البث المباشر

قصيدة هو قلب زينب - القسم الثاني

الإثنين 23 سبتمبر 2019 - 09:43 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- يوم الحسين: الحلقة 15

السلام عليكم مستمعينا الأكارم ورحمة الله وبركاته.. تقبل الله منكم تقربكم المخلص لله عزوجل بأفضل القربات إليه أي تعظيم الشعائر الحسينية القدسية..
معكم أيها الإخوة والأخوات في حلقة اليوم من هذا البرنامج نتابع فيها التعرف الى خصائص يوم الحسين عليه السلام من خلال الحوار الذي صورته عن عالم المعنى قصيدة هو قلب زينب هو حوار بين العقيلة الحوراء عليها السلام والبلاء، يتعلم فيه البلاء من سيدة الصبر والشكر حقيقة حمد الله على البلاء التي تجلت بأسمى صورها في يوم الحسين.
يتابع أستاذنا الحاج الأديب إبراهيم رفاعة تأملاته البليغة في هذه القصيدة الغراء فيكتب حفظه الله قائلاً:
قصيدة "هو قلب زينب" المطولة.. تهم الآن أنتدخل في كربلاء! العقيلة وهو تحدث البلاء في عالم المعنى فقالت فيما يشبه التمهيد:

مسح الحسين على الفؤاد بكفه

فغدا يرى في كل خطب مغنما


إن الصديقة الصابرة توأم روح الحسين هي من يحكي ويخبر عن عظم البلاء الذي شرب أخوها الشهيد كأسه الى آخر قطرة فيها يوم عاشوراء، قالت: إن أخاها الحبيب قد مسح على فؤادها بكفه المباركة، فإذا هي ترى في كل خطب ورزية منحة من ربها وهدية، فكان صبرها ممزوجاً بالحمد، وكانت المصائب المتلاحقة مسبوقة منها بالشكر للرب المنعم الرؤوف.
ها هي سلام الله عليها تدخلنا في يوم طويل إنه يوم الحسين، يوم كله وقائع وفجائع ورزايا وبلايا.
هو الأشد حمرة من كل أيام التاريخ.
أما الأرض فهي المصبوغة بالدماء المقدسة المراقة، يحسب الرائي – لأول وهلة – أن تربتها مجبولة من ذوب ياقوت أرجواني قادم من أبهى الجنان، إنها أرض كربلاء الحسين.. سرادق العشق المتأله الذي ما مثله من عشق.
في كربلاء.. ما بدأت شقيقة روح الحسين الحكاية من أولها، ولا لملمتها من أطرافها، إنما بدأت في قص الواقعة من ذروة ذراها ومن أعنف اللحظات، إنها أخطر لحظة في تاريخ العالم كل العالم.
لا أدري لماذا كان البدء من هذه الذروة الهائلة، ومن هذه اللحظة الفاصلة التي قلبت كل شيء! لعلها روحي فداها – وهي الرائية لذروة جمال فعل الل في ذروة البلاء – كأنما تريد أن تعلمنا على رؤية هذا الجمال الإلهي المستكن في تلافيف البلايا والمطوي في ثنايا الخطوب.
إنها هي التي قال صدقها الأصدق عن مقتلة أعزائها في كربلاء "ما رأيت إلا جميلا" كلمة ما قالها أحد غير كعبة الصبر بنت أميرالمؤمنين علي – عليه السلام -.
العلياء المصونة إبنة فاطمة البتول تحكي.. وتخبر عما عاينت وعانت بعد ظهيره عاشوراء، في لحظة مذهلة تترنح لرؤيتها عزائم الرجال، وتخور من هولها شكائم الأبطال:

لما نظرت الى الحبيب مجدلا

والشمر يسعر لاهثاً كي يثلما

في حوزة التوحيد أعظم ثلمة

إذ يقطع الرأس المخضب بالدما

وبخنجر الأحقاد يفري منحراً

كان النبي مقبلا له لاثما

وأخي يجود بنفسه مستشهداً:

"أزف الوداع" يقولها مسترحما


يا لله.. ويا لصبر زينب! ما أشق هذا المشهد وما أفظع ما فيه! من ذا يقدر أن ينظر إليه أو أن يملأ منه عينيه؟!
قالت هذه العلياء: إنهم إذ قتلوا الحسين المظلوم ثلموا صرح التوحيد ثلمة عظمى.. لا التوحيد ألفاظاً على اللسان، بل التوحيد الحقيقية المقدسة القائمة في الوجود.
تلك اللحظة التي تذهل المرء عن كل شيء.. كانت من الحسين صلوات الله عليه لحظة وداع لأخته، وداع مفعم بالرحمة والرأفة بأخته المثكولة المفجوعة:

وأخي يجود بنفسه مستشهداً:

"أزف الوداع" يقولها مسترحما

نادى: أخية أنت بنت علينا

فتصبري بالله صبراً أكرما

عظم البلاء، فلا يطيق بلاءه

إلاك زينب، فاستعيدي فاطما


هو قلب زينب.. ما أصبره، وما أوسعه! لكأن الدنيا كلها تابعة في زاوية منه.
لا أحد بقادر على أن يتماسك إزاء مشهد الذبح الشمري الشقي بخنجر الأحقاد، وإزاء مشهد قطع رأس عزيز الله وحبيب قلب النبي، فكيف بقلب إمرأة هي أخت شقيقة، وهي توأم له في الروح؟!
إن ما أصاب أباعبدالله الشهيد الغريب لحظة الذبح قد أصاب أخته الثكلى أيضاً، وهي – لفرط عظمتها وصبرها المحير – تعلم أن عليها أن تظل متماسكة صلبة بعد الحسين؛ فإن لها مهمة عظيمة تنتظرها، وها هي قد ابتدأت بتحمل تكاليفها الكبيرة منذ اليوم:

والرأس يقطع وهو ينظر في أسىً

نحو الخيام موصياً ومسلما

كادت تفارق روحي الجسد الذي

كان المقدر أن يكون هو الحمى

لعيال آل الله بعد كفيلها

إرث الأمانة والذبيح الأعظما


ولا خفاء أن روحها القدسية – سلام الله عليها – هي التي كادت أن تفارق جسد أخيها الحسين، وأخوها الشهيد المظلوم هو المقدر أن يكون الحماية والصون للأسرة النبوية الباقية من حد السيف في كربلاء، بعد استشهاد الكفيل الحامي قمر بني هاشم أبي الفضل العباس.
كان أبوعبدالله الحسين روحي فداه في النزع الأخير، وكانت العقيلة زينب على التل أيضاً في النزع الأخير، في تلك اللحظة بلغ كل شيء أوج ذروته، ووصل كل شيء الى أقصى منتهاه:

فشبكت عشري فوق رأسي؛ خشية

من أن تفيض الروح أو أن تفصما!


على التل كانت تصبر مهجتها.. وإذا بشيء يحدث على حين غرة! شيء إلهي خاص بها سلام الله عليها.. هي كانت تشهده وتراه:

بينا على تل أصبر مهجتي

نزلت علي بنصرها رسل السما!


إنها إذن رسل من الله ربها تبارك وتعالى هي من نزلت عليها حاملة لها رسالة من ربها الذي يسمع ويرى رسالة تخيير لها وهي الراضية بما اختارته من الصبر الراسخ في مقابل عظيم البلاء، تخيير بين أن ينزل الله عليها نصر الشهادة، فتلحق هي بأخيها الذبيح شهيدة مستشهدة أكرم ما يكون الشهداء، وبين أن ينزل الله المنتقم الجبار عذابه الفوري على الأعداء القتلة، فيبيدهم إبادة جذ من الأصول واجتثاث من الجذور، إن الخيار الآن بيد الصديقة شقيقة الحسين تختار منه ما تشاء:

بينا على تل أصبر مهجتي

نزلت علي بنصرها رسل السما

قالت: لك من ربك ما اخترته

جئنا هنا أن تأمري كي نخدما:

إن شئت نصراً باختيار لقائه

تلقين رباً راضياً متكرما

تنجين من وجد الفراق وحزنه

فمع الحسين تعانقين الأنجما

وبه خلاص من مجاورة العدا

من أسر ذل كان قدماً الأما

أو شئت سوماً للأعادي كلهم

ونبيد عجلهم الأعق الأظلما


ما شاءت صلوات الله عليها إلا ما شاءه الله: موطنة النفس على بلاء ما نزل مثله على أحد، ولا رأى بهاء صنع الله المتواري فيه أحد، إنه موطن لها للبكاء والدموع في الأقل، لكنها حبست حتى ما في عينيها من أمطار الدموع.
وهذ – يا أخي – طرف من معرفة حرمة العلياء زينب.. الجليلة عند الملأ الأعلى بنت علي أميرالمؤمنين وفاطمة الزهراء البتول:

وأنا على تل المصاب أجيبهم

والجفن يحبس ديمه المستكتما:

قد شاء ربي رؤيتي مسبية

إذ شاء شئت وكان ربي أعلما

خرت الفراق مع الهموم وسبيهم

ولقا الأعادي، خفرة لن تهزما

والله، لم أتمن موتاً قبل ذا

مهما بدا خطب أجل وأجسما

وبحبه اخترت الوصال بفرقة

آليت فيها أن أضام وأهضما

أأخي وداعاً يا حسين الى اللقا

أنعم بلقياك الحبيب منعما


ما هذا القلب الذي يختار في حب الله ورضاه الضيم والهضم وعذابات الأسر والسبي بأيدي أوباش جفاة؟!:

قد شاء ربي رؤيتي مسبية

إذ شاء شئت، وكان ربي أعلما


وكلنا قد سمع عن المشيئة الإلهية المقدسة الحكيمة في رؤية زينب سبايا من بلد الى بلد، أخوها الحسين سلام الله عليه هو من عرف من حوله في مكة بهذه الحقيقة، يوم بين لأخيه من أبيه محمد بن الحنفية من أمر الرحيل بالنسوة الى كربلاء ما كان خافياً عنه، قال له: شاء الله أن يراني قتيلاً، وأن يراهن سبايا.
سر في هذا القتل لشهيد الله المظلوم، وفي هذا السبي للطاهرات الخفرات من نساء آل محمد.. ما كانت تبلغه أفهام معاصري سيد الشهداء. سر يجليه الله تبارك وتعالى بعد حين، ويزداد جلوة وإشراقاً كلما تقادم بالناس الزمان، وهذا ما يشهده عياناً أصحاب البصائر والقلوب.
مستمعينا الأكارم، كان هذا ما كتبه الأستاذ الأديب إبراهيم رفاعة عن يوم الحسين وتجليات حمد الله على البلاء والرضا بمشيئته عزوجل، وبهذا نصل الى ختام لقاء اليوم من برنامجكم يوم الحسين إستمعتم له مشكورين من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران.. دمتم في أمان الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة