البث المباشر

علي(ع) في سورة (والعصر)

السبت 28 سبتمبر 2019 - 11:18 بتوقيت طهران

اذاعة طهران - برنامج : علي(ع) في القرآن- الحلقة : 48

 

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله على طول المدى، وأشرف الصلاة والسلام على نبيّ الهدى، وعلى آله أعلام التقى وكهف الورى. والسلام عليكم إخوتنا الكرام ورحمة الله وبركاته، حيّاكم الله ورعاكم، وأهلاً ومرحباً بكم في اللقاء المتجدّد معكم، وسورةٍ مشهورة في كتاب الله جلّ وعلا، قلّما انصبت العناية في التفكّر فيها ومعرفة مدالىلها، تلك هي سورة العصر المباركة، قوله عزّ من قائل: بسم الله الرحمن الرحيم: "وَالْعَصْرِ{۱} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ{۲} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ{۳}"، قال السيّد الطباطبائي في كتابه (الميزان): تلخّص السورة جميع المعارف القرآنية، وتجمع شتات مقاصد القرآن في أوجز بيان، قسمٌ بالعصر، أن يشمل العالم الإنسانيّ خسران، يستثنى منه من اتبّع الحقّ وصبر عليه، وهم المؤمنون عقيدةً، الصالحون عملاً، فأولئك آمنون من الخسر. هذا هو المعنى العامّ للسورة أيهّا الإخوة الأفاضل، بيّنها الإمام الصادق عليه السلام في الرواية التي أوردها فرات الكوفيّ، قال عليه السلام في قوله تعالى: "إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ" استثنى الله صفوته من خلقه حيث قال: "إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ{۲} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ" أدّوا الفرائض، (وتواصوا بالحق) الولاية، وأوصى ذراريهم ومن خلفوا بالولاية وبالصبر عليها. والآن، ربّ سائل، أو متسائل، يقول: أين يكون عليٌّ عليه السلام في هذه السورة الشريفة وآياتها؟! الجواب، بعد هذه الوقفة القصيرة.
في رواية أوردها الحافظ أبو نعيم الأصفهانيّ في كتابه (ما نزل من القرآن في عليّ) أوصل سندها الى الضحّاك لينقل عن ابن عبّاس أنه قال في ظلّ قوله تعالى: " إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ"، يعني أبا جهلٍ لعنه الله، "إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ"، قال ابن عباس: هو عليّ. أورده الحافظ الحسكانيّ الحنفيّ في مؤلّفه (شواهد التنزيل) في ظلّ السورة المباركة، وبسندٍ آخر عن اُبيّ بن كعب قال: قرأت على النبيّ صلّى الله عليه وآله (أي تعلّمتُ وفهمتُ منه): "إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ" أبو جهل ابن هشام، "إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ" عليّ بن أبي طالب. وبإسناد آخر أنّ ابن عبّاس قال: جمع الله هذه الخصال كلّها في عليّ، وهي قوله تعالى: "إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ"، وكان عليٌ، والحديث ما يزال لابن عبّاس أوّل من صلّى وعبد الله من أهل الأرض مع رسول الله صلى الله عليه وآله. وبسندٍ آخر في بيانه للسورة الشريفة روى الحسكانيّ عن هشام الرّفاعيّ قال: حدّثني عمّي عليُّ بن رفاعة عن أبيه أنّه قال: حججت فوافيت عليّ بن عبد الله بن عبّاس بالمدينة وهو يخطب على منبر رسول الله، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم: "وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ" قال: هو أبو جهل بن هشام. "إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ" قال: عليّ بن أبيطالب. رواه الثعلبيُّ أيضاً في تفسيره (الكشف والبيان) وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله في قول الله عزّ وجلّ: (إنّ الإنسان لفي خسر) (هو أبو جهل بن هشام)، "إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ" قال: عليٌ وشيعته. ويروي ابن شهرآشوب في كتابه (مناقب آل أبي طالب) عن ابن عبّاس أنه قال في ظلّ قول الله جلّ وعلا: "وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ"هو عليُّ بن أبي طالب. وفي رواية (الدرّ المنثور) كتب الحافظ السيوطيُّ الشافعيّ أنّ ابن عبّاس ذكر علياً عليه السلام في ظلّ قوله تعالى: "إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ"، فيما أخرج المير محمّد صالح الترمذيُّ الكشفيّ وهو حنبليُّ المذهب، في كتابه (المناقب المرتضويّة) المطبوع في الهند سنة ۱۲٦۹ هجريّة، قال: عن ابن عبّاس في قوله تعالى: "وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ"، قال: نزلت في شأن أمير المؤمنين عليٍّ كرّم الله وجهه. ونقل القبيسيّ في كتابه (ماذا في التاريخ؟!) قائلاً: روى الحافظ أبو جعفر محمّد بن جرير الطبريّ صاحب التاريخ المعروف باسمه وهو (تاريخ الأمم والملوك)، وصاحب التفسير المشهور (جامع البيان في تفسير القرآن)، أخرج بإسناده في طريق حديث الغدير عن زيد بن أرقم أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: (في عليٍّ نزلت سورة والعصر). وممّن نقل ذلك وأمثاله في تفسير السورة الشريفة عالم الشافعية الشيخ عبد الرحمان الصّفدريّ، وذلك في كتابه (نزهة المجالس) المطبوع في مصر عام ۱۳۲۰ هجريّ. والآن، ماذا ينبغي أيّها الإخوة الأحبّة، أن نقول؟!.
حصيلة ما مرّ علينا هي إشارات، الأولى، هي أنّ الآية بدأت بقسمٍ إلهيٍّ بالعصر، فينبغي أن ينتظر بعد قسمٍ صادرٍ عن الله الملك الجبّار العظيم، أمرٌ كذلك عظيم. لا كما يتصوّر البعض أنّ الآيات الواردة بعد كلمة "وَالْعَصْرِ"هي تقريراتٌ بديهيّة مفادها أنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحقّ وتواصوا بالصبر، هم أصحاب النجاة والأمان، وغيرهم هم أصحاب الهلاك والخسران. والإشارة الثانية، هي أنّ الآيات الكريمة في سورة العصر عرضت نموذجين: الأوّل، هو الذي لا يستحقّ الإمامة، لأنه رمزٌ للجهل ومؤداه الى الخسر، فأولى به أن يتبرّأ منه من أن يقتدى به. والنموذج الثاني، هو المثال الأمثل في الإيمان الصادق الراسخ، والعمل الصالح الناصح، والتواصي بأمرين هما أشدُّ الأمور ضرورةًَ وأهميّةً، وهما الحقّ والصبر، ومثل هذا النموذج هو أولى به أن يوالى ويتابع ويقتدى به، من أن يترك فضلاً عن أن يدفع عن مقامه ويزال عن منزلته، أو يحارب حتّيى يقتل أو يمهّد لقتله. والإشارة الثالثة، هي بما أنّ آية الذمّ فسّرت بأبي جهل "إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ" فهو مجمع الرذائل، وقد يكون رمزاً لها متمثلاً فيه وفي أمثاله. كذا بما أنّ آية المدح الإلهيّ "إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ" فُسّرت بأمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام على نحو التواتر، فهو سلام الله عليه مجمع الفضائل، ورمزها متمثّلةً أصالةً فيه وفي أبنائه الأئمة الهداة أوصياء رسول الله صلّى الله عليه وآله، فهم مستثنون من كلّ خسر، بل بشرفهم وإمامتهم المباركة، وبولايتهم الميمونة ينجو شيعتهم ومواليهم ومحبّوهم من الخسر ان شاء الله تعالى، فيكونون من الفائزين والناجين، والحمد لله ربّ العالمين.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة