البث المباشر

الورع في بناء الشخصية الإيمانية

الأربعاء 20 نوفمبر 2019 - 12:10 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- من فيض أهل المعرفة: الحلقة 17

السلام عليكم إخوة الولاء والإيمان تحية زاكية نبعثها عبر الأثير لكم ونحن نلتقيكم في حلقة اُخرى من هذا البرنامج. أعزاءنا إن بناء الشخصية الإلهية في العرفان الإسلامي الأصيل هو بناء متوازن مثلما يهتم بترسيخ دعائم وأسس قوتها يهتم أيضاً بتطهيرها مما يؤدي بها الى الإنحدار والدمار. هذه الحقيقة من أهم ما يميز المدراس العرفانية النقية عن المنحرفة التي شهدها التأريخ الإسلامي، وحولها يدور الموعظة المؤثرة التالية التي إخترناها من كلام علم فقهاء الإمامية في القرن الهجري التاسع الشيخ الأجل زين الدين العاملي الملقب بالشهيد الثاني رضوان الله عليه.
في قسم من وصيته المسماة (الوصية النافعة) التي نشرتها مجلة تراثنا في عددها الرابع عشر يقول هذا الفقيه الزاهد: "أعلم أن التقوى شطران: اكتساب واجتناب، فالأول فعل الطاعات والثاني ترك المعاصي، وهذا الشطر هو الأشد ورعايته أولى، لأن الطاعة يقدر عليها كل أحد، وترك المعاصي لايقدر عليه إلا الصديقون. ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (المهاجر من هاجر السوء، والمجاهد من جاهد هواه ). وكان صلى الله عليه وآله إذا رجع من الجهاد يقول: (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر)، يعني جهاد النفس. وأيضاً فإن شطر الاجتناب يزكو مع حصول ما يحصل معه من شطر الاكتساب وأن قل، ولا يزكو ما يحصل من شطر الاكتساب مع ما يفوت من شطر الاجتناب وان كثر، ولذلك قال صلى الله عليه وآله: (يكفي من الدعاء مع البر ما يكفي الطعام من الملح)، وقال صلى الله عليه وآله في جواب من قال: إن شجرنا في الجنة لكثير: (نعم، ولكن أياكم أن ترسلوا عليها نيرانا فتحرقوها). وقال (صلى الله عليه وآله): (الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب) إلى غير ذلك من الآثار الواردة بذلك".
مستمعينا الأكارم وبتصوير بليغ يحذر العارف الشهيد الثاني من الإنخداع بمكائد النفس والغفلة عن أهمية الورع ومخاطر إرتكاب المعاصي، قال قدس سره الشريف: "فإن ظفرت بالشطرين فقد حصلت على التقوى حقا، وإن اقتصرت على الأول كنت مغرورا، ومثلك في ذلك كمثل من زرع زرعا فنبت ونبت معه حشيش يفسده فأمر بتنقيته من أصله فأخذ يجز رأسه ويترك أصله، فلا يزال ينبت ويقوى أصله حتى يفسده، أو كمريض ظهر به الجرب وقد أمر بالطلاء وشرب الدواء، فالطلاء ليزيل ما على ظاهره والدواء ليقلع مادته من باطنه، فقنع بالطلاء وترك الدواء وبقي يتناول ما يزيد المادة، فلا يزال يطلي الظاهر والجرب دائم به يتفجر من المادة في الباطن، أو كمن بنى دارا وأحكمها ولكن في داخلها حشرات ساكنة من الحيات والعقارب والجراد وغيرها، فأخذ في فرشها وسترها بالفرش الحسنة والستور الفاخرة، ولاتزال الحشرات تظهر من باطنها فتقطع الفرش وتخرق الستور وتصل إلى بدنه باللسع، ولو عقل لكان همه أولا دفع هذه المؤذيات قبل الاشتغال بفرشها ليحفظ ما يضعه فيها ويسلم هو من أذاها ولسعها، بل أي نسبة بين لسع الحيات في دار الدنيا الذي ينقضي ألمه في مدة يسيرة ولو بالموت الذي هو أقرب من لمح البصر وبين لسع حيات المعاصي التي يبقى ألمها في نار جهنم، نعوذ بالله تعالى منه ونسأله العفو والرحمة".
إذن مستمعينا الأكارم فلا مناص لطالب القرب الإلهي من أن يجتهد في التورع عما لايحبه الله عزوجل من المعاصي بأندفاعةٍ أشد من اندفاعته للعمل بما أمر به من الطاعات فبذلك يتحقق له التوازن المطلوب في سيره في معارج الكمال. وهذه هي النتيجة المحورية لموضوع هذه الحلقة من برنامج (من فيض أهل المعرفة)، إستمعتم لها من صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، تقبل الله منكم حسن الإصغاء وفي أمان الله.

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة