البث المباشر

الشيخ جعفر المجتهدي (رحمه الله)

الأربعاء 30 يونيو 2021 - 16:19 بتوقيت طهران
الشيخ جعفر المجتهدي (رحمه الله)

إن حياة وسلوك العارف بالله جناب الشيخ جعفر المجتهدي تتمايز ولا ريب بشرة ‏اهتمامه بأصل التوسل الى الله عز وجل بالمعصومين عليهم السلام.

وعلى مدى ‏مراحل عمره العجيبة كان يدعو الى خطاب اصولي واصيل، وهذا الخطاب هو ‏الحب الخالص والمودة لاهل بيت العصمة عليهم السلام والتوسل بذواتهم المقدسة ‏في كل الاحوال والحالات. ولا نبالغ اذا ما قلنا ان كل عمل هذا العارف الجليل هو ‏دعوة ‌الآخرين للتأسي بسيرة الائمة الهداة الطاهرين سلام الله عليهم اجمعين.‏
ولو اردنا المتحدث عن كرامات هذا العارف الجليل لرأينا ان ما يلفت النظر فيها هو ‏ان السالك الصدوق الى الله ان يتعالى في هذا الطريق، الى مرحلة تصبح كرامات ‏مثل طي الارض ومئات من الكرامات الأخرى، عادية الصدور عنه. على ان ‏الملاك الاساس في المدرسة العرفانية لهذا العارف هو مدى خلوص النية وصدق ‏المودة والتوسل باهل البيت عليهم السلام وما ينقل هنا عن هذا العارف من كرامات ‏انما هو غيض من فيض من تعلقه باهداب حب اهل بيت الرساله عليهم السلام.‏
ونرى من الضرورة هنا ان نذكر نقاطاً في غاية الاهمية حول اسلوب هذا العارف ‏في بناء الذات وسلوكه ومسيره الى الله.‏
عن سير وسلوك العارف المجتهدي تحدث الاستاذ محمد علي مجاهدي وهو من ‏خلص تلاميذه ومريديه، حيث يقول:‏
ان الاسلوب السلوكي للعارف المجتهدي في استمرار التوسل بحضرات ‏المعصومين (عليهم السلام) لاسيما مولى الكونين ابي عبدالله الحسين عليه ‏السلام وقد تجلى بشكل عملي بالكامل هذا العمل في سيرته. ‏
واذا ما ذكر عند هذا العارف في اليوم الواحد الاسم المبارك للسيد الشهداء عليه ‏السلام مائة مرة فأنه وفي كل مرة‌ يسمع الاسم الشريف يسيل دمعه وينهمر ‏انهمار المطر، وتخنقه عبرته حتى تحول دون اتمامه لكلامه.‏
ويعجز البيان والوصف عن بيان محبة هذا العارف للأئمة الطاهرين (‏صلوات الله عليهم اجمعين) هذه المحبة تجذرت في نفسه الشريفة حتى انه ‏كان يقول ببركة حب هذه الذوات المقدسة يمكن في زمن قصير طي سبيل ‏نحتاج الى طيه عدداً من السنين، وببركة حبهم (عليهم السلام) نزيل ‏الحجب.‏
ويرى‌ المرحوم حجة الاسلام نصيري ان مقدار الحب الذي سكن قلب العارف ‏المجتهدي لآل الله لو قسم بين الناس لوسعهم ولأصبحواً جميعاً عاشقين ولهانين ‏لتلك الذوات المقدسة.‏
وكثيراً ما كان العارف المجتهدي يؤكد على ان الخدمة‌ الخاصة لخلق الله لا ‏سيما الشيعة واحباء آل الله عليهم السلام تقرب من طريق النور وغاية ‏المقصود ولو حصل لآحد توفيق هذه الخدمة ‌لقطع طريق العديد من ‏السنوات بخطرة ثم ان القلب الكسير الذي انكسر منجبراً في محبة الله انما ‏هو سند قويم لحياة الانسان الدنيوية والبرزخية والآخروية.‏
ولم يكن جنابه من اهل السلاسل الصوفية فمن يذوبون في عشق الله لاحاجة ‏لهم بتلك السلاسل ولا حاجة لهم بالتكايا الصوفية‌.‏
واخلاق وادب العارف المجتهدي حديث العام والخاص، لا سيما انه كان يكن ‏احتراماً بالغاً لذراري آل الرسول والائمة الطاهرين وقبل ان يصاب هذا ‏العارف بالسكتة الدماغية كان يقوم بكامل كيانه امام السادات وقلما كان يرى ‏جالساً عندهم واذا ما اراد ضيوفه من السادات الخروج من عنده ودعهم الى ‏باب الدار مشايعاً ومسلماً.‏
كان العارف المجتهدي يكن احتراماً وتبجيلاً كبيرين لزوار ثامن الحجج ‏الامام علي بن موسى الرضا وكريمة اهل البيت السيدة فاطمة‌ المعصومة ‏سلام الله عليهما وزوار مسجد جمكران، لا سيما الزوار الذين يتوفقون بعد ‏تعب مضين لمد وشائج العلاقة والارتباط المعنوي مع هذه الذوات المقدسة ‏حيث انهم يواجهون ضيافة روحانية من لدن هذا الرجل الكبير.‏
وكذلك كان دأبه مع زوار العتبات المقدسة الآخرى يوم كان قد اناخ مطيته ‏ببابهم عليهم السلام سالكاً عارفاً محباً عاشقاً ولهاناً متوسلاً.‏
كان العارف المجتهدي يقول ان كل سالك يحتاج الى رفيق دربه كي يطويا ‏طريقاً الى الله معاً لانها طريق مشتركة.‏
وبالاضافة الى القرآن الكريم ونهج البلاغة والصحيفة السجادية للآمام زين ‏العابدين عليه السلام وسائر الادعية المأثورة عن الائمة الهداة عليهم السلام ‏كان العارف المجتهدي يوصي مريده بمطالعة قصائد الشاعر الآيراني ذائع ‏الصيت حافظ الشيرازي وهي اشعار عرفانية ووحدة الكرمانشاهي ومراثي ‏عمان الساماني والنير التبريزي وهي مراثي عاشورائية واثناء توسلاته هو ‏ما كان ليغفل عن اشعار اولئك الفطاحل.‏
لم يكن للغيبة والاتهام مكان في مجالس هذا العارف السالك وما كان ليسمح ‏لآحد بالكلام الفارغ عديم الجدوى فكيف بما يقال من غيبة‌ وبهتان، كان ‏محضره مفعماً بالنور والمعنويات ومن كان يجالس هذا العارف كان يشعر ‏براحة النفس لا بل انه قد ينسى نفسه ويغيب عنه مرور الوقت وتعدي ‏الزمن.‏
ما كان هذا العارف ليعطي امراً الى احد واذا ما اقتضت الضرورة ‏مثل ذلك، صاغ كلامه صياغة غير آمرة.‏
من النادر ان كان العارف المجتهدي يمدح احداً او يكذبه الا اذا رأى ‏في الباطن ضرورة لهذا الامر، وما كان تكذيبه لاحد ليأتي من باب الاهانة -‏لا قدر الله- فاذا ما اراد ان ينتقد صفة سيئة او عمل غير مرغوب لمدعي ‏السلوك والارشاد فانه ما كان يكرر الاسم في جواب السائل وكان يعالج ‏الموضوع المثار بضرب مثل من الامثال، واذا ما مدح شخصاً اخذ بنظر ‏الاعتبار حالته التي يراها هو ولايدخل في مدحه ما في الشخصي ومستقبله، ‏بل كان يبوي رآيه في جملة مقتضبة.‏
وانا شخصياً وعلى مدى معرفتي الطويلة بالعارف المجتهدي لم اره حتى ‏مرة واحدة اخذ من احد ديناراً من مال او انه كان يتوقع معونة مالية او مادية ‏على العكس ما كان يتوقع هكذا معونة، انه كان يمد يد العون والمساعدة المالية ‏للآخرين ما استطاع الى ذلك سبيلاً.‏
‏ اذا ما لمس العارف المجتهدي من احد اصدقائه استعداداً لسماع سر ورأى ‏نفسه في الباطن مضطراً لعرضه، فانه كان يتحدث لذلك الصديق عن ‏تجاربه السلوكية.‏
لكن هذا لا يعني ان كل من حل في محضره الشريف يشمله هذا اللطف، ‏اصدقاء العارف المجتهدي الذين يستودعون اسراره لا يتجاوز عددهم عدد ‏اصابع اليد.‏
ولعدة مرات اكد العارف المجتهدي على ان مجرد الحضور عند السالكين ‏والآتقياء لا يعني الوصول الى‌ الكمال عند اولئك الحاضرين، انه علامة ‏على توفيق آلهي ليعود الآنسان الى رشده وهو يشاهد اولياء الله الصالحين ‏ويحث خطاه في درب بناء ‌الذات وتزكية‌ النفس.

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة