البث المباشر

انطباعات عن شخصية الإمام الحسن العسكري (ع)

الأحد 24 سبتمبر 2023 - 07:04 بتوقيت طهران
انطباعات عن شخصية الإمام الحسن العسكري (ع)

احتلّ أهل البيت ((عليهم السلام)) المنزلة الرفيعة في قلوب المسلمين لما تحلّوا به من درجات عالية من العلم والفضل والتقوى والعبادة فضلاً عن النصوص الكثيرة الواردة عن الرسول ((صلى الله عليه وآله)) في الحث على التمسّك بهم والأخذ عنهم .

والقرآن الكريم ـ كما نعلم ـ قد جعل مودّة أهل البيت وموالاتهم أجراً للرسول ((صلى الله عليه وآله)) على رسالته كما قال تعالى : ( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى )([29]) .

غير أنّ الحكّام والخلفاء الذين تحكّموا في رقاب الأُمّة بالسيف والقهر حاولوا طمس معالمهم وإبعاد الأُمّة عنهم بمختلف الوسائل والطرق ثم توّجوا أعمالهم بقتلهم بالسيف أو بدس السمّ .

ومع كل ما فعله الحكّام المنحرفون عن خطّ الرسول ((صلى الله عليه وآله)) بأهل البيت ((عليهم السلام)) ، لم يمنعهم ذلك السلوك العدائي من النصح والإرشاد للحكّام وحل الكثير من المعضلات التي واجهتها الدولة الإسلامية على إمتداد تأريخها بعد وفاة الرسول ((صلى الله عليه وآله)) وحتى عصر الإمام الحسن العسكري((عليه السلام)) .

وقد حُجبت عنّا الكثير من مواقفهم وسِيَرهم إما خشية من السلطان أو لأنّ من كتب تأريخنا الإسلامي إنّما كتبه بذهنية اُموية ومداد عبّاسي لأنه قد عاش على فتات موائد الحكام المستبدّين .

ونورد هنا جملة من أقوال وشهادات معاصري الإمام ((عليه السلام)) وانطباعاتهم عن شخصيّته النموذجيّة التي فاقت شخصيته جميع من عاصره من رجال وعلماء الأُمّة الإسلامية .

1 ـ شهادة المعتمد العبّاسي :

كانت منزلة الإمام معروفة ومشهورة لدى الخاصة والعامة كما كانت معلومة لدى خلفاء عصره .

فقد روي أنّ جعفر بن عليّ الهادي((عليه السلام)) طلب من المعتمد أن ينصّبه للإمامة ويعطيه مقام أخيه الإمام الحسن ((عليه السلام)) بعده فقال له المعتمد : «إعلم أنّ منزلة أخيك لم تكن بنا، إنّما كانت بالله عزّوجل ، ونحن كنا نجتهد في حطِ منزلته والوضع منه ، وكان الله يأبى إلاّ أن يزيده كل يوم رفعة بما كان فيه من الصيانة وحسن السمت والعلم والعبادة فإنْ كنت عند شيعة أخيك بمنزلته فلا حاجة بك إلينا ، وإن لم تكن عندهم بمنزلته ولم يكن  فيك ما كان في أخيك ، لم نغنِ عنك في ذلك شيئاً»([30]) .

 

2 ـ شهادة طبيب البلاط العبّاسي :

كان بختيشوع ألمع شخصية طبية في عصر الإمام الحسن العسكري((عليه السلام)) فهو طبيب الاسرة الحاكمة ، وقد احتاج الإمام ذات يوم الى طبيب فطلب من بختيشوع أن يرسل إليه بعض تلامذته ليقوم بذلك ، فاستدعى أحد تلاميذه وأوصاه أن يعالج الإمام ((عليه السلام)) وحدّثه عن سموّ منزلته ومكانته العالية، ثم قال له : «طلب مني ابن الرضا من يفصده فصر إليه ، وهو أعلم في يومنا هذا بمن تحت السماء ، فاحذر أن تعترض عليه في ما يأمرك به»([31]) .

 

3 ـ أحمد بن عبيد الله بن خاقان :

كان عامل الخراج والضياع في كورة قم ، وأبوه عبيدالله بن خاقان أحد أبرز شخصيات البلاط السياسية وكان وزيراً للمعتمد ، وكان أحمد بن عبيدالله أنصب خلق الله وأشدهم عداوة لأهل البيت ((عليهم السلام)) ، فجرى ذكر المقيمين من العلوية ـ أي مَن ينتمي في نسبه إلى عليّ بن أبي طالب((عليه السلام)) ـ بسرّ من رأى ـ سامراء ـ ومذاهبهم وأقدارهم عند السلطان ، فقال أحمد بن عبيد الله : «ما رأيت ولا عرفت بسر من رأى رجلاً من العلوية مثل الحسن ابن عليّ بن محمّد بن الرضا((عليهم السلام))،  في هديه وسكونه وعفافه ونبله وكرمه عند أهل بيته وبني هاشم وتقديمهم إياه على ذوي السن منهم والخطر وكذلك القوّاد والوزراء وعامّة الناس» .

وينقل أحمد هذا قصة شهدها في مجلس أبيه إذ دخل عليه حجابه فقالوا له : أبو محمّد ابن الرضا ـ أي الإمام العسكري ((عليه السلام)) ـ بالباب فقال بصوت عال : إئذنوا له ، فقال أحمد : فتعجبت ممّا سمعت منهم ، إنّهم جسروا يكنّون رجلاً على أبي بحضرته ولم يكنَّ  عنده إلاّ خليفة أو ولي عهد أو من أمر السلطان أن يكنى ، فدخل رجل أسمر حسن القامة ، جميل الوجه ، جيّد البدن ، حدث السن له جلالة وهيبة، فلما نظر إليه أبي قام فمشى إليه خُطى ولا أعلمه فعل هذا بأحد من بني هاشم والقوّاد، فلما دخل عانقه وقبل وجهه وصدره وأخذ بيده وأجلسه على مصلاه .

وتبيّن الرواية أنّ أحمداً بقي متعجباً متحيراً حتى كان الليل، فلمّا صلّى أبوه وجلس. جاء وجلس بين يديه، فقال : ياأحمد لك حاجة ؟ قلت : نعم يا أبه فإنّ أذنت لي سألتك عنها فقال : قد أذنت لك يابني فقل ما أحببت .

قلت: يا أبه مَن الرجل الذي رأيتك بالغداة فعلت به ما فعلت من الإجلال والكرامة والتبجيل ، وفديته بنفسك وأبويك؟

فقال : يابني ذاك إمام الرافضة ، ذاك الحسن بن عليّ المعروف بابن الرضا، فسكت ساعة ثمّ قال : يابني لو زالت الخلافة عن خلفاء بني العباس ما استحقها أحد من بني هاشم غير هذا ، وإنّ هذا ليستحقّها في فضله وعفافه وهديه وصيانته وزهده وعبادته وجميل أخلاقه وصلاحه ولو رأيت أباه رأيت رجلاً جزلاً نبيلاً فاضلاً([32]).

 

4 ـ كاتب الخليفة المعتمد :

روي عن أبي جعفر أحمد القصير البصري قال : حضرنا عند سيدنا أبي محمّد((عليه السلام)) بالعسكر فدخل عليه خادم من دار السلطان ، جليل فقال له : أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ويقول لك : كاتبنا أنوش النصراني يريد أن يطهر ابنين له ، وقد سألنا مسألتك أن تركب الى داره وتدعو لابنه بالسلامة والبقاء ، فأحب أن تركب وأن تفعل ذلك فإنا لم نجشّمك هذا العناء إلاّ لأنه قال: نحن نتبرك بدعاء بقايا النبوة والرسالة .

فقال مولانا ((عليه السلام)) : الحمد لله الذي جعل النصارى أعرف بحقنا من المسلمين .

ثم قل : أسرجوا لنا ، فركب حتى وردنا أنوش ، فخرج إليه مكشوف الرأس حافي القدمين ، وحوله القسيسون والشماسة والرهبان ، وعلى صدره الإنجيل ، فتلقاه على باب داره وقال له: ياسيّدنا أتوسل إليك بهذا الكتاب الذي أنت أعرف به منا إلاّ غفرت لي ذنبي في عنائك وحقّ المسيح عيسى بن مريم وما جاء به من الإنجيل من عند الله ، ما سألت أمير المؤمنين مسألتك هذه إلاّ لأنّا وجدناكم في هذا الإنجيل مثل المسيح عيسى بن مريم عند الله...

فقال((عليه السلام)) : «أما ابنك هذا فباق عليك ، وأما الآخر فمأخوذ عنك بعد ثلاثة أيام ـ أي ميت ـ وهذا الباقي يسلم ويحسن إسلامه ويتولانا أهل البيت» .

فقال أنوش : والله ياسيدي إنّ قولك الحقّ ولقد سهل عليَّ موت ابني هذا لما عرّفتني إنّ الآخر يسلم ، ويتولاكم أهل البيت .

فقال له بعض القسيسين : ما لك لا تسلم ؟

فقال أنوش : أنا مسلم ومولانا يعلم ذلك .

فقال مولانا ((عليه السلام)) : «صدق ولولا أن يقول الناس : إنا أخبرناك بوفاة ابنك ولم يكن كما أخبرناك لسألنا الله تعالى بقاءه عليك».

فقال أنوش : لا أريد ياسيدي إلاّ ما تريد .

قال أبو جعفر أحمد القصير ـ راوي الحديث ـ : مات والله ذلك الابن بعد ثلاثة أيام وأسلم الآخر بعد سنة، ولزم الباب معنا الى وفاة سيدنا أبي محمّد((عليه السلام))([33]).

 

5 ـ راهب دير العاقول :

وكان من كبراء رجال النصرانية وأعلمهم بها ، لمّا سمع بكرامات الإمام((عليه السلام)) ورأى ما رآه ، أسلم على يديه وخلع لباس النصرانية ولبس ثياباً بيضاء .

ولما سأله الطبيب بختيشوع عما أزاله عن دينه ، قال : وجدت المسيح وأسلمت على يده ـ يعني بذلك الإمام الحسن العسكري ((عليه السلام)) ـ قال : وجدت المسيح؟! قال: أو نظيره... وهذا نظيره في آياته وبراهينه . ثم انصرف إلى الإمام ولزم خدمته إلى أن مات .([34])

 

6 ـ محمّد بن طلحة الشافعي :

قال عن الإمام الحسن العسكري ((عليه السلام)) :

«فأعلم المنقبة العليا والمزية الكبرى التي خصه الله عزّ وجلّ بها وقلّده فريدها ومنحه تقليدها وجعلها صفة دائمة لا يُبلي الدهر جديدها ولا تنسى الألسن تلاوتها وترديدها : أن المهدي محمّد نسله، المخلوق منه ، وولده المنتسب إليه ، وبضعته المنفصلة عنه»([35]) .

 

7 ـ ابن الصباغ المالكي :

قال : إنّه «سيّد أهل عصره وإمام أهل دهره ، أقواله سديدة وأفعاله حميدة ، وإذا كانت أفاضل زمانه قصيدة فهو في بيت القصيدة ، وإن انتظموا عقداً  كان مكانه الواسطة الفريدة ، فارس العلوم الذي  لا يجارى ومبين غوامضها ، فلا يحاول ولا يمارى ، كاشف الحقائق بنظره الصائب مظهر الدقائق بفكره الثاقب المحدث في سره بالأُمور الخفيات الكريم الأصل والنفس والذات تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنانه ، بمحمد ((صلى الله عليه وآله)) آمين»([36]) .

 

8 ـ العلامة سبط ابن الجوزي :

قال : «هو الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى الرضا بن جعفر ابن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ((عليهم السلام))... وكان عالماً ثقة روى الحديث عن أبيه ، عن جده»([37]).

 

9 ـ العلامة محمّد أبو الهدى أفندي :

قال واصفاً الأئمة((عليهم السلام)) بأنهم قادة الناس الى الحضرة القدسية وأ نّهم أولياؤهم بعد الرسول الأعظم ((صلى الله عليه وآله)) : «قد علم المسلمون في المشرق والمغرب أنّ رؤساء الأولياء وأئمة الأصفياء من بعده ((عليه السلام)) من ذريته وأولاده الطاهرين يتسللون بطناً بعد بطن وجيلاً بعد جيل الى زمننا هذا ، وهم الأولياء الأولياء بلا ريب ، وقادتهم الى الحضرة القدسية المحفوظة من الدنس والعيب ومن في الأولياء ، الصدر الأوّل بعد الطبقة المشرفة بصحبة النبيّ الكريم ((صلى الله عليه وآله)) كالحسن والحسين والسجاد والباقر والكاظم والصادق والجواد والهادي والتقي والنقي العسكري ((عليهم السلام))([38]) .

 

10 ـ العلاّمة الشبراوي الشافعي :

قال عنه : «الحادي عشر من الأئمة الحسن الخالص ويلقب أيضاً بالعسكري... ويكفيه شرفاً أنّ الإمام المهدي المنتظر من أولاده ، فللّه در هذا البيت الشريف والنسب الخضم المنيف وناهيك به من فخار وحسبك فيه من علو مقدار... فيا له من بيت عالي الرتبة سامي المحلة ، فلقد طاول السماك ]السماء ـ خل[ علاً ونبلاً ، وسما على الفرقدين منزلة ومحلاً واستغرق صفات الكمال ، فلا يستثنى فيه بغير ولا بإلاّ ، انتظم في المجد هؤلاء الأئمة ، انتظام اللآلي وتناسقوا في الشرف فاستوى الأوّل والتالي ، وكم اجتهد قوم في خفض منارهم والله يرفعه...» ([39]).

الى أقوال كثيرة غيرها في فضله صرح بها الفقهاء والمؤرخون والمحدثون من العامة والخاصة ، ولا عجب في ذلك ولا غرابة فهو فرع الرسول ((صلى الله عليه وآله)) وأبو الإمام المنتظر والحادي عشر من أئمة أهل البيت((عليهم السلام)) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً وهم عدل القرآن كما ورد عن الرسول ((صلى الله عليه وآله)) وهم سفينة النجاة . وقد شهد له أبوه الإمام الهادي((عليه السلام)) بسموّ مقامه ورفعة منزلته بقوله الخالد : « أبو محمّد ابني أنصح آل محمّد غريزة وأوثقهم حجّة وهو الأكبر من ولدي وهو الخلف وإليه تنتهي عُرى الإمامة وأحكامها ، فما كنت سائلي فسله عنه ، فعنده ما يُحتاج إليه »([40]) .

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة