البث المباشر

رقية بنت الحسين عليها السلام

الأربعاء 18 سبتمبر 2019 - 12:12 بتوقيت طهران

السلام عليكم أيها الإخوة والأخوات ورحمة الله. تحية من الله مباركة طيبة نحييكم بها أيها الأطائب ونحن نلتقيكم في الحلقة الثامنة عشر من هذا البرنامج.
وحديثنا فيها عن شهيدة من شهداء السبي المحمدي شاء الله عزوجل أن يخلد مشهدها المقدس ليكون أوضح شاهد وجداني على ملاحم العيالات الحسينية اللواتي شاء الله أن يراهن سبايا لتصبح مشاهدهن من أهم منارات القيام الحسيني المقدس.
وهي شهيدة ساهمت بشهادتها المفجعة في إبطال خطة الطاغية يزيد للإجهاز على الإمام الأسير علي السجاد وسائر بقية البيت النبوي – عليهم السلام – وقتلهم في الشام.
إنها مولاتنا الشهيدة الفاطمية رقية بنت الحسين – عليهما السلام –
أيها الإخوة والأخوات، تعد السيدة رقية – عليها السلام – من شهداء السبي الذين اهتم العلماء بالكتابة عن قصة إستشهادها في كتب مستقلة بلغت حدود الستين كتاباً كما أحصى ذلك العلامة المتتبع والمؤرخ الجليل الشيخ عبدالحسين النيشابوري في الفصل السادس من كتابه المستقل عنها والمطبوع بالفارسية تحت عنوان (ريحانة كربلاء).
وعلى الرغم من شدة تكتم مؤرخي السلطة على وقائع سبي العيالات النبوية بعد فاجعة عاشوراء فقد وردت قصة إستشهاد هذه البضعة النبوية الأسيرة في عدة من المصادر المعتبرة، ككتاب (الحاوية) لأحد علماء أهل السنة في القرن الهجري الخامس هو القاسم بن محمد المأموني المتوفى سنة (٤٤۸) للهجرة.
وكتابه من الكتب المرجعية التي اعتمدها العلامة الحلي ونقل عنها كتابه الشهير (نهج الحق وكشف الصدق) في الفصل الخاص بانتهاك معاوية ثم يزيد وبني أمية للقيم المحمدية؛ ويبدو أن المؤرخ المأموني قد ذكر قصة إستشهاد هذه الطفلة السبية ضمن حديثه عن مطاعن يزيد وجرائمه بحق الإسلام؛ ومن أبشعها قتل هذه البضعة الفاطمية المظلومية.
ومآساة إستشهادها قد نقلها من كتاب الحاوية المؤرخ الخبير والفقيه الكلامي عماد الدين الحسن بن علي الطبري من أعلام القرن الهجري السابع في تأريخه القيم الموسوم بالكامل البهائي.
كما رواها بتفصيلات أكثر الفقيه الجليل المجمع على سمو منزلته الشيخ فخرالدين الطريحي النجفي من أعلام مدرسة الثقلين في القرن الهجري العاشر وصاحب موسوعة (مجمع البحرين) التي تعد من أهم موسوعات بيان مفردات القرآن الكريم والسنة النبوية، فقد أورد القصة في كتابه (المنتخب) وأورد قصيدة العبد الصالح سيف بن عميرة من خيار أصحاب الإمامين الباقر والصادق – عليهما السلام – وأحد رواة زيارة عاشوراء المباركة.
وفي هذه القصيدة يذكر سيف بن عميرة إسم السيدة (رقية) مرتين حيث قال في بعض أبياتها:

جل المصاب بما أصبنا فأعذرني

يا هذه وعن الملامة فأقصري

وسكينة عنها السكينة فارقت

لما ابتديت بفرقة وتغير

ورقية رق الحسود لضعفها

وغدا ليعذرها الذي لم يعذر

ولأم كلثوم يجد جديدها

لثم عقيب دموعها لم يكرر

لم أنسها وسكينة ورقية

يبكينه بتحسر وتزفر

يدعون أمهم البتولة فاطماً

دعوى الحزين الواله المتحير

يا أمنا هذا الحسين مجدلاً

ملقى عفيراً مثل بدر مزهر

في تربها متعفراً زمضمخاً

جثمانه بنجيع دم أحمر


مستمعينا الأفاضل، كما روى قصة إستشهاد مولاتنا رقية – صلوات الله عليه – المولى حسين الكاشفي السبزواري وهو من أعلام القرن الهجري العاشر في كتابه الشهير (روضة الشهداء) والعالم الجليل المولى رضي القزويني من أعلام القرن الهجري الثاني عشر في كتابه (تظلم الزهراء)، وحقق الرواية العلامة الفقيه المولى محمد صالح البرغاني إثر عودته من رحلة الحج الى الشام وزار مرقدها المقدس، ولما تحقق من الرواية وذكر السيدة رقية في كتبه الخمسة عن القيام الحسيني المقدس، إهتم بتجديد عمارة مرقدها المقدس وكان ذلك في أواسط القرن الهجري الثالث عشر.
وتصدى علماء آخرون كثيرون الى نقل هذه الرواية المفجعة في كتب المقاتل وذكروا الكرامات التي أظهرها الله في مرقد هذه الشهيدة المظلومة وخاصة كرامة إظهار جسدها المقدس سالماً بعد ما يربو على الألف سنة على يد السيد إبراهيم الدمشقي جد أسرة آل المرتضى الموسوية المشهورة في الشام، وظهور هذه الكرامة سجلها عدة من العلماء الثقاة منهم المؤرخ التقي الشيخ محمد هاشم الخراساني في كتابه (منتخب التواريخ).
كما سجل هذه الكرامة عدة من علماء أهل السنة كالشيخ مؤمن بن حسن الشبلنجي المصري في كتابه المشهور (نور الأبصار)، وقد صرحت هذه المصادر وغيرها بصغر سن صاحبة هذا الجسد المقدس وظهور آثار السياط عليه.
وملخص قصة إستشهاد هذه العلوية الشهيدة كما إستجمعها العلماء من مصادرها هي أنها – سلام الله عليها – قد أنزلت مع العيالات النبوية في خرابة الشام بعد مشاق رحلة السبي وجراحاتها المفجعة وما نزل بهم – عليهم السلام – من قسيات المحن والدواهي في الشام؛ وهي لم يتجاوز عمرها الأربع سنين.
كانت – سلام الله عليها – شديدة التعلق بأبيها الحسين تحبه ويحبها، فأضناها فراقه وأدمتها جراحات الهجوم على المخيم بعد مصرعه – عليه السلام – ثم جراحات السياط الباغية والحمل على الأقتاب الموجعة بلا غطاء ووطاء، ثم جراحات ما جرى في مجلس الطاغية يزيد.
وفي ليلة الثالث أو الخامس من شهر صفر سنة إحدى وستين للهجرة، رأت أباها في منامه فانتبهت وقد استولى عليها جزع شديد وشوق عارم للقائه – عليه السلام – فأخذت تطلبه بشجي العبارات فتجدد أحزان الأرامل واليتامى المحمديين وارتفعت أصواتهم بالبكاء حتى سمعها الطاغية يزيد وهو في قصر المجاور لتلك الخرابة وكانت بيتاً لعجوز رفضت أن تبيعه لمعاوية عندما بنى قصره المشؤوم في الشام.
ولما سمع الطاغية أصوات البكاء سأل عن الأمر فأخبروه بطلب طفلة الحسين أباها – عليه السلام – فأمر بحمل رأسه المقدس إليها وهو مخضب بالدماء وعليه مايصعب على كل إنسان رؤيته من عميق الجراحات، فحمل إليها على طبق مغطى بغطاء ديبقي، فلما كشف الغطاء ورأته، إحتضنت الطفلة وخاطبت أباها بعبارات شجية إزداد معها البكاء والعويل، ثم وضعت فمها الشريف على فمه المقدس وفارقت روحها جسدها المثخن بجراحات السبي.
قال المؤرخون: أثارت تلك الضجة كثيراً من التساؤلات لدى أهل الشام وعندما إنتشر بينهم في صباح اليوم التالي خبر وفاة هذه البضعة المحمدية وبهذه الصورة المفجعة تجمع الناس عند الخرابة فلم ير في الشام باك أو باكية أكثر من ذلك اليوم
ما هي الدلالات المستفادة من واقعة إستشهاد السيدة رقية – عليها صلوات الله وسلامه -؟ وهل في المصادر التأريخية ما يبين تلكم الدلالات؟ نستمع للإجابة من أخينا الحاج عباس باقري في الدقائق التالية:
باقري: بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم مستمعينا الأحبة ورحمة الله وبركاته. 
أنطلق بالإجابة عن السؤال المتقدم من عدة روايات وأحاديث شريفة رويت عن الامام الصادق سلام الله عليه والامام زين العابدين سلام الله عليه فيما يرتبط بسجن السبايا عليهم السلام في دمشق وإنزالهم في خرابة ووضع حراس لهم لايعرفون العربية، حراس اجانب إشارة الى أن السلطة الحاكمة، يزيد عليه اللعنة كان لايريد أن يتأثر الحراس ولايعرفوا من هؤلاء الذين يقومون بحراستهم. هذه الأحاديث رويت في عدة من المصادر المعتبرة كبصائر الدرجات، الخرائج لقطب الدين الراوندي وهي من المصادر المعتبرة وأسانيدها ايضاً معتبرة، هذه الروايات تصرح بأن الحراس أخبروا الامام السجاد سلام الله عليه وهو ايضاً أخبرهم بأن هنالك قرار بأن يخرج السبايا ويقتلون صبراً واحداً بعد واحد، يخافون أن يقع عليهم البيت يعني هذه الخرابة وإنما يخرجون غداً يعني في فترة قريبة ويقتلون. طبعاً الامام السجاد سلام الله عليه صرح بأن هذا لايكون وقال عليه السلام "مكثنا يومين ثم دعانا الطاغية يعني يزيد وأطلق سراحنا". اذن واضح من هذه الأحاديث الشريفة أن الطاغية الأموي كان قد إتخذ قراراً بإبادة جميع السبايا سلام الله عليهم لكي لايبقي لأهل هذا البيت باقية، هذا الأمر أرادوه من أصل واقعة كربلاء، كانوا يريدون أن لايبقوا لأهل بيت النبي الأكرم صلى الله عليه وآله باقية لامن النساء ولا من الرجال ولا من الأطفال ولا حتى من الأجنة، قتلوا الأجنة في الأرحام كما تعرضنا الى ذلك في عدة من حلقات البرنامج ضمن الحديث عن الأسقاط من شهداء السبي. هذه الأحاديث تبين بأن هنالك حدث معين إضطر الطاغية الأموي يزيد عليه لعائن الله لتغيير هذا القرار وإطلاق سراحهم "فمكثنا يومين" حسب تصريح الامام زين العابدين روحي فداه ثم دعانا وأطلق عنا. شهادة السيدة رقية سلام الله عليها كانت أحد العوامل المهمة التي أدت الى إحداث هذا التغيير في القرار الأموي، لاحظتم في روايات شهادتها أنه لم تشهد دمشق باكي ولا باكية يقدر ما شاهدته يوم إستشهاد هذه السيدة الجليلة، هذه الطفلة بإعتبار أن شهادتها كانت واضحة العلائم في مظلوميتها سلام الله عليها. تضاف هذه القضية الى قضية خطب السيدة زينب سلام الله عليها، خطب السجاد سلام الله عليه، كلها فضحت الحكم الأموي، شعر الحكم بالخوف من ردود الأفعال على إتضاح هذه الفضيحة وما فعلوه بالذرية المحمدية عليهم جميعاً صلوات الله لذلك قيل بأن شهادة السيدة رقية وأن السيدة رقية كانت القربان الإلهي الذي أنقذ بقية النبوة، بقية اهل البيت سلام الله عليهم من قرار الإبادة الذي إتخذه أعداء الله من طواغيت بني امية عليهم لعائن الله. 
نشكر أخانا الحاج عباس باقري على هذه التوضيحات، ونتابع البرنامج بنقل كلمة معبر لأحد مراجع التقليد المعاصرين تبين أحد أسرار تخليد الله عزوجل لمرقد هذه الشهيدة المظلومة من شهداء السبي – عليهم السلام –.
إنه المرجع التقي آية الله الشيخ جواد التبريزي – رضوان الله عليه – ففي سنة ۱٤۲٤ للهجرة وكما جاء في كتاب (ريحانة كربلاء) وغيره أصيب بمرض وضمن رحلته للعلاج زار مرقد السيدة رقية سلام الله عليها في دمشق وألقى فيه كلمة عن مقامها، وبعد عرض أدلة إثبات نسبة المرقد إليها بدليل الشهرة قال – قدس سره -:
(وهكذا مقام ومزار السيدة رقية بنت الحسين – عليها السلام – إذ كان مشهوراً.. وكأن الحسين – صلوات الله عليه – قد ترك منه في الشام علامة لكي لا يأتي غداً من ينكر أسر الذرية الطاهرة وما جرى عليها، وهذه الطفلة الصغيرة هي أكبر شاهد على أن أطفالاً صغاراً أيضاً كانوا في القيد الأسر، ونحن متمسكون بالشهرة على دفن رقية بنت الحسين – عليهما السلام – في هذا المكان وأنها توفيت هنا فأتينا لزيارتها وينبغي إحترامها وإجلالها).
وقال – رضوان الله عليه – أيضاً: (لا تقولوا: إنها لم تبلغ الحلم وصغيرة، فعبدالله الرضيع أيضاً كان طفلاً صغيراً وله ذلك المقام أن يدفن عن رأس أبيه... قالوا إن دفنه في هذا المكان علامة على أن سيد الشهداء سيحتضن هذا الرضيع ويريه الى أهل المحشر... وكذلك دفن هذه الطفلة الصغيرة علامة كبيرة وقوية على أسر الذرية الطاهرة والظلم الذي حل بهم والذي بكى عليه الأنبياء كلهم... ونحن نتقرب الى الله عزوجل بزيارة إبنة الإمام الحسين – عليه السلام – تلك البنت المظلومة وأهلها كلهم مظلومون).
وختاماً نتقرب الى الله معاً – مستمعينا الأكارم – بقراءة مرثية لهذه البضعة المحمدية يقول فيها أحد أدباء الولاء:

تبكي السماء لزهرة الزهراء

وتمور أرض الله في الأرزاء

بنت الحسين رقية رقت لها

غلط القلوب بلوعة الرحماء

أدمى رقيق فؤادها جور العدى

لليتم سهم ثم سهم سباء

هي رقية الأزهار كيف يمسها

لسع السياط بزجرة وجفاء

هي بنت طاها كيف يسلب قرطها

وتساق سبياً في لظى البيداء

الله أكبر قد تشقق جلدها

في رحلة الالام والاعياء

الكون أفجعه حنين يتيمةٍ

تدعو أباها سيد الشهداء

حضنت أباها بل مدمى رأسه

فالجسم منه رهين كرب بلاء

وشكت له شكوى ظليمة فاطم

تشكو الفراق وقسوة اللؤماء

فبكى لها الرأس الشريف وروحه

ضمت إليه روحها ببكاء

وعلا نداء القدس حزناً معلناً

عرج الحسين بزهرة النجباء

عرج الحسين ببضعة من فاطم

ضحت لتحمي موكب الأسراء

بمصابها هزت قواعد عصبة

همت بقتل الآل في ظلماء

لحقت رقية بالشهيد شهيدة

أدمت قلوب الأهل والغرباء

خلدت على الجسد الشريف علائم

أثر السياط كدملج الزهراء


وبهذا نصل أيها الأكارم الى ختام الحلقة الثامنة عشر من برنامجكم شهداء السبي، قدمناها لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران..
شكراً لكم وفي أمان الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة