البث المباشر

الاغتسال بماء الحياة

الأربعاء 9 يناير 2019 - 09:47 بتوقيت طهران

الحلقة 10

السلام عليكم مستمعينا الاكارم ورحمة الله وبركاته ... اهلاً بكم ومرحباً احباءنا في لقاء جديد مع سجل الفائزين بالشفاء ببركة التوسل الى الله جلت قدرته بمودة اهل بيت نبيه صلى الله عليه وآله والاستشفاع اليه عز وجل باحب الخلق اليه والهداة الى قربه والشفعاء الذين ارتضاهم وسيلة يتوسل بها اليه عباده.
مستمعينا الافاضل اخترنا لهذا اللقاء حادثة وثائقية اخرى قد يصعب تصديقها على من لا يعرف سعة رحمة الله وعظمة قدرته، او على من ابتعد عما حكاه القرآن الكريم من المعاجز الالهية نظائر قصة مجيء الذي عنده علم من الكتاب ببلقيس وعرشها لسليمان عليه السلام قبل ان يرتد اليه طرفه. كاتب البرنامج باسلوبه القصصي وضع لهذه الحادثة عنوان:
الاغتسال بماء الحياة
والحادثة المحورية لهذه القصة وقعت قريباً فقد نشرتها مجلة زائر الصادرة بالفارسية في مدينة مشهد المقدسة في عددها ۱۰۹ الصادر في اول ايلول سنة ۲۰۰۳ ميلادية، وهي تتعلق بشفاء السيدة رباب احمدي من اهالي مدينة مشهد الرضا عليه السلام التي اصيبت بغدة دماغية اجمع الاطباء على لزوم اجراء عملية جراحية كانت احتمالات نجاحها ضئيلة للغاية فعوفيت ببركة التوسل الى الله بوليه الرضا واخته فاطمة بن موسى عليهم السلام. وهذه السيدة لا زالت على قيد الحياة ووثائق شفائها ومستندات حالتها الصحية قبل الشفاء وبعده لا زالت محفوظة نستمع معاً لرواية قصة شفائها:
شاع بين سكنة الزقاق ان السيدة احمدي قد اشتد عليها المرض كلهم يعرف ان حياتها العائلية قد انقلبت رأساً على عقب منذ ظهرت في دماغها تلك الغدة القاتلة، ولم تذق طعم الاستقرار. اما هي فقد تعودت ان تسمع من جاراتها عبارات الاستطلاع او كلمات المواساة:
ماذا قال الاطباء اخر مرة؟
اخبريني عن نتيجة التصوير الاخيرة، ان شاء الله لا يوجد شر.
الله يكون في عونك ايتها السيدة احمدي، ونتمنى لك عافية سريعة.
هل قالوا لك عن عملية جراحية؟ متى؟
يا حسرتي عليك، الله يخليك لاطفالك ويدفع عنك المكروه. الامام الرضا ينظر اليك بعين العطف.
الفت مثل هذه العبارات، وكانت تجيب عنها ـ او لا تجيب ـ وهي مغرورقة العينين بالدموع. وطالما ذرفت بعض زائريها دموع العين ودعون لها بالعافية والسلامة من هذا البلاء الذي نزل عليها على حين غفلة، فاحال نشاطها الدائب الذي عرفت به الى نحول ووجوم، وصير ايامها زمناً موصول الليل بالنهار يسكنه قلق ممض وآلام مبرحة تعاودها بين الحين والحين. هي الان وجهاً لوجه امام المصير القريب الذي يكاد يجرفها من هذه الدنيا الى عالم البرزخ والآخرة. انها لتعتقد بالبرزخ والآخرة حقاً، لكنها لم تستعد للانتقال الى ذلك العالم بعد. انها متشبثة بالبقاء هنا، هنا اطفالها وزوجها وعيشتها وآمالها العريضة لم تكن قد فكرت انها ستموت بهذه السرعة وبهذه البساطة، بسبب غدة مفاجئة في الدماغ لا يتجاوز حجمها حجم حبة الحمص واي ما اخطر هذه الحياة التي يمكن ان يقضي أي شيء فيها على الانسان دون ان يستشيره او يستأذنه! لم يكن امامها من سبيل سوى الاستسلام لقرار الاطباء. العملية الجراحية لا مفر منها كأنها الموت المحتوم عليها ان تقص ضفائرها وتحلق شعر راسها ثم ترقد في صالة العمليات لفتح قحف الراس واستئصال الغدة البغيضة استصالاً محفوفاً بالاخطار. وهي لا تعرف على وجه الدقة كم هو نصيبها من البقاء على قيد الحياة، ولا الاطباء انفسهم يعرفون. انها مغامرة ينقبض لها قلبها كلما تذكرتها او ذكرها بها احد ولكن لابد من الذهاب الى المستشفى في اليوم الموعود.
في اليوم الموعود كان عليها ان تكون حاضرة في المستشفى قبيل الظهر ولما ارتفع الضحى خرجت من دارها الى الزقاق لوداع جاراتها وصديقاتها في بيوتهن القريبة كانت ترشح من كلماتها ـ وهي تودع الجارات وتطلب منهن ابراء ذمتها من كل شيء رائحة الموت.
سالتها جارة لها كهلة السن باستغراب: الى أين؟! إن شاء الله خير!
قالت بانكسار بين: الى المصير اليوم يوم العملية فتح الرأس!
تغرغرت عينا المرأة الكهلة بالدموع، وباح وجهها بعلامات المحبة والشفقة، وراحت تحتضنها وتقبل كتفها، ثم قالت لها بنبرة يشيع فيها حنان ممتزج بعبرة مكتومة: انت نفذت كل وصايا الاطباء لاستعادة عافيتك، ,عملت بكل ما قالوه.
انا ايضاً لديَّ وصية، عليك ان تأخذيها بجد وتعملي بها.. ارجوك.
نظرت اليها السيدة احمدي بعينيها الذابلتين نظرة استطلاع، وفكرت في نفسها: ماذا تريد ان تقول ام حسين؟ عرفتها دائماً حية الضمير متوازنة الشخصية.. لكن ماذا تريد ان تقول لها في اللحظة الاخيرة؟!
تابعت الجارة ام حسين: انت تدرين ان المعيشة في مشهد تحت ظل الامام الرضا عليه السلام هي عزة وافتخار. ووصيتي لك ان تروحي الان الى حرمه قبل ان تستسلمي لسكين الجراح، لعله اذا سمع سلامك يمن عليك بالعافية. انه امام رؤوف.. رأفته فوق تصورنا نحن البشر.
اطرقت السيدة احمدي برأسها الى الارض لحظة، ثم رفعته قائلة: مئات المرات ذهبت، ولكن بلا نتيجة!
اذهبي هذه المرة بقلب منكسر القلب المنكسر لا يعرف قدره يا ابنتي الا الله. تقدمي اليه خطوة محبة، تسمعي صوت خطوته بمعرفة اذهبي اليه يا ابنتي اذهبي.
ارتفعت في الزقاق اصوات مختلطة تتخللها الزغاريد ام حسين ذهبت ايضاً لتهنئتها مع اعداد الذاهبات اللاتي تركن اعمالهن في المنزل واسرعن الى دار السيدة احمدي بعد ان انتشر خبرها في الزقاق وفي الازقة المجاورة.
دخلت ام حسين باب دار السيدة احمدي فارتفع صوتها بالصلوات:
اللهم صل على محمد وآل محمد.
وودت لو تطلق زغردة ابتهاج، لكن امرأة اخرى من الحاضرات سبقتها في تلك اللحظة بزغردة طويلة ضاحكة، انه يوم فرح وسرور، فرح مفاجئ ما كان يخطر ببال السيدة احمدي في غرفة الاستقبال ضاحكة مستبشرة تحيط بها بعض صديقاتها وقريباتها، وكأنها في حلم لم تستفق منه بعد لكنها لما لمحت ام حسين مقبلة اليها قامت واقفة واحتضنتها بمحبة وعرفان للجميل.
الله يطول عمرك، الله يخلي لك اولادك يا ام حسين الله يعطيك العافية بحق الحسين.
لاحظت ام حسين ان محيا السيدة رباب احمدي قد غدا غير ما كان عليه قبل ثلاثة ايام حين جاءت لتوديعها انه يطفح اليوم بحيوية فياضة وينطق بعافية مفاجئة كما قرأت فيه معنى من العمق الغامض لاعهد لها به. وتساءلت في نفسها: اهذه هي السيدة احمدي نفسها؟! سبحان الله لكأنها خارجة تواً من ينبوع صاف عجيب اغتسلت فيه بماء الحياة.
سالتها ام حسين، بعد ان قعدت الى جوارها: احكي لي .. احكي لي ماذا حدث لك؟ ماذا فعلت؟ قالت السيدة احمدي وهي تبتسم ابتسامة صادرة من عمق وجودها: انا ماذا فعلت؟ لا شيء بل قولي: ماذا فعل الامام الرضا روحي فداه؟
ندت منها ضحكة مؤدبة بغير ارادتها، وراحت تنقل نظرها بمحبة بين النسوة الجالسات، ثم عاودت النظر الى ام حسين واخذت تقص الواقعة.
كانت السيدة احمدي قد استجابت لنصيحة جارتها ام حسين وفي اليوم الذي كان مقرراً اجراء العملية لها توجهت الى حرم الامام الرضا متوسلة به الى الله جلت قدرته دخلت في الصحن العتيق، وما ان وقع نظرها على القبة الذهبية العالية المتلألئة في اشعة الشمس حتى اندفعت تحدث الامام الرضا عليه السلام: انقطع املي يا مولاي، جئتك مرات. انت تعرف. اليوم امرأة من محبيك اعادت لي الامل وها انا جئت هذه المرة طالبة الشفاء. املي.. ان تقبلني يا ابن الزهراء.. فقدت كل شيء.. ارجوك يا سيدي، ارجوك. اشفع لي عند الله في شفائي فهو على كل شيء قدير خشع قلب السيدة رباب احمدي، وجرت على خديها الدموع وهي لا تشعر بمن حواليها. ثم اتجهت الى داخل الروضة المقدسة خلعت حذاءها عند باب الروضة وسلمته الى مسؤول مستودع الاحذية.
خطت في داخل الروضة خطوات تراءت لها على بعد امتار قليلة حجرة قائمة هناك وفيما كانت تتطلع حواليها اذهلها انها رأت حصانين على يسارها يأكلان العلف سألت نفسها بتعجب يا الهي .. اين انا الان؟! ما هذه الحجرة التي اراها لاول مرة؟!
كانت الامور تجري بسرعة مذهلة خرج رجل من الحجرة رجلاً الهياً متميزاً كان مديد القامة يفيض بروحانية علوية. ووجدت نفسها عاجزة عن النطق والسؤال ناداها الرجل الالهي:
السيدة احمدي، اركبي هذا الحصان، فانت على سفر! استجابت بلا اختيار وركبت الحصان، وركب هو الحصان الاخر. بدا لها ان للحصان جناحين يقدر بهما على الطيران. اغلقت عينيها ثم فتحتهما بأمر منه. رأت انها في مكان اخر. هذه حجرة ايضاً، لكنها غير الاولى! ترجل الرجل وترجلت .. ودخلا الحجرة في الداخل كان حرماً واسعاً فيه اناس كثيرون مشغولون باداء مراسم الزيارة. سارت خلف الرجل وهو يمضي في داخل الازدحام حتى وصلا الى الضريح، فانفتح بابه. في داخل الضريح كانت سيدة تحف بها الهيبة والجلال جالسة على اريكة. لكنها ما ان رأت هذا الرجل حتى نهضت واقفة. تقدمت اليه وامسكت بكفه وقبلتها. تحدثا قليلاً، ثم اوصى هذه السيدة المجللة بالحشمة والوقاء: اختاه، هذه المرأة من مجاورينا، وفي داخل رأسها غدة. اتيت بها اليك لمداواتها.
قال هذا وخرج. اشارت السيدة الجليلة اليها ان تتقدم تقدمت .. ووضعت رأسها في حجر هذه السيدة التي مسحت على رأسها بمحبة وقالت لها: قومي واذهبي فقد عوفيت من كل آلامك بتوصية اخي.
وجدت السيدة احمدي نفسها الى جانب الضريح الطاهر. وتذكرت شيئاً فغلى قلبها: ويلاه! لقد تأخرت نسيت العملية والمستشفى! وعلى الفور هرعت الى مستودع الاحذية عند الباب لتأخذ حذاءها وتخرج. قدمت الرقم الى مسؤول المستودع قائلة: ارجوك بسرعة، انا على عجل!
قال لها مسؤول المستودع بعد ان القى نظرة على الرقم هذا الرقم ليس لمستودعنا!
قالت: لماذا تؤذيني؟! الا تستحي من الامام الرضا؟! لقد تأخرت على العملية...
قال لها الرجل: لا تضيعي وقتي ياسيدة.
لا اضيع وقتك؟ ما هذا الكلام؟ يجب على خادم الامام الرضا ان لا يؤذي الناس!
تدخل زميل له كان الى جانبه، ونظر الى الرقم بدقة، ثم تبادل الرجلان نظرة خاصة قال زميله: ليس هنا حرم الامام الرضا عليه السلام، ونحن لسنا من خدام الامام الرضا!
وفجأة تجلى امامها كل المشهد الذي عاشته قبل قليل، فاندفعت تسأل كالذاهلة: اذن اين انا الآن؟
قال احد الرجلين: هنا حرم السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام. انت الان في قم، في مدينة اخت الامام الرضا عليه السلام.
سمعت السيدة احمدي هذه الكلمات فلم تستطع ان تصدق ثم غابت من هول الصدمة عن الوعي.
افاقت السيدة احمدي من غشيتها، فاتصلت هاتفياً باهلها في مشهد: اسرعوا الي الحقوني انا في قم؟
قم؟! وكيف ذهبت الى قم؟!
مولاي الرضا نقلني الى قم في طرفة عين، اوصى اخته ان تداويني فداوتني.
كانت السيدة احمدي تحكي للحاضرين ودموعها تسيل.. كما سالت دموع جاراتها والصديقات اما ام حسين فقد اهوت الى الارض في سجدة شكر طويلة.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة