البث المباشر

الزلزال ۲

الثلاثاء 8 أكتوبر 2019 - 10:28 بتوقيت طهران

اذاعة طهران – قصص الصالحين : الحلقة : 39

 

خلاصة القسم الأول

وصل مبعوث الرسول صلى الله عليه وآله مكة المكرمة وهو يحمل كتاباً إبن عمه علي بن أبي طالب يدعوه فيه وأسرته للحاق به في يثرب. ويدخل المبعوث أبو واقد الليثي مكة حذراً إحتراساً من العيون التي تبثها قريش وبعد أن يأخذ مجلسه يعلن لعلي رغبته في إتمام الأمر سراً والخروج بالعائلة في جنح الظلام لأن لاتعلم قريش. إلا أن علياً ينتهزها فرصة لتحدي قريش وربما كانت لديه أوامر مباشرة بذلك من الرسول فيدخل على قريش أنديتها وهو يومها لم يتجاوز العشرين من عمره ويهتف أنه خارج بعيال محمد محذراً من تسول له نفسه اللحاق به، أنه سيفري لحمه ويريق دمه.
ويقود قافلته بإتجاه يثرب ويقف أبو واقد والى جانبه أيمن مولى رسول الله صلى الله عليه وآله يسوق الرواحل وعلى ظهورها محامل أربعة من نساء البيت الهاشمي. كان أبو واقد يستحث رواحله على الإسراع خشية ملاحقة قريش إلا أن علياً يدعوه ليتمهل رفقاً بالنسوة. ليس إلا الله فأرفع ظنك يكفيك رب الناس ما اهمته. إنهم مهاجرون الى الله وهو قادر تعالى أن يكفي أولياءه.
ثم ينتقل من الراوي الى أحد أندية قريش ليسمعنا جانباً من الجدل الدائر هناك حول خروج علي بأسرة محمد عدوهم اللدود وتحدي علي الذي أسموه صبي إبن أبي طالب. ويحرض بعضهم بعضاً مذكرين بموقف علي بالأمس ومبيته على فراش محمد محبطاً بذلك الخطة التي وضعوها لإغتيال النبي صلى الله عليه وآله. وينتهي الجدل القرشي بقرار إرسال كتيبة من خيرة فرسانهم لإعتراض قافلة علي وإعادتها راغمة الى مكة، وتتحرك الكتيبة المؤلفة من ثمانية فرسان بينهم مولى لحرب بن أمية كان يعد بعشرة فوارس يقتفون إثر القافلة وما إن يلمحوها تشق قلب الصحراء حتى يسارعوا اليها تدفعهم الأحقاد اللئيمة وبغرور وعنجهية لاحد لهما ينذر علياً أن عليه العودة بالقافلة وإلا سيعود بأكثره شعراً. غير أن علياً يرد عليهم بسخرية لاذعة ويبدأ الإشتباك بضربة مباغتة من فارس قريش الأسود رباح لعلي إلا أن علياً الشاب خاض تجربته القتالية الأولى بفطنة عجيبة بل معجزة فراغ عن ضربة غريمه بسرعة مذهلة ثم إعتلاه بضربة قاصمة قبل أن يستعيد توازنه جعلت منه في لمحة بصر شلوين متناثرين. وكان مثل هذا الموقف حرياً لأن يزرع الرعب في قلب فرسان قريش ويبث التخاذل بين صفوفهم وبالتالي يحول مجرى المعركة تماماً. ويتنادى الفرسان القرشيون وقد شلهم الرعب: إحبس نفسك عنا يابن أبي طالب!!
ضربة علوية واحدة حسمت المعركة وفتحت الطريق من جديد في وجه القافلة لمواصلة مسيرها. ويشكل هذا الحدث الكبير لدى بلوغ القافلة المدينة المنورة إندفاعة معنوية كبيرة للمسلمين بعد أن يروا فيه أول انتصار للإسلام على عدوان قريش السافر واول رد منهم على إذلالها وإضطهادها لهم.

القسم الثاني


تسامع الناس بعودة كتيبة الفرسان التي أرسلت لإعتراض القافلة فهرعوا من كل مكان تدفعهم الرغبة لمعرفة ما حدث، وبعد وقت قصير كان هناك حشد كبير يقف بالإنتظار وعيونه مشدودة للطريق، ومن بعيد ترائى أشبه بالقافلة الصغيرة مقبلة إلا أنه لم يكن بالإمكان تمييزه بدقة. وظل الحشد المكي ذاك يرفع قدماً ويضع اخرى وهو يتململ في مكانه. إقتربت القافلة شيئاً فشيئاً وتسمرت العيون أكثر فأكثر لهذه النقاط السوداء المتحركة، بعد لحظات قليلة سمع من يقول: ما هذا؟
ونادى صبي بأعلى صوته: أراني أفتقد أحد الفرسان!!
مع صيحات الإستفسار التي إنطلقت من هنا وهناك عاد الصبي ليرى أحد الجياد يقوده فارس آخر!
بدت التساؤلات الممزوجة بالإستغراب تتردد على الأفواه لتتحول الى نبرة جهيمة وأخذ ورد. فجأة زعق أحد الرجال: صه!!
كان موكب الفرسان يتقدم ويتقدم وهم مطرقوا الرؤوس وعلى وجوههم إرتسمت ملامح الخيبة والمرارة والهزيمة واضحة. من مقدمة الحشد تقدم رجل تحفه مظاهر الزهو والخيلاء، قال: ما هذا؟؟ أين رباح؟
لم يجبه أحد!
عاد يتسائل بحدة وغضب: أقول أين رباح؟؟
رفع احد الفرسان رأسه ونظر اليه بإستخفاء وأجال بصره في الجمع المحتشد ثم إسترد وتمتم: لقد قتل!
صرخ الرجل: تقول إنه قتل؟
ثار الفارس وزعق هو الآخر: أجل لقد قتل!
ولكن كيف؟ كيف قتل؟ ومن الذي قتله؟
قتل، قتل وكفى!!
ماذا؟ ألا يهمك أنه قتل؟
وماذا تراني فاعلاً؟ أتريدني أفدي مولاك بنفسي؟
أجل كان عبداً حقاً، ولكنك تعلم فارس ليس كالفرسان، إنه يعد بعشرة!! بل بعشرين فارس!!
إشتد غضب الفارس وصرخ: ليعد بألف فارس، إنه قتل قتل!!
تقدم الفارس أكثر وهو ينظر في عيون الفرسان وقال بهدوء هذه المرة: لاأدري ألا يهمكم قتل فارس من فرسان قريش المعدودين؟
خرج احد الفرسان عن حالة الصمت وقال: الحق معك يا أبا سفيان ولكن ألا يهمك أمرنا؟ ألا يهمك أننا عدنا بخير؟
حدق به أبو سفيان قليلاً ثم اطلق ضحكة هستيرية ثم نظر الى الجمع المحتشد وقال: باركوا لفرسانكم الأشاوس فلاأظن إلا أن صبي أبو طالب قد تكرم عليهم بالحياة بعد أن أذاقهم ذل الهزيمة والهوان!!
غلت الدماء في عروق الفرسان وتوقدت عيونهم بالشرر ثم حرك احدهم جواده بإتجاه أبي سفيان إلا أن شيخاً من القوم ووجوههم تقدم من بين الصفوف وإقتاد أبا سفيان بعيداً مخمداً بذلك ثورة كادت أن تنفجر!
لم تمض إلا سحابة تلك الليلة حتى كان هذا الحدث حديث مكة ومجالسها إلا أن الحديث الذاتي، هذا الحوار الذي بدأ يثور داخل النفوس كان أشد اهمية وخطورة فقد كسر حالة الجمود الذهني لدى الكثير وبدأوا يتسائلون: ترى هل من المعقول أن شجاعة إبن أبي طالب هذا الشاب الغض العود الذي لم يخض الحروب ولم تحنكه تجارب المعارك هي السبب فيما حصل؟ أم أن في الأمر سراً ما؟
وخشية من إنكشاف الحقيقة أمام عيونهم التي غشيها الظلام حتى عادت تخاف أن يبهرها الضوء لم يستطيعوا الذهاب أبعد من ذلك ومغالبة تفكيرهم الذي تجمد على التقليد والمحاكاة. أجل حاولوا النأي به بعيداً عندما وجدوه يحوم حول الحقيقة متسائلاً: أيكون ربه قد نصره؟ أتراه على الدين الحق؟ وإمعاناً في الحروب حاولوا إيصاد هذا الباب لتبقى هذه القضية حبيسة تقيدها دائرة الغموض والإبهام وتحتجزها جدران الجهل والظلام، ولكنها محاولة عقيمة فقد كانت دائرة التساؤل تتسع وحلقات الشك تتداخل والهزات النفسية متوالية تعصف بالعقل والوجدان. كانت مكة تودع يوماً عادياً فالمنازل قائمة والأسواق متخمة بالبضاعة والزبائن والأندية مزدحمة بروادها. أجل كل شيء في مكانه إلا شيئاً واحداً بدا هاوياً متهالكاً خرباً كأن زلزالاً مدمراً قد هده وضعضعه فلن يبقى منه إلا هيكلاً صورياً، بدناً خاوياً من الحياة يتنقل بين الأحياء أما روحه فقد مالت للغروب مع شمس ذلك اليوم.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة