البث المباشر

الدرس القرآني الرّابع عشر من دروس ربيع القرآن... الإمام الخامنئي

الثلاثاء 12 مايو 2020 - 13:54 بتوقيت طهران
الدرس القرآني الرّابع عشر من دروس ربيع القرآن... الإمام الخامنئي

ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي خلال أيّام شهر رمضان المبارك بشكل يومي مجموعة من الدروس القرآنية للسيد علي الخامنئي التي فسّرها سماحته وشرحها ضمن خطاباته. وقد تمّ إعداد هذه الدّروس تحت عنوان "ربيع القرآن" بشكل تراتبيّ من الجزء الأوّل حتّى الجزء الثلاثين من القرآن الكريم.

﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾(١).


كلّ شيء يشكّل مقدّمة للحياة الطيّبة
كلّ ما ورد في الإسلام مقدّمة لبناء الذات الإنسانيّة. كلّ الفرائض، واجتناب الذنوب، والمستحبّات والأحكام الاجتماعيّة والفرديّة، كلّها مقدّمة للحياة الطيّبة؛ مقدّمة لعروج الإنسان من عالم البهائميّة والحيوانيّة والتوحّش.

عندما تقع البشريّة ضمن دائرة التربية الإلهيّة -وهذا ما تستطيع تحقيقه بإرادتها- فسوف تنشأ الحياة الطيّبة في نفوسها وستتعطّر الأجواء ويسودها النّقاء؛ لكن عندما لا يكون هناك مكانٌ لهذه التربية الإلهية ويفقد الإنسان عزيمته وإرادته التي يحتاجها لطيّ المسار الإلهيّ وتخليص نفسه من الأهواء والشهوات البشريّة، وعندما لا يكون هناك مكانٌ لهذه التربية الإلهيّة فسوف يبقى ضمن مستوى الحيوانيّة وسيصبح أخطر من سائر الحيوانات.

وكما لاحظتم طوال تاريخ البشريّة، لقد كان هناك العديد من النّاس الذين برزوا بهيئة أو سيرة الحيوانات وكانوا يسعون في منع البشر عن سلوك المسار الإلهي، الفراعنة، وأمثال قارون ونمرود والشياطين المجسّدة أيضاً كانت تملك أرضيّة الترقّي والكمال.

هؤلاء أيضاً لو أنّهم أفاقوا على أنفسهم، وفكّروا وعادوا إلى فطرتهم الإنسانيّة، كان بإمكانهم التقدّم والارتقاء.

يقول الله عزّوجل لموسى حين ذهب لمواجهة فرعون: ﴿فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشي﴾(٢) ففرعون أيضاً كان بإمكانه أيضاً أن يتذكّر، لكنّ طغيانه لم يسمح بذلك. طغيان الأهواء النفسيّة، وطغيان طلب الدنيا، وطغيان الأنانيّة، والتكبّر، وطغيان روح البهائميّة في الإنسان، هذه كلّها أمور تعيق التذكّر وتمنعه.

النّظام الإسلامي يسوق النّاس إلى الحياة الطيّبة
الهدف من كلّ هذا الكفاح الذي مارسه الشعب الإيراني بقيادة الإمام الخميني (قده) حتّى انتصرت الثورة الإسلاميّة، وكلّ الجهود التي بُذلت بعد انتصار الثورة الإسلامية في هذا البلد، كان تكوين حياة إسلاميّة طيّبة.

الإسلام يحدّد للإنسان نمط حياة مناسب ولائق. فإذا تحقّقت هذه الشروط حصراً، يستطيع الإنسان أن يبلغ السعادة والكمال. مساعي جميع المخلصين من الناس والمرشدين الكبار والأنبياء العظام والأولياء والمجاهدين في سبيل الله كانت تصبّ في خدمة هذا الهدف طوال التاريخ، أن يكوّنوا للنّاس حياة طيّبة.
من جهة أخرى، يسعى جميع أعداء الإنسان والشياطين والطواغيت لأن يسلبوا البشر هذه الحياة الطيّبة ويبعدوهم عنها.

النظام الإسلامي -حسب ما وعد القرآن- يسوق النّاس نحو الحياة الطيّبة. والآية القرآنية تقول: ﴿من عمل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينّه حياةً طيّبة﴾. يكتسب أيّ شعبٍ الحياة الطيبة عندما يشعر ويرى بأنّ الدنيا والآخرة تسيران وفق مصالحه وباتّجاه أهدافه. تلك الشعوب التي التصقت بالحياة الدّنيا ونجحت في العبور بها نحو مستويات متقدّمة من الكمال، قد لا تعيش حياة طيّبة. الحياة الطيبة تتحقّق عندما تلازم الرفاهية المادية العدالة، والأمور المعنويّة والأخلاق. وهذا ما لا تستطيع سوى الأديان الإلهيّة توفيره للبشر.

من جهة أخرى، لا تقتصر الحياة الطيبة على الآخرة. لا يقول الإسلام أنّني أسعى فقط لإعمار حياة النّاس الأخروية ومرحلة ما بعد موتهم، ولا شأن لي بما تكون عليه دنياهم؛ ليس هذا منطق الإسلام.(٥)

الشّاب المسلم، يسعى لتحصيل الحياة الطيبة
الحياة الطيّبة هي الحياة التي يتمّ فيها تأمين السعادة لروح وجسم الإنسان ودنيا وآخرة الإنسان أيضاً؛ الحياة الفرديّة مؤمّنة فيها، ويتوفّر فيها الاستقرار الرّوحي، والاستقرار الجسديّ؛ وفيها الفوائد، والسعادة والعزّة الاجتماعيّة، والاستقلال والحريّة العامّة. لقد وعدنا القرآن بهذه الأمور. وعندما يقول القرآن: ﴿فلنحيينّه حياة طيّبة﴾، هذا يعني توفّر كلّ هذه الأمور؛ أي تلك الحياة التي تتوفّر فيها العزّة والاستقرار، والرفاهية، والعلم، والتقدّم، والأخلاق، والحلم والصّفح. نحن بعيدون عن هذه الأمور؛ وعلينا أن نصل إليها.

شبابنا يرغبون في أن يكون بلدهم الذي هو بمثابة منزلهم، خالياً من الفقر والتخلّف والشّقاء؛ ينعم بالأمن والعزّة والفخر؛ ويسود الحياة فيه الصّفاء والحبّ والبصيرة؛ وأن يكون ميدان العمل والتقدّم والتطوّر مشرّعاً أمامه؛ وأن لا يشعر بالفراغ؛ ويتمكّن من إشباع الأهداف الروحيّة والمعنويّة والسامية التي تراود أيّ إنسان.

هذه الأمور التي تحدّثت عنها، يُعبّر عنها مجتمعة في المصطلح القرآني بالحياة الطيّبة؛ ﴿فلنحيينّه حياةً طيّبة﴾. الحياة الطيّبة تعني الحياة التي تلبّي الأمور المادّية والحاجات الجسديّة وأيضاً الحاجات المعنويّة -العلميّة، العمليّة والروحيّة-.

الهوامش:
1)    سورة النّحل، الآية ٩٧
2)    سورة طه؛ الآية ٤٤

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة