البث المباشر

تفسير موجز للآيات 6 الى 11 من سورة النمل

الإثنين 6 إبريل 2020 - 09:11 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نهج الحياة: الحلقة 678

اللهم لك الحمد حمد الشاكرين والصلاة والسلام على نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

إخوة الإيمان في كل مكان السلام عليكم وأهلاً بكم في حلقة جديدة من برنامج (نهج الحياة) وتفسير آي أخر من سورة النمل المباركة، الى حضراتكم أولاً تفسير الآية السادسة وهي:

وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ﴿٦﴾

 

يتصدر السورة بيان منزلة القرآن وعظمة هذا الكتاب السماوي ودوره في هداية المؤمنين وسعادتهم، مشيرة لخصائص من آمن بالله واليوم الآخر وعاقبة من أعرض عن ذلك ولم يؤمن بالآخرة.

وبعد ذلك تؤكد هذه الآية وقبل ذكر قصص الأنبياء إن ما في القرآن هذا الكتاب السماوي من المعارف مستمد من علم الله وحكمته، والعلم هنا هو علم الله اللامتناهي بما يفيد الخلق ويضرهم وحكمته جل وعلا، إنما تبين مهام وقوانين تقرب الإنسان من الله عزوجل وبلوغ معارج الكمال.

وبعد ذلك تعرض الآيات اللاحقة لنماذج من هذه العلوم والحكم الإلهية من خلال بعث الأنبياء والرسل.

تفيدنا الآية:

  •  القرآن، إنما هو تبلور علم الله وحكمته.. كذلك علم النبي المتلقي للوحي، فإنه علم لدني لا اكتسابي.
  • الأحكام أو الأوامر الدينية مردها ينبوع علم الخالق الواحد ومعينه الذي لا ينضب، وفي كل من أحكام الدين، حكمة كامنة فيها مصالح العباد بإيصال الخير إليهم أو دفع الأذى عنهم.

نصغي معاً الى الآيات السابعة والثامنة والتاسعة من سورة النمل المباركة:

إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ﴿٧﴾ 

فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿٨﴾ 

يَا مُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا اللَّـهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿٩﴾

 

تعرض السورة لجوانب من سيرة خمسة من الأنبياء والرسل وأقوامهم بدءاً بالنبي موسى كليم الله على نبينا وآله وعليه السلام.

تقول الروايات كان موسى وهو يسير بأهله، أي إمرأته من عند أبيها شعيب بمدين الى مصر، قد أضل الطريق في ليلة ليلاء قارسة ببردها وهائجة بريحها، ما جعله يبحث عن مفازة له ولزوجته، لكن ما لبث حتى قال لإمرأته (إني آنست ناراً) أي أبصرت ورأيت ناراً.

وقيل أنست، أي: أحسست بالنار من جهة يؤنس بها ولا يخاف ثم قال (سآتيكم منها بخبر) أي: ألزموا مكانكم لعلي آتيكم من هذه النار بخبر الطريق، خاطب موسى أهله بصيغة الجمع لإقامتها مقام الجماعة في الأنس بها في الأمكنة الموحشة وربما كان مع إمرأته غيرها من خادم أو مكار أو سواهما أو لما كنى عنها بالأهل.

ثم قال (أو آتيكم بشهاب قبس) وهو شعلة نار، والشهاب نور كالعمود من النار، أما قوله (لعلكم تصطلون) أي: تستدفئون بها. ثم قال (فلما جاءها) أي التي ظنها موسى ناراً وهي نور (نودي) موسى (أن بورك من في النار ومن حولها) يعني موسى، فكأنها قال بارك الله على من في النار وعليك يا موسى.

ومن في النار كما قيل؛ سلطان الله وقدرته وبرهانه، وجاء في بعض الروايات أنه: لما رأى موسى النار وقف قريباً منها فرآها تخرج من فرع شجرة خضراء لا تزداد النار إلا اشتغالاً ولا تزداد الشجرة إلا خضرة وحسناً فلم تكن النار بحرارتها تحرق الشجرة ولا الشجرة برطوبتها تطفئ النار.

ثم نزه الله نفسه قائلاً (سبحان الله رب العالمين) أي: تنزيهاً له عما لا يليق بصفاته تعالى عن أن جسماً أو ممن يتكلم بشفة أو لسان وما الى ذلك.

عند ذاك أخبر سبحانه عن ذاته فقال (يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم) أي: أن من يكلمك يا موسى هو الله القادر وغالب كل غالب، الحكيم في أفعاله.

تفهمنا الآيات:

  •  كان الأنبياء يحيون حياة طبيعية ويعيشون كما يعيش غيرهم من الناس ويعلمون ويكافحون من أجل لقمة العيش وتلبية متطلبات الأسرة، منهم موسى عليه السلام الذي فيما كان يسعى لدفع البرد القارص عن أهله بعث رسولاً.
  •  لو شاء الله لجعل النار الحارقة برداً وسلاماً كما يشير لذلك قوله تعالى في سورة الأنبياء: يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم.

والآن نبقى مع الآيتين العاشرة والحادية عشرة من سورة النمل المباركة:

وَأَلْقِ عَصَاكَ ۚ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَا مُوسَىٰ لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ﴿١٠﴾ 

إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿١١﴾

أمر الله سبحانه كليمه أن يلقي عصاه لكي يريه بعض آياته، فألقاها فصارت العصا تتحرك كما يتحرك الجان وهو الحسية... مرد هذا التشبيه خفة حركة هذه الحية واهتزازها مع أنها ثعبان في عظمها ولذلك هال موسى منظر الحية فرجع الى ورائه.

فقال سبحانه (يا موسى لا تخف إني ايخاف لدي المرسلون) وهذا تسكين من الخالق ونهي له عن الخوف لأنه لا يفعل قبيحاً ولا يخل بواجب فيخاف عقاب الله على ذلك والذي يظلم نفسه بارتكاب المعصية أو القبيح من الأفعال من غير المرسلين لأن الأنبياء لا يظلمون لعصمتهم فالخوف من العقاب هو حال من ظلم باستثناء من بدل (حسناً بعد سوء) أي: بدل توبة وندماً على ما فعله من القبائح وعزم على عدم معاودة ذلك.

الإستثناء صنا من المرسلين إستثناء منقطع والمراد بالظلم مطلق المعصية، وبالحسن بعد السوء التوبة بعد المعصية أو العمل الصالح بعد العمل الطالح أو العمل الخير عقب العمل الشر... ويكون المعنى.

لكن من ظلم باقتراف المعصية ثم بدل ذلك حسناً بعد سوء وتوبة بعد معصية أو عملاً صالحاً بعد سيء فالله غفور رحيم يغفر ظلمه ويرحمه فلا يخافن بعد ذلك شيئاً.

أفهمتنا الآيتان:

  • المعجزة إرادة إلهية، وإن كانت تتم كما يبدو من قبل الأنبياء فهذه الأعمال الخارقة قبل أن تكون معجزة بالنسبة للناس معجزة الأنبياء أيضاً وما يدعو لطمأنتهم بالرسالة وبالمهمة التي بعثوا من أجلها.
  • ترى المشيئة الإلهية، وجوب أن يكون الظالم خائفاً وجلاً ومضطرباً.
  • العفو الإلهي يكون بعد التوبة والإستغفار والعمل الصالح والتعويض عما فات من ارتكاب الذنوب والمعاصي بما يرضي الله.

الى هنا إخوتنا الأعزاء نأتي الى نهاية هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة، لنا لقاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة