البث المباشر

استشهاد الإمام الحسين: الحزن المقدس والإنسان الروبوت!!

الإثنين 31 أغسطس 2020 - 17:20 بتوقيت طهران
استشهاد الإمام الحسين: الحزن المقدس والإنسان الروبوت!!

لا نبكي لمأساة الحسين لمجرد وجود نص بل لأننا بشر لم ولن نتجرد من مشاعرنا وانفعالاتنا!!.

 

ينقسم السلوك الإنساني إلى نوعين: إرادي ولا إرادي.

 

الإحساس بالجوع والرغبة في تناول الطعام سلوك لا إرادي أما الجلوس على المائدة والمضغ فهو تبع لإرادة الإنسان إن شاء جلس وإن شاء لم يجلس!!.

 

العواطف والانفعالات، الحب والكره والحزن والغضب هي ضمن اللا إرادي (وهل الدين إلا الحب والبغض) إلا أن العقل قد يملي على الإنسان ضبط هذه الانفعالات والتحكم فيها (والكاظمين الغيظ) ولكن أبدا ليس إلغاؤها.

 

ولأن العواطف والانفعالات البشرية هي المقدمة الطبيعية للأفعال فقد حرص الشيطان الأموي والسائرون على نهجه ممن انضووا تحت لواء الوهابية أو ممن يزعمون أنهم وسطيون مستقلون، على تجريد الأتباع من عواطفهم وانفعالاتهم وتنشئتهم منذ البداية كروبوت لا يغضب ولا يحزن ولا ينفعل إلا بأمر ووفقا للبرنامج المزروع فيه دون توجيه أسئلة محرجة فما لنا للسؤال والجواب والشرح والتفسير؟!.

 

إحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام يوم العاشر من محرم بدعة وكل بدعة ضلالة!!.

 

لماذا يا شيخ؟!.

 

لأن الرسول لم يقم عزاء الإمام الحسين ولأن الفاجعة حدثت بعد موته بخمسين عاما ونيف ولأنه لا يوجد نص!!.

 

أما أنه يوجد نص فيوجد نصوص وليس نصا وإلا فليفسروا لنا تلك الجلبة التي يحدثها المتنبئون الجدد الذين ملأوا الساحة الافتراضية بالأحاديث والروايات التي تصف الغيب ولا يكون من ضمنها خبر واحد عن فاجعة كربلاء التي لم تكن يومها غيبا بل جنينا يتشكل في رحم الصراع بين الحق والباطل، الحق المحمدي العلوي والباطل الأموي السفياني!!.

 

القضية توجد أساسا في العمق الإنساني اللا إرادي الذي يتحرك وفقا لانفعالاته الصادقة أو الزائفة أو المتبلدة وربما المتوحشة!!.

 

أولئك الذين خاطبهم القرآن بقوله (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) لا يحركهم نص ولا ألف نص ولا نحتاج لشرح.

 

(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيد).

 

لا سبيل إذا لإقناعكم فالمخاطب ليس الجسد ولا حتى العقل بل القلب (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ).

 

(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).

 

لا يحتاج القلب إلى فتوى أو إلى نص ليهتز أو يصرخ ألما أو حزنا وتوجعا لآل الله المذبوحين عطشى على شط الفرات.

 

ولأننا لا نفتش عن أدلة ونصوص أو نسعى لإقناع من ختم الله على سمعهم وأبصارهم فأغشاهم الله فهم لا يبصرون ولا يحسون ولا يدركون بأن الحزن والبكاء على سيد الشهداء لا يحتاج منكم إلى فتوى أو إباحة بل نخاطبهم وغيرهم بكلام الله عز وجل الذي هو قول فصل وليس بالهزل حيث يقول سبحانه في سورة الدخان الآية: 29 {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ}.

 

يقول القرطبي في تفسيره: وكانت العرب تقول عند موت السيد منهم: بكت له السماء والأرض؛ أي عمت مصيبته الأشياء حتى بكته السماء والأرض والريح والبرق ، وبكته الليالي الشاتيات. قال الشاعر:

 

فالريح تبكي شجوها … والبرق يلمع في الغمامة

وقال آخر :

والشمس طالعة ليست بكاسفة … تبكي عليك نجوم الليل والقمرا

وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من مؤمن إلا وله في السماء بابان باب ينزل منه رزقه وباب يدخل منه كلامه وعمله فإذا مات فقداه فبكيا عليه – ثم تلا – {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ}.

 

وقال مجاهد : إن السماء والأرض يبكيان على المؤمن أربعين صباحا. قال أبو يحيى: فعجبت من قوله فقال: أتعجب! وما للأرض لا تبكي على عبد يعمرها بالركوع والسجود! وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتسبيحه وتكبيره فيها دوي كدوي النحل !.

 

قال السدي: لما قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما بكت عليه السماء؛ وبكاؤها حمرتها.

 

وحكى جرير عن يزيد بن أبي زياد قال: لما قتل الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما احمرت له آفاق السماء أربعة أشهر. واحمرارها بكاؤها. وقال محمد بن سيرين : أخبرونا أن الحمرة التي تكون مع الشفق لم تكن حتى قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما. وقال سليمان القاضي : مطرنا دما يوم قتل الحسين.

بكت السماء والأرض وما زالتا تبكيان من هول ما ارتكب المجرمون في حق أهل البيت والإمام الحسين أما أنتم فما تزال قلوبكم حجرية قاسية تحرفون الكلم عن مواضعه لا تكتفون بتحريف كلام الله بل تصرون على أن يكون الناس طوعا لأهوائكم يتصرفون وفقا لإرادتكم.

 

تريدون أن يكون المسلم مجرد روبوت لا يحزن ولا يبكي إلا إذا حصل على إذن ممن يظن نفسه المندوب الإلهي السامي!!.

 

(فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين).

 

دكتور أحمد راسم النفيس

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة