البث المباشر

الشاعر منصور بن سلمة النمري

الإثنين 23 سبتمبر 2019 - 09:31 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- يوم الحسين: الحلقة 8

السلام عليكم أيها الإخوة والأخوات ورحمة من الله وبركات، وأهلاً بكم في لقاء اليوم من هذا البرنامج ووقفة إستلهامية أخرى في الرحاب النيرة ليوم الحسين سيد الشهداء صلوات الله عليه وقيم الحياة الكريمة التي زخر بها هذا اليوم الخالد من أيام الله الكبرى.
إخوة الإيمان.. 
في يوم الحسين تجلت جماليات الولاء الحق لله جل جلاله بأسمى صورها في مواقف الحسين وصحبه الشهداء وعيالاته الأسرى عليهم جميعا صلوات الله.
وفي المقابل إنكشفت قبائح أعداء الله وشدة عدائهم لخلقه بأبشع صورهم في سلوكيات اليزيديين فكانت تلك الجماليات الحسينية الزينبية عامل بعث مستمر لروح الولاء الحق لله وأوليائه، فيما صارت تلك القبائح اليزيدية عامل ترسيخ مستمر لروح البراءة من أعداء الله وأوليائه في كل مكان وزمان؛ يعبر عنها المؤمنون ما استطاعوا لذلك سبيلا حتى لو كانت حراب الطواغيت مشهورة على رقابهم وهذا ما شهدنا ونشهد مصاديقه سماعاً وعياناً عبر التأريخ السالف والمعاصر في نماذج كثيرة منها ما نحدثكم عنه في هذا اللقاء وهو أديب قدم روحه على طبق الإخلاص ليوم الحسين وروح الولاء للحسين وآل الحسين ورب الحسين والبراءة من أعدائهم أجمعين.
تحت عنوان وعي .. لجذور المأساة كتب أستاذنا الحاج إبراهيم رفاعة يقول:
مرارة قلبه الذي أضاءته ومضة من برق كربلاء.. تلمس في شعره؛ إذ شعر منصور بن سلمة النمري حديث قلبه.. وقيمة كل امرئ حديث قلبه.
ومنصور النمري هذا ينتمي في نسبه الى النمر بن قاسط من نزار، عاش في القرن الثاني وتوفي في العقد الأخير منه.. يضطرم داخله إيماناً وحباً للعترة النبوية الطاهرة.. في ظروف معاكسة مزروعة بنصال السيوف وظلمات السجون.. ماذا يصنع منصور إذن وهو بين نارين؟ نار حب آل محمد هذه المضطرمة في باطنة والغضب لهم لما ألقي عليهم من ظلم أهل الظلم، ونار الإضطهاد والإرهاب السلطوي العباسي والمتزلفين للمتسلطين، لابد للماء المتدفق من باطن الأرض قوياً أن يعبر عن نفسه بصورة نبع فياض.. كما لابد للنار المحتدمة بين طبقات الصخور أن تولد البركان!
حبه الصادق القوي لأهل البيت الهداة يحرضه على قول الشعر فيهم، وسيوف بني العباس المسلولة أمام الرقاب تلجم الأفواه، لكن منصوراً يأبى له لسان، سيلجأ الى أسلوب التورية والإيهام، يقول شيئاً ويريد شيئاً آخر هو الذي يقصده، لتكتب له – ولو مؤقتاً – النجاة، لكنه يجاهر أحياناً بولائه لآل محمد بنبرة واضحة بينة، إذ يرى حتى اليهود والنصارى بين المسلمين في دعة وأمان، أما وديعة النبي من أحبائه وأعزته فهم ومن يحبهم مهددون مشردون أو مستشهدون! هو ذا يفضح بلا قناع هذا الموقف النفاقي الذميم الذي عليه حكام المسلمين:

آل النبي ومن يحبهم

يتطامنون مخافة القتل

أمن النصارى واليهود، وهم

من أمة التوحيد في أزل


والأزل أيها الأفاضل يعني المضايقة والإرهاب
ولمنصور النمري قصيدة لامية تعبر عن انتمائه الصريح لأهل الحق والصدق المظلومين.
هي في زمانها بمنزلة وسيلة إعلام مقروءة ومسموعة سريعة الإنتشار، تحرض على الإنتماء الى خط آل محمد، وتفضح مضطهديهم من أهل الجور والطغيان، كان النمري آنذاك في الرقة من بلاد الشام لما سمع هارون العباسي الرشيد حكايتها في بغداد، فبعث هارون من فوره أحد قواده الى الرقة ليقبض على منصور ويقطع لسانه ويقتله ثم يحضر رأسه إليه، فلما وافى هذا القائد العسكري باب الرقة رأى جنازة منصور النمري محمولة على الأكتاف. قال له الرشيد لما رجع إليه وأخبره خبر وفاته: فألا إذ صادفته ميتاً أحرته بالنار!
أيها الأكارم، القصيدة اللامية ذات الأربعة والعشرين بيتاً.. ترينا – منذ بيتها الأول – شاهداً على صدق النبوءة المحمدية عن الحرارة التي لا تبرد لقتل الحسين فنراها في صدر منصور النمري وهو يحبس حرارة لا تبرد، ويذرف دمعاً لا يكف تجعله يقول:

متى يشفيك دمعك من همول

>ويبرد ما بقلبك من غليل؟!


هذا الحزن المتغلغل في قرارة نفسه يسلمه الى البكاء والعويل: أول تجل غير إرادي للأحزان المختزنة الخارجة عن طوق المألوف:

ألا يا رب ذي حزن تعايا

بصبر، فاستراح الى العويل


لكن.. لم كل هذا البكاء يا منصور، ولم كل هذا العويل؟! إنه الحسين صلوات الله عليه.. الذي إذا ذكر الله وذكر رسول الله والقرآن، وذكر بذكره جمال حقيقة التوحيد، هو المقتول ظلماً واستخفافاً بالله والنبي.. بأيدي أوباش أمة جده صاحب الرسالة والدين، هو وحده الحسين من حمل راية الهدى والإنقاذ للأمة التي تسلط عليها من لا يرحم ولا يؤمن بالقرآن والرسول، الموقف لبني أمية موقف مزدوج: يخالف ظاهره باطنه، وهو الموسوم بالنفاق، في أقبح صور النفاق:

قتيل.. ما قتيل بني زياد

ألا بأبي وأمي من قتيل!


ومما يزيد الفاجعة ألماً وكرباً أن مثل نور الحسين الإلهي المحمدي الرقراق يذبح بأيدي أمثال لؤم ووضاعة بني زياد. فزياد ابن أبيه ظل إلى اليوم زياد ابن أبيه!

رويد ابن الدعي وما ادعاه

سيلقى ما تسلف عن قليل


والنمري ذو بصر وبصيرة.. ينظر في الحوادث الى جذورها إذا رأى ماء يسيل لم يكتف برؤيته، بل تتبعه الى المنبع، وهذا وعي في المرء ممدوح. إن البغضاء والشحناء لأبي عبدالله الحسين الثائر لله وحده والمصلح لما أفسده المفسدون من أمة جده العظيم.. إنما لهما منابع وجذور، إنها ثارات قديمة في نفوس مظلمة.. راجعة الى جاهليتهم التي لقيت من رجولة علي بن أبي طالب في بدر وغير بر الأمرين. ها هم الآن من نجل علي وأهله يستشفون، ومن دين النبي الذي أفقدهم سلطتهم الزائفة الغاشمة ينتقمون:

معاشر أودعت أيام بدر

صدورهم وديعات العليل

فلما أمكن الإسلام شدوا

عليه شدة الحنق الصؤول


أي قلب ذي إيمان لا يبكى الإيمان الذي ذبح في كربلاء؟! وأي وجدان صاحب وجدان لا يستثيره مرأى بهاء الوجدان الذي مزقوه بسيوف البغي والآثام في عاشوراء؟! الشاعر وهو متألق الإيمان متوهج الوجدان.. يحزن ويبكي ويدعو الى الحزن والبكاء:

أيخلو قلب ذي ورع ودين

من الأحزان والهم الطويل

وقد شرقت رماح بني زياد

بري من دماء بني الرسول؟!

ألم يحزنك سرب من نساء

لآل محمد خمش الذيول؟!

يشققن الجيوب على حسين

أيامى قد خلون من البعول

بتربة كربلاء لهم ديار

نيام الأهل دارسة الطلول


ثمة أمران يقوم بهما منصور النمري في هذا الجو، إيمان قلبه هو من يقوده الى هذين الأمرين ويهديه، أولهما: زيارة بقعة الحسين في كربلاء بإهداء التحية والسلام:

تحيات ومغفرة وروح

على تلك المحلة والحلول


السلام معبر عن المودة والإنتماء، كما هي الزيارة أيضاً.. في بذل المرء ما يبذل لبلوغ الأرض المقدسة وإعلان المحبة والولاء.
وثاني الأمرين خطوة متقدمة الى الأمام، وموقف رجولي حازم من كلا المعسكرين: إنه يبرأ الى الله – أمام رسول الله – من معسكر النفاق الأموي الذي ارتكب في كربلاء مجزرة الإنتقام من أهل التوحيد.
ثم الإندفاع – في الأمر الثاني – للإنضمام الى معسكر أهل الحق المقتولين، دفاعاً عنهم وانتصاراً لهم حتى يسفك منه الدم، ما قيمة كل دماء أهل العالم إزاء دماء حبيب الله وصفيه الحسين؟!

برئنا يا رسول الله ممن

أصابك بالأذاة وبالذخول

ألا يا ليتني وصلت يميني

هناك بقائم السيف الصقيل

فجدت على السيوف بحر وجهي

ولم أخذل بنيك مع الخذول


سلام الله ورضوانه على منصور النمري يوم انتصر لآل محمد بسلاح لسانه، ويوم مات مضطهداً مشرداً، ويوم يبعث ضاحكاً مستبشراً تحت راية الحسين صلوات الله عليه.
وبهذا نصل مستمعينا الأكارم الى ختام حلقة أخرى من برنامج يوم الحسين كان حديثنا فيها عن القيام الحسيني المقدس كمنار ليس ثمة أقوى منه في إشاعة وبعث روح الولاء الحق لله ولرسوله ولأوليائه تبارك وتعالى وفي المقابل بعث روح البراءة من أعداء الله ورسوله وأوليائه عليهم جميعاً أزكى الصلاة والسلام..
لكم جزيل الشكر من إخوتكم وأخواتكم في إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران على طيب إستماعكم لهذا البرنامج نستودعكم الله على أمل اللقاء بكم في الحلقة المقبلة بإذن الله دمتم في أمانه سالمين والحمد لله رب العالمين.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة