البث المباشر

اسمي رضا

الأربعاء 9 يناير 2019 - 09:34 بتوقيت طهران

الحلقة 10

السلام عليكم احباءنا ورحمة الله وبركاته واهلاً بكم ومرحباً في حلقة اخرى من حلقات هذا البرنامج نلتقي فيها مع رواية اخرى من قصص الفائزين بالشفاء ببركة التوسل الى الله تبارك وتعالى بكرامة وليه الرضا علي بن موسى عليهما السلام تحمل قصتنا لهذه الحلقة عنوان: اسمي رضا
وهي قصة شاب مسيحي منَّ الله عز وجل عليه بالشفاء المعنوي والشفاء البدني، خلصه ببركة مولانا الامام الرؤوف من خرس مزمن وهداه الى دين التوحيد الخالص والولاية الالهية الحقة.
والشاب من اهالي جمهورية ازبكستان من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، وقد نشرت اصل قصة شفائه مجلة زائر الصادرة بالفارسية في عددها السابع عشر الصادر في تموز من سنة ۱۹۹٥ ميلادية نستمع فيما يلي لقضيته..
المريض المعافى: اندريه سيمونيان من ازبكستان في الاتحاد السوفيتي السابق الحالة المرضية خرس اللسان...
اندريه ... اندريه...
سمع صوتاً يناديه صوتاً غير مألوف على الارض كأنه قادم من اعماق السماء استفاق "اندريه" من النوم، وتلفت حوله في الصحن كان جميع الحاضرين فيما حوله نائمين، غير رجل مسن هو من خدمام المكان، كان واقفاً في ناحية يتطلع اليه فطن الرجل المسن الى حالة اندريه، فتقم نحوه ووقف امامه وعل وجهه ابتسامة رقيقة.
ماذا يا ولدي؟
اعتصم اندريه بالصمت، واحس في داخله رغبة في الصراخ.. والبكاء . وتمنى لو يلقي بنفسه في احضان الرجل المسن، فيبكي حتى يشبع من البكاء. تمنى لو يصرخ باعلى صوته وينوح، لكنه اختنق بعبرته، ولم يستطع ان يعبر عما يختلج في صدره جلس الرجل قبالته، واخذ يرتب على كتفه يسأله: هل حدث شيء؟
كان اندريه قد ارهقته الرؤيا التي رآها، فرمى بنفسه في احضان الخادم الشيخ. ولم يستطع ان يتحمل فاطلق صوته بالصراخ وانخرط في النحيب. ايقظ صوت نحيبه عدداً من النائمين، فراحوا يفركون عيونهم ثم ينظرون الى اندريه باستغراب وربت الخادم الشيخ على ظهر اندريه قائلاً: ابك ياولدي اصرخ البكاء يشرح الصدر، ويخفف عن القلب ابك.
واستمر اندريه يمبكي. استيقظ الجميع، وتطلعوا اليه بعيون متسائلة وساله الرجل المسن: ماذا حدث: قل ماذا حدث؟ انتزع اندريه نفسه من احضان الرجل، فاتكأ على الجدار، وراح يحدق في السماء: نجوم متلالئة، وسرب من الحمائم يطير ويعلو في الفضاء اغمض عينيه ولم يجب عن السؤال، وقال في نفسه: ليتني لم استيقظ من النوم!
وجاءه صوت الرجل المسن: لماذا لا تتكلم قل ماذا حدث: هل رأيت حلماً؟ ماذا رأيت؟
التقط نظراته بنظراته الرجل الودود، وافهمه باشارة من يده انه عاجز عن الكلام. ارتسمت على وجه الرجل علامات الحزن والاسى، فنهض واقفاً وادار ظهره الى اندريه محاولاً التستر على دمعة سالت من عينه، لكن اندريه لاحظ اهتزاز كتفي الرجل المسن علامة على بكائه تأثراً من رؤية شاب اخرس.
لم يعرف الشيخ الخادم في الحرم الرضوي سبب اصابة هذا الشاب الوديع بهذا الخرس المؤلمة والشاب عاجز عن البيان، والقضية تعود الى ما قبل سنين متمادية فذات يوم كان الاب في اشتياق عميق، والام تكاد تطير من الفرح. انهم يعودون الى ايران بعد غياب جد طويل، وسوف يلتقون بالاقرباء ان استطاعوا ان يتعرفوا على احد منهم. وكان اندريه واخته "النا" فرحين، مع انهما لم يشاهدا ايران من قبل. وبعد ان اجتازوا نقطة الحدود.. كان الاب يحكي لابنه ـ وهو يقود السيارة ـ عن المناطق التي يمرون بها، وقد غلبه الشوق وطارت به الذكريات القديمة، كان الاب مأخوذاً باشواقه وذكرياته .. حتى انه لم ينتبه الى الشاحنة الكبيرة المسرعة التي ظهرت امامهم في الطريق. ولما فطن الى الشاحنة المقبلة كانت صرخات الفزع تنطلق من زوجته وابنته وولده ممتزجة بصوت اصطدام مهيب. وفي الحال: قتل الابوان، ونقل اندريه وألنا الى الستشفى، وفقد اندريه قدرته على الكلام. وخرجا من المستشفى، فلم تتحمل ألنا البقاء وعزمت على العودة الى ازبكستان وشاء القضاء ان يعيش اندريه في اسرة جديدة غير اسرته: زوج وزوجة في عمر الشباب يعيشان في مدينة همدان لم يرزقا ولداً منذ زواجهما قبل بضع سنين، فاحتضنا اندريه ولداً لهما. ولم يدخراً الابوابن الجديدان وسعاً في البحث عن علاج لاندريه، ولكن دونما جدوى. وكان اندريه يلاحظ ان هذين الزوجين كثيراً ما يتوجهان الى الله تعالى بالدعاء لشفائه وسلامته، وكثيراً ما كان هو يشاركهم في دعواتهم بصمت. ومرت سنوات .. كبر خلالها اندريه، وغدا شاباً، فاحترف تصليح الساعات في احد المجلات. لكن الهم المتصل الذي يشغل قلبه قد جعله انطوائياً قليل العلاقات.
في احد الايام جاءه الاب الجديد مغرورق العين بالدموع، وهو يقول: ولدي اندريه، صحيح ان كل الاطباء قد عجزوا عن علاجك، لكننا ـ نحن المسلمين ـ عندنا دكتور نذهب اليه عندنا نيأس من الجميع، فاذا اردت اخذتك اليه.
نظر اندريه الى الاب نظرة مليئة بالرجاء، وغدت صورة وجه الاب مهتزة غائمة لقد كان ينظر اليه من خلال الدموع. ولما اطبق اندريه جفنيه هبطت على خديه دمعتان كاللؤلؤ الشفاف لأول مرة يشاهد اندريه مثل هذا المكان. انه لا يشبه على الاطلاق الكنيسة اليت كان يذهب اليها بصحبة ابويه واخته في ايام الاحاد. الصحن غاص بالناس المتوجهين الى الضراعة والمناجاة ولفتت نظرة بشكل خاص تلكم الحمائم التي كانت تطير احياناً مارة بحفيف اجنحتها من فوق رؤوس الزائرين، ثم تحلق لتحط على القبة الذهبية في روضة الامام الرضا عليه السلام.
صحب الاب اندريه في الصحن العتيق حتى اوصله الى الشباك الفولاذي حيث تجمهر عدد من الذين جاءوا لطلب الحاجات اجلسه على الارض، وربط حول عنقه حبلاً، ثم عقد طرفه الاخر في مشبك النافذة الفولاذية المطلة على داخل الروضة الطاهرة وادهش اندريه ما فعله الاب: ترى .. أي نوع من الاطباء هذا الذي جيء به عبر كل هذه المسافات اليه؟ وما ان اطمأن الاب الى موضع اندريه حتى غادره ومضى الى داخل الروضة. كان اندريه متعباً ن طول السفر، وما هي الا لحظات حتى اتكأ على الجدار، واخلد الى النومم: تراءى له نور خاطف يتجه اليه. وحاول ان يمسك بالنور.. فما استطاع ثم اختفى النور. مرة اخرى ظهر له نور اخضر يقبل اليه. وسمع من داخل النور صوتاً يناديه: اندريه ... اندريه... وافاق من نومته متضجراً كان الليل قد هبط منذ زمان، والسماء مقمرة، والصحن مفعم بصمت روحاني. وثم خادم كبير السن من خدمة الحرم واقف ناحية يتطلع اليه، ودقت ساعة الحرم الكبيرة مرات عديدة. وتمنى اندريه لو ينام من جديد، ليرى ذلكم النور وليسمع ذلكم الصوت الملكوتي. وعندها دنا منه الخادم المسن.
هو النور نفسه من جديد. هذه المرة ازرق، اخضر، ابيض.. كلا، لم يستطع ان يميزه كان نوراً من كل الالوان يقبل نحوه ثم ينعطف عائداً من حيث جاء وتحير اندريه: كلما مد يده للامساك بالنور افلت منه. وفجأة سمع صوتاً من داخل النور، صوتاً غير مألوف على الارض، صوتاً كأنه قادم من اعماق السماء يناديه: اندريه ... اندريه..
اراد ان يصرخ فما استطاع وغاب النور. وافاق اندريه مرة اخرى من النوم.
الرجل المسن تطلع الى عنق اندريه فادهشه ان يرى عليه صليباً معلقاً: هل انت ... هل انت مسيحي؟
اجاب اندريه باشارة من رأسه ومد الرجل يده فانتزع الصليب من عنق اندريه، ثم اخرج منديلاً مسح به العرق الذي كان يندى به وجه الشاب ورأسه اسند الرجل رأس اندريه برفق الى ركبته، وقال له: نم الان، لن ترى حلماً مزعجاً بعد الان.
اطبق اندريه جفنيه، وسرعان ما اخذه النوم: نور آخر، اخضر هذه المرة. بسهولة يستطيع ان يميزه.. واقبل النور اليه، والصوت من داخله ايضاً يسأله: ما اسمك؟
اهتز اندريه في الرؤيا واحتوته الدهشة: كان قد سمع النور يناديه باسمه من قبل، فلماذا يسأله الان عن اسمه؟! تحير، وما اسعفته قدرته على الجواب. وجاء الصوت مرة اخرى من داخل النور: قل ما اسمك. أوما اندريه الى لسانه ليقول انه غير قادر على النطق والكلام. عندها شاهد يداً عليها كم اخضر فاتح اللون تخرج من قلب النور امتدت اليه كفها ومسحت على لسانه.
قل الان ما اسمك؟
ورويداً رويداً .. بدأ اندريه ينطق، قال: ان .... اند ... اندر... لكنه ما استطاع ان ينطق باسمه كاملاً ومن جديد سمع الصوت من قلب النور يناديه: قل قل ما اسمك؟
فتح اندريه فمه، وحرك لسانه، ثم صاح بصوت واثق رفيع: اسمي رضا، رضا...
كان رضا بين الايدي كقارب بين الامواج تخرقت ثيابه التي على بدنه قطعة قطعة، طلباً من الناس للتبرك. وارتفع صوت نقارة الحرم يشاركه مسرته. ما اروع هذه المشاعر المعنوية الشفافة! وما اقدس هذه العظمة الخالدة.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة