البث المباشر

قصيدة ولائية إنجذبت لأنوار ليلة عاشوراء

الإثنين 23 سبتمبر 2019 - 09:36 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- يوم الحسين: الحلقة 11

السلام عليكم مستمعينا الأطائب ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في لقاء اليوم من هذا البرنامج.
أيها الأكارم النور الملكوتي الباهر هو الصبغة الإلهية التي إصطبغ بها عاشوراء يوم الحسين عليه السلام في ليلته وفي نهاره.
نور تشعشع من الطلعات النيرة للحسين وآله وصحبه.. متمظهراً في مواقفهم التوحيدية التي تجلى فيها نورالإخلاص لله.. والله جل جلاله ينزل نوره على من يشاء ويهدي إليه من يشاء..
مظاهر لهذه النورانية نلمحها فيما كتبه أستاذنا الحاج إبراهيم رفاعة حفظه الله عن قصيدة ولائية إنجذبت لأنوار ليلة عاشوراء.. قال – حفظه الله -:
عظيمة في الليالي هي ليلة عاشوراء، كما يومها عظيم في الأيام.
من نافذة عين البصيرة يتطلع أحد معاصري الشعراء.. ليرى طرفاً من مشهد – في هذه الليلة – جليل، ومنذ قرون أربعة عشر.. ما يزال المشهد حاراً حاضراً متجدداً كل يوم، فواراً كما تفور عين الماء.
إنه يبصر من خلال نافذته.. ليلة في هلالها العشاري، لكنها مضاءة بضياء مدهش هو أشبه بضياء عالم الملكوت منه الى ضياء عالم الشهادة، لأنه شعاع من بهاء أبي عبدالله الحسين بن علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء البتول.
ولعل الشاعر – وهو الأحسائي الرهيف جاسم الصحيح – لا يدري لم كان نصيبه اليوم أن يطلع على لمحة مما حدث في هذه الليلة العاشرة بكربلاء! الليلة التي في غدها الآتي ستقع واقعة ملحمة العشق الإلهي الحسيني الفريد، فيحمل معه السيد الشهيد رجال أهله وأصحابه الأوفياء.
إنها ليلة الإعداد والإستعداد للقاء لم يقع مثله لأحد، ولا يقع فيما يستقبل من الزمان.
أول ما انجذب إليه وعي الشاعر.. هو هذه الحياة النيرة المستمرة من ليلة عاشوراء، عابرة الأحقاب والقرون، سارية كالسحابة العظيمة الدفاقة بالبهجة الحزينة فوق رؤوس أجيال الزمان:

ذكراك ملء حناجر الأجيال

حظرات حزن يزدهي بجلال

ورفيف سرب من طيوف كآبة

تختال بين عواصف ورمال

يا ليلة كست الزمان بغابة

من روحها، قمرية الأدغال

ذكراك ملحمة توشح سفرها

بروائع نسجت من الأهوال

فهنا الحسين يخيط من أحلامه

فجرين: فجر هدى وفجر نضال


ها هنا مخيم آل محمد من أهل بيت الحسين، مخيم قدس يحجبه جلال الله لأن فيه زينباً عقيلة آل أبي طالب وأخوات زينب.. والصبيان والصبايا المحمديين الأطهار، وكل من يمت الى سيد العشق الكبير بصلة إنتماء من عظماء الهاشميين.
في مخيم الحسين بنت أميرالمؤمنين أخته الصديقة بجلالها الإلهي المستور، وفي المخيم: زين العابدين السجاد علي بن الحسين صاحب السجدة الطويلة، وفيه كذلك: سكينة الحسين إبنة المستغرقة مع الله، وسائر النساء الخفرات من أسرة هؤلاء السادة النجباء.
كل هذا يتراءى للشاعر كرؤيا من وراء دفقات متواصلة من النور، بيد أن ما استوقفه مشهد آخر أيضاً.. ربما يود لو أنه نفسه كان له فيه نصيب، كما يود ذلك أصحاب الغيرة على حرمات رسول الله التي هي حرمات الله.
إنه مشهد لحظات لأصحاب الحسين الذين واصلوا معه الطريق الى كربلاء، أو التحقوا به بعد نزوله في كربلاء؛ وقد قال لهم حنانه ونبله المنقطع النظير: "هذا الليل قد غشيكم، فاتخذوه جملاً ثم ليأخذ كل رجل بيد رجل من أهل بيتي، ثم تفرقوا في سوادكم ومدائنكم حتى يفرج الله؛ فإن القوم إنما يطلبوني ولو قد أصابوني لهوا عن طلب غيري"
ولم يتردد أحد من أصحابه سلام الله عليه عن مد عنقه أمام حد السيف، ولقد قالوا كلاماً غير قليل.. كله صدق بيعة وتوطين نفس، إنهم ما جاءوا إلا ليكونوا أضاحي في حج الحسين هذا المقدس في كربلاء.. فكيف – وقد أزف أوانه – يتراجعون؟!
قالوا لسيد الفتح فيما قالوا: نفديك أنفسنا وأموالنا وأهلينا، ونقاتل معك حتى نرد موردك، فقبح الله العيش بعدك!
ومشهد آخر في ليلة عاشوراء يتصدره رجل شيخ تهدل على عينيه حاجباه الأبيضان، وبدت لحيته البيضاء النقية هالة نور حول ملاحة وجهه القمري ذي السمرة الجذابة الطافحة، هذا الشيخ "اليافع" تفرض حيويته وأريحيته نفسها قدوة لشبان، إنه حبيب بن مظاهر زعيم بني أسد ومقدمهم الكبير.. هو من يقود الآن وفداً من أنصار الحسين يتجه نحو المخيم، ليطمئن عقيلة الهاشميين أنه ومن معه رهن إشارة أخيها المفدى الحبيب، وأنهم عازمون على العبور الى الشهادة – فداء لإبن فاطمة – عبر شدقي الموت:

ووراء أروقة الخيام حكاية

أخرى، تتيه طيوفها بجمال

فهنالك "الأسدي" يبدع صورة

لفدائه.. حورية الأشكال

ويحاول استنفار شيمة نخبة

زرعوا الغلاة رجولة ومعالي

نادى بهم.. والمجد يشهد أنه

نادى بأعظم فاتحين رجال

فإذا الفضاء مدجج بصوارم

وإذا التراب ملغم بعوالي


هذا الوصف – ما كأنه وصف لجند يستعدون في ليلة حرب مليء بالجمال – غد هذه الليلة سيشهد حضور الجمال في أبهى جلواته: الجمال في فعل الرب، والجمال في فعل العبد.. في ملحمة أفعال كل ما فيها جميل؛ بشرط أن يرى الرائي بعين الصديقة زينب أخت الحسين، هي التي قالت عن وقائعوفجائع عاشوراء: "ما رأيت إلا جميلا".
أين يريد حبيب أن يأخذ هذه الكوكبة في ليلة عاشوراء، وهم علة وشك اقتحام عين العاصفة التي تريد أن تهب؟!

ومشى بهم أسداً يقود وراءه

نحو الخلود كتيبة الأشبال

حتى إذا خدر العقيلة أجهشت

أستاره في مسمع الأبطال

ألقى السلام، فما تبقت نبضة

في قلبه لم ترتعش بجلال

وتفجر الفرسان بالعهد الذي

ينساب حول رقابهم بدلال

قري فؤاداً يا عقيلة، واحفظي

هذي الدموع؛ فإنهن غوالي

ما دامت الصحراء يحفل قلبها

منا بنبضة فارس خيال

سيظل في تاريخ كل كرامة

ميزان عزك طافح المكيال

عهد زرعنا بالسيوف بذوره

وسقته ديمة جرحنا الهطال


حتى الفرات.. هذا الرقراق السلسال الممنوع ماؤه – جوراً وتعدياً – عن أهل مخيم الحسين.. يترقب الغد مسهداً لا تغفو له عين.
ربما كان الفرات يحس أن ماءه هذا الدقاق سيبدل لونه الى الأرجواني القاني، إذا حان وقت ظهيرة عاشوراء! تماماً كما ستبدل الكعبى ثوبها الى الأسود بعد وقت قصير، إنقلاب جبار هو ما سيحدث ويتبدل في كل شيء!
سيتذوق الفرات الأحمر – كما لم يتذوق من قبل – طعم وفاء من نمط خاص.. لأول مرة تشهده الدنيا في تاريخها الطويل.
وسيغتسل الفرات – وكل قطرة منه شوق ووجد – بهذا الوفاء المترقب النفيس، وهو الوفاء الأوفى الذي لا يمكن أن يشرق إلا من رجل الرجال أبي الفضل العباس بن أمير المؤمنين:

أما الفرات فمقلة مشبوحة

نحو الصباح مشهد السلسال

يترقب الغد.. بالدماء يزفه

عبر امتداد أباطح وتلال

ويتوق للعباس يغسل ماءه

بأجل معنى للوفاء، زلال


ختم جاسم الصحيح أبيات قصيدته بالوفاء العباسي الرائع الوتر الذي لا يتكرر مثله في الناس.
وفاء أبي الفضل نبراس علوي سخي الإضاءة.. يهدي من استهداه في مسالك الدروب، ويجلو أشد الكروب حلكة وأكثرها تحرياً والتباس موقف.
ما علينا إلا أن نستمطر سحائب فضل أبي الفضل بصدق لائق بالصادقين.
نشكركم أعزاءنا المستمعين لكرم إصغائكم لحلقة اليوم من برنامج يوم الحسين قدمنا لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران..
دمتم في أمان الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة