البث المباشر

القيام الحسيني في الادب المسيحي

الإثنين 23 سبتمبر 2019 - 09:27 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- يوم الحسين: الحلقة 6

بسم الله الرحمن الرحيم أعزاءنا الأفاضل السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وتقبل الله خالص أعمالكم وأنتم تسبرون أغوار الحسين في يومه، يوم الحسين إطلاله للحسين عليه السلام. كونوا معنا وإصحبونا.
أعزاءنا تميزت القيم التي تجلت في يوم الحسين وقيمه المقدسة عليه السلام بقوة نفوذها الى الفطرة الإنسانية وعمق تأثيرها في الوجدان الإنساني عموماً بغض النظر عن الإنتماء الديني ولذلك كان الإنتصار للمظلومية الحسينية ولقيم القيام المقدس الذي اشتملت عليه من أهم وسائل الجذب والإتفاق في المجتمع الإنساني برمته، فإلى جانب عنصر المظلومية لأعلام يوم الحسين من الشهداء والسبايا فإن هؤلاء المظلومين قد تميزوا اولاً بمحاسن سامية يعشقها كل قلب وفطرة سليمة وتميزوا ثانياً بظهور أسمى مصاديق الرحمة والرأفة في تعاملهم مع الخلق. وثالثاً أنهم ظلموا وأستشهدوا وأسروا وتحملوا أقصى أشكال الأذى لأنهم رفضوا الذل والخنوع. 
نعم وهذا ما تهدينا اليه كثير من كتابات المفكرين من مختلف الديانات عن النهضة الحسينية، نستعرض في هذا اللقاء نموذجاً لذلك من الأدب المسيحي كتب عنه أستاذنا الحاج ابراهيم رفاعة تحت عنوان كربلاء المنتشرة كالهواء.
أعزاءنا الأفاضل قال الحاج ابراهيم رفاعة: هذه قصيدة مطولة في واقعة الطف تشكل جزءاً من ملحمة الغدير للشاعر اللبناني الراحل بولس سلامة. إهتز وجدان سلامة هذا وهو الأديب المسيحي المتمرس في سلك القضاء لما تجلى له من عظمة أهل البيت عليهم السلام ولما أصابهم من ظلامات. وكانت فاجعة كربلاء معلماً بارزاً في ملحمته الطويلة وكان ابو عبد الله الحسين رمزه الأسمى للإنسانية العليا وللشهامة وللقيم النبيلة التي تتحقق بها إنسانية الإنسان. طالما قضى بولس سلامة الليالي وهو يكتب شعره الحسيني وطالما بللت دموعه وسادته وكأنما ماءاً سكب عليها من فرط الحزن واللوعة والبكاء. 
أيها الإخوة والأخوات ما الذي إنجذب اليه الشاعر من نهضة الإمام الحسين سلام الله عليه وما الذي أثر فيه هذا التأثير الكبير؟ هذا السؤال تجيب عنه ابيات له من الملحمة رائية القافية يصور فيها وصول الإمام الى كربلاء في اليوم الثاني من محرم عام ٦۱ للهجرة بعد أن منع من التقدم الى الكوفة ومن الإنصراف الى أي أرض غير كربلاء. إذ صور الشاعر نزول الركب الحسيني في أرض كربلاء اختار أن يجعل رؤيته للنهضة العاشورائية على لسان سيد الشهداء، سنرى في رؤية سلامة أن الأرض التي شربت من الدماء القدسية الطاهرة ستصنع المعجزات وتبدل تاريخ الإنسان وستشرق من ثرى المقتل الحسيني شمس العدالة والهدى والحرية والكرامة والشهادة في سبيل هذه القيم العظيمة وستمتلأ الدنيا بالأصوات الهادرة الثائرة على الظلم والظالمين ليبلغ أصحابها احدى الحسنيين، النصر او الشهادة!
ها نحن مستمعينا الأفاضل اولاء مع الشاعر بولس سلامة في حسينيته العابقة بالعطر والجمال والضياء حيث يقول: 

أنزلوه بكربلاء وشادوا

حوله من رماحهم أسواراً

لا دفاعاً عن الحسين ولكن

اهل البيت الرسول صاروا اسارى

قال ما هذه البقاع ؟؟

فقالوا كربلا فقال ويحك داراً

ها هنا يشرب الثرى من دمانا

ويثير الجماد دمع العذارا


هذا الدمع مستمعينا الأفاضل الذي يذرف على شهيد الله ليس كسائر الدموع، إن له مزية الخصوبة المتوالدة وسمة الإحياء والإنبعاث. أما قبور شهداء عاشوراء فلها خاصية الإنبات، إنبات ازهار الحسن والعطر السماوي المنعش لقلب والروح ولها ايضاً خاصية التنوير في الليل البهيم. 

إن خلت هذه البقاع من

الأزهار التمس قبورنا ازهاراً

او نجوماً على الصعيد تهاوت

في الدياجير تطلع الأقمارا


يوم الحسين هو عنوان المادة التي تستمعون اليها أيها الكرام من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران. عظم الله لنا ولكم الأجر بمناسبة ذكرى إستشهاد مولانا ومقتدانا الإمام الحسين سلام الله عليه. 
أعزاءنا كربلاء في رؤية الشاعر المسيحي مبكاء ولكن البكاء بكاء من نوع خاص، هو علامة للحب الصادق ولرقة القلب والمرء بلا عواطف قلب أشبه بحجر دائس يائس لاخير فيه ولايرجى منه موقف إنساني كريم. 

تتلاقى الأكباد من كل صوب

فوقها والعيون تهمي إدكاراً

من رآها بكى ومن لم يزرها

حمل الريح قلبه تذكاراً


إنه يبتغي من ثرى كربلاء أن يكون قبلة لطلاب الهدى والبصيرة والضياء فليس في العالم مستمعينا الأفاضل من هدى وضياء كما هو في كربلاء

كربلاء ستصبحين محجاً

وتصيرين كالهواء إنتشاراً

ذكرك المفجع الأليم سيغدو

في البرايا مثل الضياء إنتشاراً

فيكون الهدى لمن رام هدياً

وفخاراً لمن يروم الفخارا


أحبتنا كربلاء وكما يراها الشاعر وكما هي فعلاً بقعة في المكان لكنها تسري في طول التاريخ وعرضه لتكون قطباً خالداً يطوف في محوره أهل الكرامة والعزة والإباء، الرافضون للظلم والعسف والإستبداد. لقد تعلموا من الحسين صلوات الله عليه إختيار الغلبة والنصر او موت الشهادة العظيم. 
هو ذا سلامة مازال يجري شعره الرقيق على لسان سيد الشهداء: 

كلما يذكر الحسين شهيداً

موكب الدهر ينبت الاحرارا

فيجيء الاحرار في الكون بعدي

حيثما سرت يلثمون الغبارا

وينادون دولة الظلم حيدوي

قد نقلنا عن الحسين الشعارا

فليمت كل ظالم مستبد

فإذ لم يمت قتيلاً توارى

ويعودون والكرامة مدت

حول هاماتهم سناءاً وغارا

فإذا أكرهوا وماتوا ليوثاً

خلد الحق للاسود انتصاراً



هكذا يتحدث مستمعينا الأفاضل قلب الشاعر المسيحي بولس سلامة، إذ يجد كربلاء الحسين الملهم الكبير لكل قيم الجمال وقيم الرجولة والإباء. إنه يعلم أن البكاء على مأساة عاشوراء ضرورة تتدفق من الإنسان بلا إختيار لكنه يدري في الوقت نفسه أنه ليس بالبكاء وحده يكتمل الموقف الحسيني المقدس إنما الغضب المواج في القلب ورفض الظلم والهضم ونصرة المستضعف المقهور هو مما يلازم بكاء كربلاء.
أعزاءنا أن المعنى الحسيني الأشم الرفيع هو ألق لعاطفة القلب الإنساني النبيل ومنار للعقل المتبصر المتطلع لإستقامة الصراط وهو فضاء واسع بهي للروح المشوقة لجمال الحق وجمال الحياة. كل ذلك يبصره شاعر رقيق القلب مرهف الحس ينتمي من داخله إنتماءاً مصيرياً صادقاً الى نور الحسين. ولاغرو أن في مسيحي الدنيا من اذا عرف الحق فاضت أعيونهم بالدمع كما شهد بذلك القرآن المجيد.
أيها الإخوة والأخوات وهكذا نصل الى ختام حلقة اخرى من برنامج يوم الحسين خصصناها لإشارة عن تجليات الفطرة الانسانية السليمة للقيام الحسيني المقدس بحيث صار منبعاً لإستلهام هذه القيم من قبل كل ذي فطرة سليمة وجذبه الى رب الحسين ودين جد الحسين المصطفى الهادي الأمين صلوات الله عليه وعلى آله اجمعين. 
أعزائي الكرام استمعتم الى برنامج يوم الحسين من اذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، نشكركم على كرم المتابعة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إلى اللقاء.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة