البث المباشر

تفسير موجز للآيات 17 الى 22 من سورة النمل

الإثنين 6 إبريل 2020 - 12:17 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نهج الحياة: الحلقة 680

اللهم لك الحمد حمد الشاكرين، والصلاة والسلام على رسولك الخاتم وآله المطهرين.

إخوة الإيمان في كل مكان أهلاً بكم في حلقة جدية من برنامج نهج الحياة وتفسيراً آخر من سورة النمل المباركة، نستهله بالآيتين السابعة عشرة والثامنة عشرة:

وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ﴿١٧﴾ حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴿١٨﴾ 

 

قلنا في الحلقة السابقة إن الله منّ على سليمان وأبيه داوود بأن وهبهما من العلم والسلطان ما أتاح لهما حكم الشام وما جاورها.. والآيتان هنا تشيران لأحد أهم متطلبات الحكم، أي: الجند، حيث حشر – أي جمع – لسليمان جنود من الجن والإنس والطير.

فسار سليمان وجنوده حتى أشرفوا على واد بالطائف أو الشام أو كما قيل أيضاً بأقصى اليمن، قالت نملة وكانت كما قيل رئيسة النمل "يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم" أي لا يكسرنكم "سليمان وجنوده" ويطأونكم "وهم لا يشعرون" بمعنى أنهم كانوا يسيرون على الأرض ولم تحملهم الريح وإلا لما خافت انمل أن يطأوها بأقدامهم. قد تكون القصة هذه قبل أن يسخر الله الريح لسليمان.

ويبدو أن النملة أيضاً كانت تعلم أن على سليمان الحاكم الآمر والناهي عدم إيذاء ولو نملة واحدة وعلى جنده كذلك عدم إيذائها.

علمتنا الآيتان:

  • إن الإنسان قادر على تسخير الجن والإستعانة بهم في أمور شتى.
  • النظم، الإنضباط، القدرة العسكرية واستثمار القوى الكفوءة في مواجهة الأعداء من خصائص حكم الأنبياء والرسل.
  • إن الحيوانات، تعب الأضرار ومواطن الخطر ويحذر البعض منها الآخر.
  • من يختاره الله ويصطفيه من عباده، لا يؤذي بعمد أو سبق إصرار، ولو نملة واحدة.

نصغي الآن الى الآية التاسعة عشرة من سورة النمل المباركة:

فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴿١٩﴾ 

 

تبسم سليمان عليه السلام ضاحكاً من قول النملة لأنه رأى كأي إنسان ما لا عهد له به.. لذا تعجب وضحك وإن التبسم كما قيل دون الضحك، وعلى هذا فالمراد بالضحك هو الإشراف عليه مجازاً.

وقد تبسم عليه السلام مبتهجاً مسروراً بما أنعم الله عليه حتى أوقفه هذا الموقف وهو النبوة والعلم بمنطق الحيوان والملك والجنود من الجن والإنس والطير "وقال رب أوزعني" أي ألهمني "أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي" بأن علمتني منطق النمل وأسمعتني ما تقوله من بعيد حتى أمكنني الكف وأكرمني بالنبوة والملك "وعلى والدي" أبي بأن أكرمته بالنبوة وفصل الخطاب وألنت له الحديد؛ وأمي بأن زوجتها نبيك داوود وجعلت نعمتك عليهما ما يلزمني أن أشكر على ذلك "وأن أعمل صالحاً ترضاه" أي زفقني اللهم لأن أعمل صالحا.. وقوله: "وأن أعمل أمر أرفع قدراً وأعلى منزلة من سؤال التوفيق للعمل الصالح، فلإن التوفيق يعمل في الأسباب الخارجية بترتيبها بحيث توافق سعادة الإنسان.

والإيزاع الذي سأله عليه السلام دعوة باطنية في الإنسان الى السعادة وعلى هذا فليس مستبعداً أن يكون المراد به الوحي الذي أكرم الله به إبراهيم وآله عليهم السلام.

ثم دعا سليمان قائلاً "وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين" أي: إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ومن بعدهم من النبيين.

ما تعلمناه من الآية:

  •  من خصوصيات الزعامة وإدارة المجتمع، سعة الصدر لدى الإستماع للإنتقادات والإصغاء للرأي الآخر بكل رحابة صدر، مثلما رحب سليمان عليه السلام بابتسامة بمقولة النملة وشكر الله كذلك على هذه النعمة.
  •  الشكر لله على ما أنعم، ليس باللسان فحسب وإنما بحسن استثمار النعم والعمل الصالح والإحسان الى الناس وما يخدم الصالح العام.
  •  العمل الصالح له قيمته ويثاب عليه إذا كان لمرضاة الله لا إرضاء للناس وكسب الشهرة بينهم.

والآن نبقى مع الآيات من الآية العشرين الى الآية الثانية والعشرين من سورة النمل المباركة:

وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ﴿٢٠﴾ 

لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴿٢١﴾

 فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ﴿٢٢﴾

 

أكد المتقدم من الآيات، أن الطير كانت هي الأخرى في خدمة النبي سليمان وتطيعه وتبلغه بحال الشام وما جاورها.

وتحكي هذه الآيات أن سليمان ذات مرة تفقد ذات مرة الطيور فرآها كلها إلا الهدهد "فقال ما لي لا أرى الهدهد" بين الطيور الملازمة لمركبي. وقد اختلف في سبب تفقده الهدهد. فقيل: إنه احتاج إليه في سفره ليدله على الماء لأن الهدهد كما يقال يرى الماء في جوف الأرض كما يراه في القارورة. أو لأن الطيور كانت تظله من الشمس فلما أخل الهدهد بمكانه وقعت نفحة منها على رأس سليمان فنظر فإذا موضع الهدهد خال فأتاه الهدهد بحجة "فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين" وفي هذا دلالة على أنه يجوز أن يكون في زمن الأنبياء من يعرف ما لا يعرفونه.

أفادتنا الآيات:

  •  تفقد أحوال الضعفاء، من شيم الرجال وسيرة الصالحين وأولياء الله.
  •  بعد النظر، الدقة والإحاطة بالأمور شرط أساس للأخذ بيد المجتمع وتوجيهه وقيادته، مثلما كان النبي سليمان (ع) في حكمه يرقب كل شيء ولا تفوته صغيرة أو كبيرة.
  • العقلانية، المنطق وقبول العذر الموجه مع القوة والحزم مستلزمات القيادة والحكومة الإسلامية.
  • الإهمال أو التقاعس، أمر مرفوض في أي نظام وتشكيلة حكومية، يجب التصدي للمخالفين ليكون عبرة للغير ولا يجرؤ أي كان على التخلف.

إنتهت هذه الحلقة، على أمل اللقاء بكم مستمعينا الأعزاء في حلقة جديدة من برنامج (نهج الحياة) لكم منا ألف سلام.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة