البث المباشر

نهج الحياة.. تفسير موجز للآيات 1 الى 6 من سورة الشعراء

السبت 4 إبريل 2020 - 10:01 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نهج الحياة: الحلقة 650

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على نبي الرحمة، محمد المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين..

تحية لكم مستمعينا الأفاضل.. وأهلاً بكم في حلقة جديدة من برنامج "نهج الحياة" نسعى خلالها الى تقديم تفسير ميسر، لآيات أخرى من كتاب الله المجيد..

بعد انتهينا من سورة الفرقان.. نشرع – بهذه الحلقة – في سورة الشعراء..

تتألف هذه السورة من 277 آية.. وحيث تعرضت آياتها الأخيرة لذكر الشعراء، ودورهم الإجتماعي، لذا فقد سميت باسم الشعراء.

دعونا نستمع – بدءاً – الى الآيات الثلاثة الأولى من السورة:

طسم ﴿١﴾ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴿٢﴾ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴿٣﴾ 

سورة الشعراء واحدة من 29 سورة من سور القرآن الكريم التي تبدأ بالحروف المقطعة... وهذه الحروف، كالمقطع "طسم" الذي مر بنا قبل قليل: من الرموز القرآنية... وهي في نفس الوقت، تفصح عن أن القرآن الكريم، هذه المعجزة الإلهية العظيمة يتشكل من هذه المادية الأولية، من هذه الحروف الألفبائية... ومع ذلك، فليس بوسع أي عالم أو كاتب أن يأتي بمثله..!

الآية التالية لهذا المقطع، تتحدث عن قدرة هذا الكتاب الإلهي... على الفرز والإبانة فهو يبين الحق من الباطل والصحيح من الخاطئ... وهذا الأمر بالذات يكشف عن عظمة القرآن الكريم وإعجازه.

الآية الثالثة تصور مدى حرص النبي (ص) على هداية أمته، مع كل ما واجهه من تعامل حاد قاس من قبل المشركين، وإساءات بل وتهديدات لشخصه الكريم... بيد أنه ورغم ذلك كله... لم يتراجع أو يكف عن دعوته...!

ولقد كان إصرار الكافرين على أفكارهم وأعمالهم الباطلة، وعدم استجابتهم لداعي الحق، يحزن النبي (ص) الى الدرجة التي يحس معها كما لو أن روحه توشك أن تزهق! ونستفيد من الآيات السابقة:

  • إن الإبانة: واحدة من خصوصيات القرآن الكريم... وجدير بنا مراجعة القرآن كلما استغلت علينا الأمور، ليدلنا على طريق الحل.
  • حرص الأنبياء الشديد على الناس، وسعيهم البالغ، من أجل القيام بمهمتهم في دعوة الناس الى طريق الهداية.
  • إذا لم تتوفر أرضية الإستجابة لدى الناس... فلن يترك أسمى منهج تربوي، أو أنجح مربي التأثير المطلوب..!

أما الآن، فنعود الى سورة الشعراء، لنستمع معا الى آيتها الرابعة:

 إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ﴿٤﴾

لاحظنا في الآية الثالثة... إشارتها الى أنه ورغم الجهود الواسعة التي بذلها النبي (ص)، فإن المشركين لم يستجيبوا له، واستمروا على نكرانهم... وهنا تأتي هذه الآية الشريفة، لتحذر المشركين من التمادي، والظن بأنهم قادرون على الإفلات من القبضة الإلهية... فالإرادة الإلهية قضت أن يكون إيمان العباد نابع من إرادتهم... ولو شاء تعالى لأراهم من دلائل قدرته وعظمته ما حملهم حملاً على التسليم والطاعة.

ونستفيد من هذه الآية:

  • ينبغي أن ينطلق الإيمان عن إختيار وقناعة، وليس تحت طائلة التهديد والإجبار... وإذا كان الله تعالى ملك الناس ومالكهم لا يجبر عباده على الإيمان، فهل يكون من حق الآخرين – ومنهم الوالدان – حمل الناس بالقوة على الإيمان.
  • سيأتي يوم يضطر فيه جميع المنكرين المعاندين للحق الى الإستسلام أمامه... لكنه سيكون قراراً متأخراًن لن يعود عليهم بالنفع..!

مرة ثالثة، نعود الى القرآن لنصغي الى الآيتين الخامسة والسادسة من نفس السورة:

وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَـٰنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ ﴿٥﴾ فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿٦﴾

الآيتان الشريفتان، تستعرضان الموقف المشرك وتعاطيه المعرض مع النبي الأكرم (ص)... فالمشركون يقابلون الوحي النازل على النبي بالإعراض والتكذيب والإستهزاء... الوحي الإلهي الذي يستهدف إيقاضهم وتوعيتهم يغلقون آذانهم عن سماعه...! ولا يحفلون بنسخة الشفاء التي وصفها الرحمن... الذي عم برحمته كل شيء... ليجعل الموجودات التي يزخر بها الكون – وفي مقدمتها الإنسان – رهين رحمته... ولكن... ورغم ذلك فإن المشركين المتعصبين لم يولوا هذا المنعم العظيم أي إيمان أو إعتراف وراحوا – ودون التوكؤ على برهان أو دليل – يكذبون بآيات الله، ويدعون عدم صحتها... بل والأسوة من ذلك يتخذونها مادة للسخرية والتفكه..!

فإذا حدثهم النبي عن القيامة والجنة والعذاب، هزؤوا وعدو ذلك مجرد خيال أو أضغاث أحلام..

ويأتيهم الرد الإلهي متوعداً... إن اليوم الذي ستتجسد فيه الحقائق أمامهم ليس بعيداً... فعندها يواجهون الجزاء الإلهي... ويدركون بأعماقهم ما وعد الله به عباده... وتصدمهم الحقائق التي كانوا ينكرونها ويسخرون منها... وما نستخلصه من هاتين الآيتين:

  • ان الإنحراف لا يغزو الإنسان مرة واحدة، بل بشكل تدريجي وخطوة خطرة... فهو بدءاً يعرض عن الحق، ثم يكذب بآياته، وبالتالي يقع في السخرية من الحق وأهل الإيمان.
  • الآيات القرآنية تعد ذكرى لذوي الألباب المتعطشين للحق، وليس للذين اختاره العناد والإعراض عن الحق.
  • ان السخرية أسوأ من التكذيب... ولهذا فإن فعل الذين يهزأون بالحق واتباعه لن يمر دون جزاء... بل ان الله تعالى سيضاعف لهم العقاب..!

وهكذا نأتي الى ختام هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة... فحتى نلتقيكم ثانية، نستودعكم بحفظ الله ورعايته...

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة