البث المباشر

من الواقع.. الإدمان على المخدرات

الأربعاء 13 نوفمبر 2019 - 10:38 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- من الواقع: الحلقة 1

بسم الله الرحمن الرحيم
خبراء البرنامج عبر الهاتف: سماحة الشيخ سعد الله خليل الباحث الاسلامي من لبنان، الاستاذ فيصل ابراهيم اخصائي القياس النفسي من السعودية


السلام على سيدنا محمد وآله الاطهار الطيبين السلام عليكم أخواتي واخوتي .. السلام عليكم أينما كنتم ونتمى لكم يوماً طيباً..نرجوا حسن المتابعة في برنامجنا هذا الذي سنسرد فيه حالة من حالات الواقع الاجتماعي الذي نحياه ربما تمر علينا مر الكرام وربما نحياها ونتألم منها أو نسعد فيها، واليوم سنتحدث عن قصص الإدمان، والإدمان له أشكال عدة منه الإدمان على المخدرات او السجائر او العادات السيئة، وما الى ذلك. ولكن يكاد يكون أخطرها على العائلة او المجتمع هو الإدمان على المخدرات.. فقصتنا اليوم تتحدث عن الإدمان على المخدرات وكيف يؤدي بصاحبه وعائلته الى هاوية الطريق.. كونوا معنا لنستمع الى قصة اليوم وسنعود معكم و نستضيف سماحه الشيخ سعد الله خليل الباحث الاسلامي من لبنان والأستاذ فيصل ابراهيم أخصائي القياس النفسي من السعودية ليساعدونا في الاجابة على بعض التساؤلات التي تطرح... سنلتقي مجدد بعد استمعانا لقصة اليوم...
كان صوت الإسعاف يدوي حين استفاقت وفتحت عينيها لتجد أناس غرباء بجانبها وهم يقولون لا تخافي كل شيء بخير لا تخافي تماسكي سنصل الى المستشفى عن قريب كان رأسها يشبه كرة ملئت بالحديد ثقيل جداً لا تستطيع أن تحركه وبصعوبة بالغة كانت تنطق اسم ابنتها سارة، أين سارة؟ قالوا لها لا تخافي انها بخير وسالمة وقد أعطينها للجيران لكي يهتموا بها، من الذي فعل بك ذلك؟.. صمت تلا ذلك السؤال وعادت بعينها الى نافذة سيارة الإسعاف وهي تترقب سير السماء معها، كما تترقب شريط أفكارها وهي تعود بها الى الوراء الى مكان ليس بالبعيد يوم اختارها خليل من بين كل بنات الحي كزوجة له كانت سعيدة وفرحة لأنه وسيم وابن عائلة عريقة وكل مواصفات الزوج تنطبق عليه.. وبعد الزواج كانت أيام او أشهر معدودة من السعادة العارمة التي دخلت بيتها كل شيء جميل وكل شيء أكثر من الجميل.. كان خوف خفي في قلبها ينذرها بخطر لم تحسب له حسبان، دخل رفاق السوء حياتهم ويوم بعد يوم بدء يتغير ويتغير حتى اكتشفت أنه أصبح مدمن مخدرات ولا يمكنها فعل شيء، حاولت أن تنقذ المتبقي وكل محاولاتها كانت تؤول الى الفشل.. تدخل والده في الأمر ولكنه في كل مرة كان يعود خائب من محاولته، لم يعد بإمكانه فعل شيء، وبدء الأمر يتطور الى أن أضاع خليل كل ما يملكه وأضاع عمله وبدء ببيع كل ما يمكن بيعه في المنزل ... ليشتري به تلك السموم ويتجرعها بقلب بارد لينهار الى الهاوية وهو يجرها معه.
خاف والده من أن يضيع كل ثروته بعد وفاته فقرر أن يسجل ما يملك باسم أخيها ليكون أميناً على ثروته بعد وفاته لتبقى لتلك الطفلة مصدر رزق وعيش وبعد وفاة والده ألما وحصرة على ولده وهو يذوب أمام عينه، أدرك خليل أن أبوه لم يترك له شيء وأن أموال والده في يد أخو زوجته أقام الدنيا وأقعدها وهو يحاول سحب تلك الأموال بشتى الطرق وآخر المطاف كان يضربها بشدة وينتزع كل ما لديها من مال يعطيها أخيها إياه لكي تصرف على البيت منه، وعندما ترفض يزداد الضرب ويزداد التهديد والوعيد حتى وصل به الأمر أن يهددها بابنتها .. كان عليها أن تتحذر منه وتعيش في حذر ورعب إن اخبرت أخيه بذلك سوف يفرق بينهما لا محال وهي التي ترجو أن يصحو ويعود الى رشده.. فبدأت تأخذ التدابير قبل قدومه في كل مرة فهو يغيب عن البيت أيام وأسابيع ويعود حين ينتهي المال في جيبه ويصبح خاوياً، وحين تشعر بقدومه تضطر الى إخفاء ابنتها لكي لا يصيبها الأذى ... ولكن هذه المرة كانت الأشد والأقسى عليها فهي لم تخبر أخيها من قبل بما كان يحدث وتقول في قرارة نفسها سوف يتغير وسوف يشفى من دائه هذا .. وعلى العكس ازداد الأمر سوءاً حتى أصبحت حياتها وحياة ابنتها في خطر... وكادت أن تقتل هذه المرة ولولا أمر الله...
فتحت عينها أم سارة وهي تنادي سارة سارة أين هي سارة... رد عليها أخيها وهو يقول الحمد لله على سلامتك يا أم سارة.. سارة بخير وهي هنا بجانبي انظري لها لا تفكري في شيء... مرت أيام وهي بدأت تتماثل الى الشفاء جاء أخيها ومعه المحامي وهو يقول له يجب أن تتطلقي من ذلك الجبان لقد قبض عليه وهو مخمور في خربة خاوية وهو قذر يرثى لحاله.. بكت أم سارة وهي تأمل في أن يشفى زوجها ويعود وهو نادم على ما فعله بهم... نظرة في عين رجاء الى أخيها وهي تطلب منه أن لا يطلقها من زوجها وأن يصبر عليه ولكنه كان يصر على ذلك .... ويقول لها لن أسمح له بأن يلمس شعرة من رأسك أو رأس سارة بعد اليوم..
قبض على خليل وهو في حالة مزرية أخذ الى الزنزانة وهو مكبل اليدين مخمور لا يدري حتى بنفسه... وكل من رآه في هذه الحالة تألم عليه وهو يذكره ذلك الشاب الوسيم القوي، كيف أن رفقاء السوء أوقعوه في تلك الحفرة بدء بسجارة صغيرة ومن ثم بالقليل والقليل حتى أصبح القليل كثيراً وضاع كل شيء من يديه، أسرته وماله وكل شيء وفي نهاية المطاف بدء يخسر نفسه وروحه... اليوم أم سارة تأمل في العودة الى منزلها وحياتها وزوجها .. ولكنها في ذات الوقت لا تأمن على حياتها أو على حياة ابنتها... مع اصرار أخيها على الطلاق والفراق.. ما الذي يمكن أن تفعله تلك الفتاة التي لا زالت في عز شبابها وقد ضيعه إدمان زوجها كما ضيع شبابه...
كم عود كبريت يمكننا صنعها من شجرة واحدة ولكن يمكن لعود كبريت واحدة أن تحرق غابة بأكملها... عود الكبريت تلك كم هي نافعة لنا ولكن حين نهملها ونغفل عنها تحرق الأخضر مع اليابس... هكذا هم ابناءنا يمكن أن تكون هناك غفلة صغيرة تجعلهم يتوهون في دوامات خطرة.. هذا ما حصل لخليل غفلة صغيرة ضيعته وضيعت عائلته وحين تنبه الأب الى ذلك كان قد فات الأوان لفعل شيء.
استمعنا معاً لقصة اليوم وربما يحدث هذا الأمر ويتكرر كل يوم مع عشرات العوائل التي تذبل أبنائها جراء إدمانهم على تلك السموم وربما تباد عائلة كاملة بسبب ذلك البلاء ... والسؤال الذي يدور في اذهاننا هل أن إدمان المخدرات هو من المحرّمات وما هو حكم الشرع في مثل هذه الحالة؟ يجيبنا على ذلك سماحه الشيخ سعد الله خليل الباحث الإسلامي من لبنان مشكورا.

سماحة الشيخ سعد الله خليل: بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والحمد لله رب العالمين
الادمان على المخدرات طبعاً هو من المحرمات المؤكدة في الاسلام وهو يشترك في ذلك مع كل الاديان وحتى القوانين الوضعية ولايعرف عن اي قانون في العالم كله يبيح الادمان وهذا انما يدل على الامر انه افة على الجميع. الادمان على المخدرات يضر بالصحة البدنية كما انه يضر بالصحة العقلية والنفسية ويضر بالعلاقات الاجتماعية والنظرة الاجتماعية وهذا ما اكدته الوقائع والدراسات والبحوث وكل المعطيات المرصودة في هذا المجال والادمان ايضاً هو نوع من الهروب والبعد عن الاحساس بالمسؤولية بأعتبار ان البعد عن الناس تبتدأ المشلكة عندهم قبل الادمان وماقبل التعاطي لهذه المخدرات والانسان بطبيعة الحال معرض في كل يوم لنوع من انواع المشاكل والضغوط الحياتية وهذا الامر يقتضي منه موقفاً معيناً يواجه به المشكلة او العقبة التي تعترضه بدلاً من ان يهرب ويجب ان يعرف هؤلاء ايضاً انهم في هروبهم هذا انما يورطون انفسهم ويوقعونها في مشاكل اكبر واعظم فهو يصل الى فقدان الثقة بالنفس وبالاخرين ويميل الى الوحدة والتوحد وتنمو فيه العدوانية ويعيش في دوامة من الصراع الداخلي والقلق النفسي ويمكن ان يتطور الى اكثر من ذلك بكثير.
الاسلام عودنا على حل المشكلة قبل وقوعها من خلال الاسس الدنيوية السليمة التي تجعل منا شخصيات متماسكة تعي كل المخاطر المحدقة بها والاسلام ايضاً صحح لنا اليات التفكير وهي تساهم في تشكيل القناعات التي تجعلنا من ذوي الشخصيات المتحدية للواقع مهما كان صعباً واليماً وايضاً اسس الاسلام للقابليات النفسية التي تساعدنا على التفاعل الايجابي حتى مع القضايا السلبية لذلك الاسلام ينظر الى هذا الامر من المخدرات والادمان وغيرها من الامور التي تعتبر نتيجة لواقع فاسد يفرض على المكلفين وعلى المسلمين بشكل عام ان يعالجوه وان يصححوه وان يجعلوا لهذا المجتمع وللافراد في هذا المجتمع البنية الفكرية والثقافية والاجتماعية والعلاقات الثقافية ومما يجعله مؤهلاً لأن يكون قادراً وكادراً وفاعلاً ومتفاعلاً بشكل ايجابي وما الى ذلك فالاسلام يعتبر هذا افة كبرى يجب التخلص منها سيما في هذا الجو المعروف من تداخل العالم ببعضه البعض وهذه الافات الموروثة من الغرب بأعتبار ان مجتمعنا الاسلامي كان في فترة من الفترات خالياً من كل هذه الافات فلذلك الاسلام اليوم اشد محاربة لهذه الافة من ذي قبل لخطورتها على الفرد ولخطورتها على المجتمع ولخطورتها على البنية الاساسية للاسلام السليم.

بعد استماعنا الى سماحه الشيخ سعد الله خليل بشأن رأي الشرع حيال المخدرات، نود أن نعرف هل يمكن في مرحلة من المراحل شفاء مريض الإدمان؟ وهل تكون المرأة أو أي شخص آخر يعيش في جنب المدمن في أمان، وما هي حدود الخطر في العيش مع مدمن المخدرات؟
فى هذا الخصوص حدثنا الأستاذ فيصل ابراهيم أخصائي القياس النفسي من السعودية لنستمع معاً:
الاستاذ فيصل ابراهيم اخصائي القياس النفسي من السعودية : موضوع الادمان موضوع صعب جداً ولايمكن الشفاء المطلق منه ولكن يفقر علماء الادمان بين الشفاء والتعافي، ممكن التعافي من الادمان بمعنى انه يستطيع ضمن حمية معينة كما هو مريض السكر او مريض الضغط ممنوع عنه بعض الاشياء ويعيش متكيفاً متعافياً بدون مشاكل. ممكن لمريض الادمان ان يصل عبر المستشفيات او عبر البرامج العلاجية الى مرحلة التعافي بحيث يستطيع العيش بسلام دون ان يكون متأثراً بالمرض لكن وجود المرض لديه متأكداً يعني بعد مرحلة الادمان يعني في البداية يبدأ بالتعاطي ثم ينتهي اليه التعاطي الى الادمان، اذا وصل المريض الى مرحلة الادمان، الادمان فيه جانبين، جانب نفسي وجانب جسدي، الجانب الجسدي يمكن ان يقلع عن مادة التعاطي ويستمر الالم مع فترة زمنية محددة ثم ينتهي لكن يبقى الشوق للمادة وهو الجانب النفسي، يبقى لديه شوق الى المادة التي يتعاطاها، اذا افترضنا انه يتعاطى الهوروين عبر الابر مثلاً فأنه يظل في هذا الشوق مستمراً حتى لو وصل به الانقطاع الى فترة عشرين سنة ففي كل مرة يرى فيها ابرة يكون مشتاقاً الى التعاطي، في كل مرة يرى متعاطياً او صديق قديم من اصدقاء التعاطي هذا سيدفعه وسيشعل لديه اللهفة للعودة الى التعاطي وهكذا هو مرض الادمان، مرض الادمان هو في الاشتياق الجنوني للمادة، الجانب الجسدي ممكن الشفاء منه لكن الجانب السايكولوجي اوجانب الادمان النفسي ينبغي ان يأخذ هو بتوصيات الاخصائي النفسي من الحمية التي تتضمن الانقطاع التام عن اصدقاء التعاطي، عدم التعرض الى الضغوط التي ممكن ان تدفعه الى التعاطي وعدم التعرض للمثيرات كمثلاً الابرة اذا كان هوروين او مواد الحشيش او اذا كان يشم الروائح المتطايرة يبتعد عن الاصباغ ومحطات البنزين وما الى ذلك لأن كل هذه تعمل كمثيرات تشعل لديه اللهفة للتعاطي من جديد وكما قلت كان معي مريض استمر فترة عشرين سنة انقطاع ثم عاود التعاطي بعد عشرين سنة لأن بعض المواقف تشعل لديه وممكن لمرض الادمان بعد التعافي كما قلت لايوجد شفاء، بعد التعافي والاستمرار فترة طويلة بدون تعاطي يمكن الانتكاسة امر وارد في اي لحظة.
هل ممكن العيش مع مريض الادمان؟ في الغالب نعم ممكن العيش معه وهو انسان حاله حال الاخرين لكن لديه مشكلة وينبغي لذويه ان لايهجروه اذا كان اهله مثلاً اب او ابناءه او زوجته لايمكن ان يهجروه بالمطلق، يحتاج الى مساعدة ويحتاج الى الوقوف بجانبه ويحتاج الى تفهم يعني يحتاجوا الى تثقيف. ما معنى مريض الادمان؟ كيف يأتيه هذا الاشتياق؟ وكيفية التعامل معه؟ حدود الخطر تختلف مع المريض يعني المريض المتعافي الخطر معه موجود، خطر الانتكاسة موجود لكن الخطر مع المدمن طبعاً الخطر مع المدمن كبير لأن مادة التعاطي تدفعه لأرتكاب اي جناية سواء هذه الجناية سرقات او احياناً عنف او احياناً يعني يبحث عن مادة التعاطي والتي تكون مكلفة ولايضرب حساب لأي احد، لأي صديق، لأي احد من الاهل لذلك ممكن ان يتحول مريض التعاطي والمدمن من تاجر وغني وثري الى شخص يجلس على الرصيف لأن كل امواله تذهب في سبيل التعاطي ويتحول ايضاً الى سارق وناهب من اجل ان يوفر المال الذي يحقق له قدرة شراء مادة التعاطي، في سبيل الحصول على هذه المادة يمكن ان يعمل اي شيء، ممكن ان يقتل الصيدلي، ممكن في اي لحظة ان يدخل على الصيدليات ويأخذ منه بالقسر، بالقوة ليأخذ المادة ليتعاطي ويمكن ان يبيع مقتنيات زوجته واذا منع يمكن ان يعنف ويضرب وطبعاً المدمن يكون كتلة من المشاكل القانونية والملاحقات وامام رغبة في التعاطي فيكون مسيراً وراء المادة.
إذا أحبتي المستمعين لتلافي مرض الإدمان والوقوع فيه والذى هو من الأمراض التي لا شفاء منها والخطيره جداً على الفرد والمجتمع، وإذا أخذناه من جانبيه الشرعي والاجتماعي فهو مفسده دينية واجتماعية، والإدمان وتعاطي المخدرات موروث غربي لا شفاء منه ويبقى الشوق للعودة إليه وتعاطيه في أي لحظة وعند النظر الى أي شيء يذكره بتعاطى تلك المادة !!!
عافانا الله..وإياكم منها...
نستودعكم على أمل اللقاء بكم وقصة أخرى من الواقع.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة