البث المباشر

مشتاقة أنا إليك ... يا أمي

الأربعاء 9 يناير 2019 - 14:38 بتوقيت طهران

الحلقة 19

السلام عليكم احباء نا ورحمة الله وبركاته... قبل ان نقدم لكم قصة هذه الحلقة من البرنامج نشير الى حقيقة تكمن وراء قوة الامل والرجاء في القلوب الحية... انها حقيقة كون الاطباء الالهيين يهبون الشفاء باذن الله واذن الله حاكم لا يعجزه شيء في الارض ولا في السماء قصة هذا اللقاء معدة من حادثة نشرتها مجله «حرم» في عددها الرابع والثمانين، وقد اختار لها معدها عنوان:
مشتاقة انا اليك... يا امي
قلت: لا تبيعوا مقعدي المتحرك، اريد الاحتفاظ به.
ادار ابي عينه الي، ومسح بيده ملأ رأسي. تنفس نفسا عميقاً وقال:
- كانت اياماً صعبة عشنها يا ابنتي... انا وانت وامك.
آه يا ماما... كم انا مشتاقة اليك! مر اسبوع لم ارها فيه، كاني مبتعدة عنها سنوات!
آه لو استطيع ان اطير لاعبر المسافة... اطير باجنحة الشوق لاصل الى امي واخبرها هذا الخبر السار.. اقول لها: ماما... لا تحتاجين بعد الآن ان تبكي علي في الخفاء لا تحتاجين ان تجلسي قرب فراشي اذا نمت وتقبلي رجلي الميبستين. لقد عوفي يا امي. استطيع الآن ان امشي، ان اجري، وان العب فرحة مسرورة.
في داخلي رغبة شديدة... رغبة في الطيران.. في العروج.
اريد ان استفيد من سلامة ‌رجلي بكل ما اقدر. ليت تلك اللحظات النورانية قد امتدت وذلك الزمن الروحاني قد طال. ليت الزمان قد توقف لاسبح لحظات في ذلك الجو، جو المحبة... واغيب فيه!
عندما جاء المولى الرضا(ع) .. امتلأ الفضاء بعطر حضوره، وراح يداعب الانفس من كمه الاخضر المقدس ظهرت يد... واخذت تمسح بمحبة على راسي ووجهي.
شعرت بدفء غامر، كأن شمساً هبطت الى الارض، وكانت تسطع علي من قرب. سرى دفء اليد النورانية الى رأسي ووجهي، وملأ كل وجودي، حتى رجلاي المشلولتان سرى اليهما دفء هذه اليه التي كأنها الشمس.
بعينيه النورانيتين... تطلع الي السيد ذو الرداء الاخضر. سألني:
- هل جئت لزيارتي؟
واجبته بلا اختيار: نعم يا مولاي، جئت لزيارتك، احتراماً وطلباً للشفاء.
سأل بحنان: ما حاجتك يا ابنتي؟
اشرت الى رجلي المتخشبتين، وقلت:
- رجلاي يا مولاي، رجلاي متيبستان... مثل خشبتين. اريد الشفاء يا مولاي. ابتسامة عذبة ارتسمت على شفة الامام. كانت ابتسامة زافرة بالنجوم كانت شمساً... كانت سماوية، كسماء ليالي مدينة (زابل) المكتظة بالنجوم. لم ار في حياتي ابتسامة بكل هذه العذوبة وهذا الجمال.
قال: جئت من مكان بعيد، انت متعبة... فنامي. نامي مطمئنة، فاذا استيقظت في الصباح كنت في عافية، وكانت رجلاك سليمتين.
مرة اخرى... امر كفه المباركة على وجهي، واغمض عيني... ودخلت في النوم.
من بعيد... يسمع صوت الاذان، وصوت نقارة‌الحضرة.
تبلغ آذاني اصوات مختلطة من الهمهمات والصلوات:
- كان الامام قد حضرها! وجهها صار نورانياً... نور اللقاء بالامام.
- انظر ... رجلاها المشلولتان بداتا تتحركان! لابد انها فازت بنظرة رأفة من الامام. نعم... شفيت... شفيت.
... فتحت عيني، وما يزال صوت النقارة متواصلاً. وجاء صوت المؤذن من المنارة. لقد طلع الصبح، صبح البشرى، صبح الامل. الصبح الذي وعدني به المولى. كان قد احاط بي جمع كبير من الناس، وكان ابي الى جانبي قرب الشباك الفولاذي مطروحاً على الارض يبكي بصوت مرتفع. وسجد سجدة شكر لله.
واذن... فهل هي حقيقة؟! هل شفيت؟! لم اصدق ان ذلك الحلم بلقائه الروحاني كان واقعياً، واني قد فزت بلقاء‌الامام!
واحاطت بي النساء، والقين من عباءاتهن لتكون لي حجاباً عن الناس. ثيابي التي علي تمزقت قطعة قطعة تتبرك بها الحاضرات. وامتدت الى الاذرع، وانفتحت امامي الاحضان تغمر رأسي ووجهي بمودة طيبة. لقد وجدت نفسي بين آلاف الامهات. ليت امي كانت حاضرة ايضاً، لتري بعينها هذه اللحظات الطافحة باللطف والمحبة.
وصلنا الى (زابل). وما ان نزلنا من الحافلة حتى اخرج ابي المقعد المتحرك من مخزن الامتعة في السيارة، وطلب مني ان اجلس فيه! قلت له بدهشة:
- ولكني سليمة!
قال لي بمودة: ولكن امك لا تدري، واذا رأتك تمشين يمكن ان تصاب بصدمة قد تسبب لها سكتة! ومتى وصلنا الى البيت اخبرتها بالتدريج، واشرح لها ما حدث، وبعدها يمكنك ان تتركي المقعد الي الابد.
وافقت على ‌ذلك، وجلست في المقعد المتحرك من جديد. كان شعوري - وانا جالسة في هذا المكان الذي سجنت فيه شهوراً طويلة- شعوراً بالنفور. وتمنيت ان لا يسجن احد من الناس في هذا السجن.
اقتربنا من زقاق بيتنا.. فتسارعت دقات قلبي. لا ادري كيف سيكون حال امي اذا رأتني! هل استطيع ان اظل جالسة في هذا المقعد بهدوء وانا اشاهد دموعها تجري؟! كلا.. كلا! سأقوم حتماً لاركض نحو قدميها، سألقي بنفسي على قدميها واتوسل اليها ان لا تبكي بعد الآن، ولا تذرف الدموع في الخفاء.
تركنا وراءنا آخر منعطف في الشارع، وبلغنا زقاق بيتنا! هو نفسه الزقاق الضيق... الزقاق الذي اعرفه بذكرياته الكثيرة.
في تلك الايام التي كنت فيها سليمة... كنت اجري في الزقاق مع رفيقاتي من بنات المحلة... نتقاسم المرح والسرور.
انعطفنا الى الزقاق والبنات كن يلعبن متراكضات .. تغمرهن المسرة.
توقف ابي. القى نظرة على الصبايا. انا ايضاً استمتعت بالنظر اليهن. تذكرت الايام التي كنت فيها اتطلع اليهن بحسرة من خلف النافذة، وابكي. تلك الايام التي كان فيها قلبي بيتاً للاحزان.
وشاهدتني الصبايا... فتوقفن فوراً عن اللعب، ورقفن ناحيةً يفسحن الطريق لامر انهن لم يكن يلعبن امام عيني قط. ربما كانت قلوبهن منكسرة علي بان نظراتهن الآن تنطق بالشفقة والحزن.
كنت قد قلت لهن: اني ذاهبة الى طبيب طبه الهي، فاذا رجعت منه خائبة فلا امل بعدها في الشفاء علي الاطلاق. اما وقد رأينني الآن ملقاةً في المقعد المتحرك فأي امل يبقى لديهن في شفائي؟!
تقدمت ياسمين الى حائرة، ووقفت امام نظراتي قائلة:
- اذن... انت لم تتعافي!
ابتسمت وقلت: بلى... بدعائك، لكن...
لم اكن قد اكملت كلامي عندما خرجت امي من البيت راكضة. رأتني في المقعد فصرخت تبكي.
سألتني ياسمين: لكن ماذا؟
جاءتني امي وعيناها طافحتان بالبكاء. لم تكن لي قدرة على تحمل هاتين العينين الماطرتين. وددت ان انهض من مكاني وارمي نفسي في احضانها، واقول صائحة: كفى يا ماما، كفى بكاءً. ابتسمي وافرحي، فان ابنتك قد عوفيت. اقدر الآن ان اقف على قدمي... اجري والعب، استطيع المساعدة في اعمال المنزل.
سألتني ياسمين: قولي ياسمية... ماذا حصل لك؟ اما تحسنت؟
نقلت نظري من امي الى وجه ياسمين الحزين، وسألت: ماذا كنتن تلعبن؟
قالت: لعبة الغميضة.
قلت: ومن منكن الذئب؟
قالت: آخر من تشترك في اللعب!
قلت لها ضاحكة: هذه المرة لم تحزري! هذه المرة لست ذئباً!
نهضت واقفةً على ‌قدمي، وهتفت:
- هذه المرة انا اسد... اسد.. اسد!
انطلقت من الصبايا اصوات الزغاريد. وكانت امي تنظر مبهوتة الى قدمي الواقفتين. انها لحد الآن غبر مصدقة. اتكأت على الحائط، وهمست بهدوء:
- ايها الامام الرضا... يا ضامن الغزالة! شكراً لك يا الله... شكراً.
ضحك ابي من نظرات امي المبهوتة. واحاطت بي الصبايا. وبصوت واحد اخذن ينشدن نشيد الافراح والمسرات.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة