سوء فعلي وإساءتي

الأربعاء 9 يناير 2019 - 15:02 بتوقيت طهران

الحلقة 21

السلام عليكم احباء نا ورحمة الله وبركاته، اهلاً بكم في لقاء آخر من هذه المجموعة من قصص من فتحوا قلوبهم على آفاق اسمى ليس فيها للعجز والمحال مكان، آفاق العفو عن الناس واحياء المسيء بالاحسان آفاق الرحمة التي سبقت الغضب.
احباءنا، مجلة «حرم» الصادرة في مشهد باللغة الفارسية، نشرت في عددها الرابع والثمانين، اصل الواقعة التي اعدت لهذه الحلقة تحت عنوان:
اكبر من سوء فعلي وإساءتي
هو والوحدة، هو والصمت، هو والظلام... الظلام المطلق المطبق على كل شيء، ‌لأنه - اي مشهدي محمد الترك- كان داخلاً، سنوات طويلة في ليل العمي البهيم.
لا السماء الزرقاء، ولا البحر المواج، ولا جمال المروج والصحاري والجبال والحدائق... ولا حتى وجوه المعارف والاصدقاء وافراد اسرته وزوجته، لها معني بالقياس اليه. كان محمد كظامي في ارض قفراء لا يلوح فيها امامه غير سراب كلما جاءه لم يجده شيئاً. انه لا يستطيع روية نضارة الازهار التي يبلغ عبيرها انفه في الايام الربيعية الرائقة وسط فناء الدار... وا اسفاه! كاد من فرط حزنه ان يثور. هم ان يصرخ ليحطم هذا الجدار الهائل الحائل بينه وبين العالم... لكن قدرته لم تسعفه على الصراخ.
منذ سنوات اعرف مشهدي محمد الترك. كان يودني، ويحضر معنا لصلاة الجماعة. لا ادري ما الذي حدث له فاصيب بالعمى، وابتلي بالفقر والفاقة. كثيراً ما كنت اراه في حضرة الامام الرضا(ع) يلامس مشبك الضريح وهو يدور حوله في طواف.
وكان لا يفتأ يرتل شيئاً بصوت مسموع. ولم يكن خدام الحضرة يعترضون على تراتيله الممتزجة بالبكاء، فانهم كانوا قد عرفوه والفوه. وظل على‌ ذلك - كلما دخل الحضرة- سنين بلغت سبعاً بطولها الطويل.
في يوم ما... تناهى الى سمعي ان الامام الرضا(ع) قد تفضل على مشهدي محمد بالشفاء. وبعد شهرين رأيته في شارع نواب الصفوي عند باب الحضرة سليم العينين نظيف الوجه والهندام. وابصرني... فاقبل الي وسلم بحرارة علي. قال:
- انا فداء جدك الرضا! لم ارك منذ سبع سنين!
قلت: مشهدي محمد، لقد كنت كفيفاً لا تبصر، فكيف عاد اليك البصر؟
قال بلهجة تندى بالشكر وعرفان الجميل: انا فداء لجدك الذي شفاني.
وشرع يحكي ما حدث.
رجعت عصر احد الايام الي الدار. وفي داخل الدار سمعت صوت بكاء زوجتي العلوية سألتها: لم تبكين؟
لكنها لم تجبني. ذهبت الي المطبخ، واحضرت فنجان شاي... وهي ما تزال تبكي. والححت عليها ان تخبرني بما يبكيها لم تجب... وخرجت من الغرفة تبكي. لم اكن قد وجدتها على مثل هذا الحال من الاضطراب والنشيج منذ سبع سنوات.
قال الاولاد: تشاجرت امرأة صاحب الدار مع ماما.
ناديت العلوية، فحضرت. سألتها: يا علوية، لماذا تشاجرت اليوم؟
قالت: لو كان الله يريدنا ويسمع دعاءنا لما كنت مغمومة مهمومة هكذا، ولما عميت انت، ولما منت علينا امراة صاحب الدار،ولما قالت: لو كنتم صالحين لما جاءكم العمى والفقر!
ارتفع نحيبها، ولم تقل شيئاً آخر، وانتحت في زاوية مختليةً‌ بنفسها. اما انا... فقد دارت بي الارض، وفقدت صوابي. فحملت عصاي، وقمت متعجلاً لاخرج من الدار تصايح الاولاد:
- تعالي يا ماما.. بابا يريد ان يخرج!
جاءتني العلوية قائلة: لم تشرب الشاي... اين تذهب؟!
قلت: لقد حملت السيف لمحاربة جدك! فاما ان استرد عيني، او اقتل... ولن تريني بعدها ابداً!
وحاولت المسكينة ان تمنعني من الذهاب،‌لكني كنت عازماً عزماً لارجعة معه تركت الدار وقصدت الحضرة بلا تردد. وهناك اخذت اصيح وانا ابكي.
- اريد عيني!
ربت احد الخدم على كتفي، وقال:
- لا تصح هكذا. الوقت وقت الغروب... اما تصلي انت؟!
كنت واقفاً عند جهة الرأس. قلت للخادم:
- وجهني الى‌ القبلة.
صليت صلاة المغرب، ثم انخرطت في الاستغاثة‌والبكاء والعويل. من ورائي سمعت رجلين يتحدثان عني. ذكرني احدهما بسوء، قال:
- هذا الـ... لا يجيبه الامام الرضا مهما علا صراخه!
طعنني كلامه في الصميم، وشعرت بالانكسار يحطم قلبي. تقدمت خطوات الى الامام لابلغ الضريح الطاهر. امسكت به بقوة، ونطحت رأسي نطحاً عنيفاً... حتى ايقنت ان راسي قد انكسر، واخذني الضعف والانهيار. وسمعت من يقول لي:
- محمد... ماذا تقول؟
سمعت هذا الصوت فجلست، لكني مرة اخرى نطحت رأسي بالضريح بشدة وانا جالس. وكرة اخرى سمعت:
- محمد... ماذا تقول؟ ان كنت تريد عينين فقد اعطيناك.
وقفت فزعاً من هذا الصوت ثم قعدت. وفجأة وجدتني ارى ما حولي. الزائرين الذين يقرأون في كتاب الزيارة، والمصابيح المضاءة. ومن شدة‌ غبطتي ضربت رأسي مجدداً بالضريح، فهالني ان اري الضريح قد انشق، وان اجد سيداً واقفاً هناك... ينظر الي بابتسام وهو يقول:
- محمد، محمد... ماذا تقول؟ اردت عينين فاعطيناك.
فطنت الى ان هذا السيد كان اطول من الآخرين. كان ذا عينين وسيعتين وثياب بيض قد تحزم بشال اخضر، وبيده مسبحة تتلالأ. قال الامام(ع):
- ماذا تقول؟ ما الذي تريده؟
اخذني العجب حين شاهدت الامام، لان الناس لم يتفطنوا الى محضره، وكأنهم لم يروه! وكلما قال لي:«ماذا تريد؟» لم يخطر ببالي ما اطلبه.. حتى قال لي:
- قل للعلوية لاتبكي هكذا، فان بكاءها يحرق قلبي.
قلت: العلوية تتمنى زيارة اختك في قم.
قال: تذهب.
ثم غاب عن نظري، ورأيت شق الضريح يلتئم.
وحينما نهضت واقفاً لا حظني الخادم مبصراً، فسأل: هل شفيت؟
قلت: نعم.
وما ان عرف الزائرون ما حدث حتى انهالوا علي يقتطعون من ثيابي للبركة وبعد معاناة شاقة نجوت من الايدي، ومضيت الى موضع حافظ احذية الزوار، فاخذت حذائي وخرجت ذاهباً.
ولما بلغت الصحن التفت الى جهة الضريح المقدس، وقلت:
- اعطيتني عينين... لكن ما اصنع بجوعي وجوع عيالي؟!
وفجاة... ظهرت امامي يد لم ارصاحبها، فوضعت في كفي شيئاً. ونظرت الى هذا الشيء... فوجدته عدداً من الاوراق النقدية. ومن فوري قصدت السوق، فاشتريت خبزاً وما نحتاج اليه، وتوجهت نحو الدار. وفي الطريق التقيت باحد الجيران، قال:
- مشهدي... تمشي مسرعاً! هل اصبحت تبصر؟!
قلت: نعم، شفاني الامام الرضا‌(ع) الى‌اين انت ذاهب؟
قال: امي مريضة، اذهب لآتي بطبيب.
قلت له: لا حاجة الى الطبيب، لتأكل امك لقمة من هذا الخبز الذي هو عطية الامام الرضا(ع)... تعد اليها العافية.
وبلغت الدار، فناولت العلوية ما معي من الطعام. وكالعادة احضرت لي الشاي. فالتفت الي الاولاد وقلت:
- ان ابريق الشاي يغلي!
سأل الاولاد باستغراب: وهل صرت ترى؟!
قلت: اي.. يا بابا!
استطار الاولاد فرحاً، ونادوا امهم. وحكيت لهم كل ما كان: وكانت تلك ليلة في دارنا عجيبة. وفي صباح اليوم التالي سألت عن ام جارنا، فاخبرت انها قد اكلت بعد جهد شيئاً من الخبز، وهي الآن في صحة جيدة.
لقد كان ما فعل الرضا(ع) اكبر من ضعفي، واكبر من سوء فعلي واساءتي. وكان عطاؤه اكبر مما يخطر ببالنا نحن البشر. عطاياه تجيء طيبة في انسب الاوقات... بغير منة ولا ادلال. انه من ادب الرضا(ع).. الرضا المتخلق - هو وآباؤه وابناؤه الطاهرين- باخلاق الله.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة