البث المباشر

الفيمينية الاجتماعية والراديكالية

الإثنين 11 نوفمبر 2019 - 10:00 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- الفيمينية تحت المجهر: الحلقة 5

مستمعينا الأفاضل في كلّ مكان !
سلام من الله عليكم ورحمة منه وبركات ...
ها نحن ذا نجدّد اللقاء بكم عبر جولة لنا أخري نستعرض فيها المزيد من الانعكاسات والإسقاطات التي تركتها الفيمينيّة أو ما يصطلح عليه بـ حركة تحرير المرأة علي المذاهب والتيّارات الفكريّة والسياسيّة الأخري التي ظهرت خلال القرن العشرين ، وفي محطّتنا لهذا الأسبوع من برنامجكم الفيمينيّة تحت المجهر سنسلّط الضوء علي تلك الآثار والانعكاسات فيما يتعلّق بالتيّارين الاجتماعي والراديكالي ، ندعوكم للمتـابـعة ....
إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
تعدّ الفيمينية الاجتماعيّة من تفرّعات الفيمينية الأخري . وهذا الاتجاه يَعتبر هو أيضاً العلاقةَ بين المرأة والرجل ناجمة عن التركيبة الاجتماعية والاقتصادية ، وتحوّلاً عميقاً أو ثورة اجتماعيّة و تري أن إقرار حقوق متساوية بين المرأة والرجل مرهون بالتمتّع بالتكافؤ الاجتماعي و زوال نظام تقسيم العمل حسب الجنس والطبقـة . ويدّعي أنصار الفيمينيّة الاجتماعية أنّ نظام تقسيم العمل حسب الجنس و تقييد المرأة بدائرة العمل داخل الأسرة وأداء دور الأم ، تمّ ضمن نطاق مصالح الاقتصاد الرأسمالي .
وهم يأخذون بالتحليل الماركسي للعلاقات الطبقيّة داخل النظام الرأسمالي حيث يرون أنّ من الضروري من أجل تغيير الوضع القائم أن يبدأ كفاح متزامن ضدّ نظام سلطة الرجل والرأسماليّة بهدف تحقيق مجتمع تتكافؤ فيه الحريّات وتتحقق المساواة . وبذلك فإنّ جوّ العمل و نطاق الكفاح ليسا محدودين من وجهة نظر الفيمينيّين الاجتماعيين بالمصانع ، بل إن مجموع المجالات العامّة والخاصّة التي تتعرض فيها المرأة للتفرقة ، هي مسرح للنضال . ومن أكبر مشاكل وجهة النظر هذه أنها حوّلت ساحة حياة الرجل والمرأة إلي جو حربي محموم ومواجهة بين الجنسين ، في حين أنّ الرجل والمرأة كليهما يمثّلا كائنين ناقصين من معيار الخَلق ولا يمكن لكل منهما أن يبلغ الكمال إلّا بالتنسيق والتفاهم مع الطرف الآخر .
أحبّتنا المستمعين !
وأمّا الفيمينيّة المتطرّفة أو الراديكاليّة التي تعدّ من أكثر الاتجاهات الفيمينيّة تطرّفاً فقد هوت بهذه الحركة إلي مهاوي الانحطاط أكثر من الاتجاهات الفيمينيّة الأخري . ويري الراديكاليّون أنّ أبشع أنواع الظلم بين مظاهر الظلم الطبقي والقومي والديني والعرقي والجنسي ، يرتبط بالجنس والذي ينبثق من نظام سلطة الأب . وهو النظام الذي يُعتبر أكثر أنظمة الظلم الاجتماعي شموليّة . وهم يرون أنّ الرجل وسلطته بشكل عام العاملُ الرئيس لمعاناة النساء من الظلم .
كما يعتبرون ظلم القوانين قسماً من التركيبة الشاملة لسلطة الرجل التي تبدأ من الأسرة و تتسلّل إلي المؤسسات السياسية . ويري الراديكاليّون أن الرجال كلّهم يتميّزون بالعنف والظلم فيما يتعلّق بعلاقتهم مع النساء ويؤكّدون أنّ جميع الرجال ينتفعون من تفوّق الجنس الذكوري والمصالح الاقتصاديّة والجنسية والنفسية . ومن وجهة نظرهم ، فإنّ تغيير القوانين الاجتماعيّة - السياسيّة لا يجدي نفعاً إلّا في مستوي التسكين والعلاج المؤقّت ويجب القيام بثورة جذرية في هذا المجـــال.
وقد كان أنصار الفيمينيّة الراديكاليّون يقدّمون نظريّات متطرّفة تتناقض بشكل سافر مع تركيبة الأسرة وطبيعة المرأة والرجل . ويري شولاميث فايرستون ( Shoulamith Firestone ) أنّ دور المرأة باعتبارها السبب في إنجاب الطفل يجب أن يزول . وقد كتب في كتاب المناظرة بين الأجناس قائلاً :
معاناة المرأة من الظلم في والمتمثّلة في قابليّتها علي ولادة الطفل ، تمتدّ جذورها في نمط حياتها الظالم في الأساس ؛ ولكنّ تكنولوجيا التوالد قد تجعل المرأة قادرة علي تحرير نفسها من نمط الحياة هذا . وبناء علي ذلك ، فإن تمكّنت المرأة من السيطرة علي هذه التكنلوجيا ، فستستطيع لأوّل مرّة التغلّب علي تعرّضها للظلم .
إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
وبالطبع فقد بلغ الأمر بالفيمينيين المتطرّفين ، حدّاً بحيث نادوا بقتل الرجال وإلغاء دورهم ، وذلك في قالب نظريات أكثر تطرّفاً . وقد أدّت النزعة المتطرّفة المبالغ بها للفيمينيّة الراديكاليّة إلي جانب الكثير من الحالات الأخري مثل : عدم الأخذ بعين الاعتبار الاختلافات الطبيعيّة بين المرأة والرجل ، تجاهل حقوق كلّ النساء ، و تحميل المرأة المسؤوليّات الفادحة وغير ذلك ، إلي أن يواجه هذا التوجّه الفيميني بعض الاعتراضات من داخل المجتمع النسائي نفسه . ولذلك فقد اعترف الكثير من أنصار الفيمينية في الموجة الثالثة بإعادة النظر في بعض وجهات نظرهم فيما يتعلّق بالاختلافات الطبيعية بين المرأة والرجل ، وحبّ المرأة ورغبتها في الأمومة .
وقد أدرك الكثير من الفيمينيين اليوم أنّ الاتجاه المتطرّف للفيمينيّة لايمكن من الناحية العملية أن يسهم في رفع مستوي السلطة السياسية للمرأة في المجتمع ؛ بل إن الارتفاع بمكانة المرأة لا يتيسّر إلّا في ظلّ الاعتراف الرسمي بهويّتها كأنثي ودور المرأة الخاص في تركيبة النظام الاجتماعي ومن خلال التنسيق العادل والكامل مع الدور الذكوري .
وهكذا فإنّ استراتيجيّات الفيمينيّة الراديكالية هي رمز للعنف وعدم التوافق . والنظرة الدونية إلي جنس ما ، سواء كان ذكراً أم أنثي ، يخلق دوماً ثقافة وأنظمة مغلوطة تسلب الإنسانَ الطمأنينةَ النفسية والجسديّة .كما إن النزعة الانفصاليّة للفيمينيين الراديكاليين تحرم المرأة والمجتمع من التمتّع بخصوصيات الرجال الإيجابيّة . وكذا الحال بالنسبة إلي الفيمينيّة الاجتماعيّة التي ابتليت بالتطرّف في الجانب الآخر ، وتجاهلت الفروق والاختلافات الذاتيّة والطبيعيّة بين الرجل والمرأة ، واعتبرت أداء المرأة لدورها الطبيعة الذي خلقها الله له من مثل الأمومة ورعاية الأسرة انتقاصاً من كرامتها ، وتفضيلاً للرجل عليها ، فدعت إلي المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة ، وحرّضت شريحة النساء علي الثورة ضدّ النظم والأطر الطبيعيّة التي أودعها الخالق في ذاتها ، فحوّلت بذلك الحياة المشتركة بينها وبين الرجل إلي صراع محموم ، وجحيم لا يطاق ، بدلاً من التعاون والانسجام من أجل بناء مجتمع سويّ قادر علي النهوض بدوره في الحياة ....
أعزّتنا المستمعين !
نشكر لكم حسن الإصغاء والمتابعة ، وعلي أمل تجديد اللقاء بكم في محطّتنا القادمة من برنامج الفيمينيّة تحت المجهر والتي سنخصّصها لاستعراض نظرة الإسلام إلي المرأة ومقارنتها بالنظرات الأخري التي كانت سائدة قبله وبعده ، نترككم في رعايـة الله وحفظه ، وإلي الملتقي.

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة