البث المباشر

خولة بنت الحسين عليها السلام

الأربعاء 18 سبتمبر 2019 - 12:04 بتوقيت طهران

السلام عليكم مستمعينا الأكارم ورحمة الله وبركاته.. أطيب تحية هي تحية الإسلام والسلام من الله نهديها لكم مباركة في مطلع الحلقة السابعة عشر من هذا البرنامج..
أيها الأفاضل، حديثنا في هذا اللقاء، عن شهيدة مظلومة أخرى من شهداء السبي المحمدي قضت نحبها غريبة مكلومة بجراحات الظالمين قبل دخول ركب السبايا الى بلدة بعلبك اللبنانية...إنها بضعة المصطفى ودمعة المرتضى وكبد فاطمة الزهراء مولاتنا: خولة بنت الحسين – عليها السلام –
أيها الإخوة والأخوات، عند المدخل الغربي لمدينة بعلبك في البقاع اللبناني وقرب قلعتها القديمة يقع مشهد من مشاهد شهداء السبي، عرف منذ القدم باسم السيدة خولة بنت الحسين – عليهما السلام –
جاء في التقرير الذي أعدته جمعية (قبس) لحفظ الآثار الدينية في لبنان عن هذا المرقد بعد الإشارة الى الوثائق التأريخية المتعلقة به:
المعلومات المتوافرة لدينا تبين لنا أن المقام قد بناه لأول مرة الهمدانيون – أي الذين ينتمون الى قبيلة همدان – الموالون للإمام علي – عليه السلام – والذين كانوا ينتشرون في المنطقة، ليكتشفه المتصوفة ويحافظوا عليه... وهذا ما تؤكده اللوحة المهمشة المكتشفة فيه.
وهذه اللوحة – مستمعينا الأفاضل – إكتشفها الأب (رزنفال اليسوعي) المتخصص في الكتابات الشرقية القديمة، وكتب عنها تحقيقاً نشر سنة ۱۹۰۰ للميلاد في مجلة (المشرق).
واللوحة عبارة عن حجر لشاهد قبر مهشم عند أطرافه مما صعب قراءة أسطره الأربعة المكتوبة بالخط الكوفي وتعود للحقبة التي سيطر فيها الحنابلة على مدينة بعلبك والذي يقرأ من الأسطر الأربعة عبارات هي: (حسين بن علي رضي الله عنه في ذي الحجة سنة سبع وسبعين وأر...)
ولو استكملنا تأريخ النقش نصل الى نتيجة منطقية واحدة هي أن تأريخ هذه الكتيبة هو سنة سبع وسبعين وأربعمائة وهذا يدل على تجديد المرقد ووجوده في هذا التأريخ.
وذكر الأستاذ الآثاري الدكتور حيدر نايف خير الدين في كتابة عن السيدة خولة ومرقدها – سلام الله عليها – أنه عندما بدأت عملية التوسعة الجديدة لهذا المرقد المقدس ظهرت آثار مقابر قديمة تحيط بالمرقد الشريف.
قال – حفظه الله -: أدى إعمار المزار مؤخراً الى الكشف عن مدافن إسلامية قديمة العهد وقد أحاطت بالحضرة الزكية... مع العلم أن مدافن المدينة قديماً كانت تقع خلف الثكنة – أي في مكان آخر – لذا فإن هذا التعهد بالدفن حقيقة إهتمام المسلمين بدفن موتاهم من علماء وعرفاء ونقباء وسادة وسدنة وعامة الناس حول الضريح المقدس... هذه الحقيقة تعتمد في الأساس على صحة الإعتقاد بالمزار وصاحبته – عليها السلام -
كما هذا الإهتمام من قبل العلماء والعرفاء وسائر فئات الناس يكشف عن كثرة البركات التي شاهدوها منذ القدم تظهر من هذا المقام المقدس منبئة عن كرامة صاحبته على الله تبارك وتعالى.
وهذا الأمر تؤكده أيضاً العبارات الواردة في نصوص وثائق الوقف الشرعي الخاصة بهذا المرقد المبارك وفيه تصريح بأنه يعود للسيدة خولة بنت الحسين – عليهما السلام – وبعض هذه الوثائق يرجع الى القرن الهجري الحادي عشر وهي وثيقة وقف الحاج محمد الغريبة مزرعته على مرقد (السيدة الجليلة خولة بنت الإمام الحسين عليها وعلى آبائها أفضل الصلاة وأتم التسليم) حسب ما ورد في نص هذه الوثيقة المؤرخة بتأريخ الخامس من جمادي الثاني سنة ألف ومئة للهجرة.
أعزاءنا المستمعين ويختص هذا المرقد المقدس للسيدة خولة بنت الحسين – عليها السلام – بأن له صورة ترجع الى ما قبل قرابة ثلاثة قرون، فقد ظهر في لوحة رسمها الرحالة الإنجليزي الشهير (روبرت وود) المتوفى سنة (۱۷۷۱) ميلادية ونشرها ضمن أهم كتبه وهو كتاب (أطلال بعلبك وبالميرا)، وتأريخ رسمها هو سنة ۱۷٥۷م.
وتظهر في هذه اللوحة الى جانب القبة الشريفة للمرقد شجرة السرو المباركة التي كان أهالي المنطقة ولازالوا يطلبون الشفاء من الله عزوجل بالإستشفاء بأوراقها.
ومن الكرامات الوجدانية المشهودة التي يظهرها الله في مرقد هذه الشهيدة الفاطمية المظلومة، أن هذه الشجرة المباركة لازالت قائمة رغم كل هذه القرون، وهي تورق باستمرار ويفوح منها عطر طيب يذكر القلوب بكرامة هذه الشهيدة على الله تبارك وتعالى.
كما أن من هذه الكرامات الإلهية الباهرة إظهار جسد هذه الشهيدة في القرن الهجري الحادي عشر بعد أن محت مرقدها جاهليات بعض النواصب في فترة حكم المماليك، وكان ذلك مبدأ إنشاء عمارة المرقد الواردة في لوحة الآثاري الإنجليزي (روبرت وود) والى ذلك يشير نص وقفية الحاج محمد الغريبة مزرعته ففيها إشارة الى بستان (آل جاري) المشار إليها في الكرامة التالية، وهي ثابتة بالتواتر بين أجيال أهل المنطقة.
قال العالم الآثاري الدكتور حيدر نايف خيرالدين في كتابه عن هذا المرقد:
أخذت قدسية المكان تظهر شيئاً فشيئاً حتى كانت تلفت تلك اللطائف والأنوار كثيراً من الناس، ومما ثبت أن رجلاً من آل جاري [وهو من الطائفة السنية] وهو صاحب البستان الذي يحوي قبرها الشريف – أي بعد هدمه ومحو أثره – رأى طفلة صغيرة جليلة في منامه فقالت له:
أنا خولة بنت الحسين مدفونة في بستانك
وعينت له مكان القبر.. ثم قالت: حول الساقية ساقية مياه رأس العين عن قبري لأن المياه تؤذيني. 
جاء في تتمة هذه الرواية التي حفظتها الذاكرة الشعبية متواترة عبر الأجيال:
وكانت تلك المياه آسنة، لكن الرجل لم يلتفت للأمر، فجاءته ثانية وثالثة ورابعة، وفي المرة الرابعة إنتبه الرجل فزعاً من هذه الرؤى فهرع للإتصال بنقيب السادة من آل مرتضى في بعلبك وقص عليه الرواية فذهب النقيب ومن حضر من الأهالي واحتفروا المكان المشار إليه، وإذا بهم أمام قبر يحوي طفلة ما تزال غضة طرية، فأزاحوا البلاطات واستخرجوا جسدها المبارك ونقلوه بعيداً عن مجرى الساقية وبنوا فرقة قبة صغيرة للدلالة عليه
أيها الإخوة والأخوات؛ ما هي الدلالات التي نستفيدها من تواتر إظهار الله عزوجل للكرامات في مرقد السيدة خولة بنت الحسين وسائر شهداء السبي كما لاحظنا في حلقات سابقة؟
سؤال نتلمس إجابته في الدقائق التالية من حديث أخينا الحاج عباس باقري، نستمع معاً:
باقري: بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم أيها الأحبة. في الواقع إظهار الكرامات الإلهية هي في هذه المراقد المشرفة، في مرقد السيدة خولة، في مرقد السيدة صفية، في مرقد السيدة رقية وفي سائر مراقد شهداء السبي. هي من مصاديق المشيئة الإلهية والارادة الإلهية التي قامت على منع إطفاء نور الله تبارك وتعالى، المنطوق القرآني يؤكد بما هو مضمونه يردون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون. قضية السبايا من مصاديق هذه الآيات الكريمة او هذا المنطوق القرآني، السبايا هم منارات للهداية الإلهية، منارات تتفرع من مصباح الهدى، الحسين سلام الله عليه هو مصباح الهدى ومن مصاديق إشعاعته شهداء السبي ومراقد شهداء السبي. الأعداء بمختلف الوسائل ومختلف الطرق سعوا الى إطفاء هذا النور الإلهي المتجلي في مظلومية وملاحم شهداء السبي، بطرق متعددة، بالتشكيك، بإخفاء المراقد وحتى مرقد السيدة خولة تعرض عدة مرات الى عمليات إمحاء والمرة الأخيرة كان إظهاره بكرامة إلهية وكذلك الحال بالنسبة لمرقد السيدة رقية وكذلك الحال للمراقد الأخرى. قضية التشكيك في نسبة السيدة خولة الى الامام الحسين، السيدة صفية الى الامام الحسين وغير ذلك مع أن الكثير من العلماء وعلماء الأنساب صرحوا بتعدد بنات الامام الحسين سلام الله عليه غير مشهورات، البلابلي ذكر مليكا بنت الحسين في كنز العمال ورد ذكر أم انيس، أم عبد الله في النفحة العنبرية للسيد الموسوي وأم عبد الله في مصادر اخرى، ام فندق في لباب الأنساب ذكر السيدة رقية من بنات الامام الحسين ورغم كل هذه الأدلة التشكيكات مستمرة. في مقابلها ثمة حاجة لكي لايطفأ نور الله تبارك وتعالى المتجلي والمتشعشع في هذه المقامات كان هناك التأكيد على ظهور الكرامات الإلهية، مظهر للإرادة الإلهية في عدم السماح لعدم إطفاء نور الله تبارك وتعالى، هذا أولاً وثانياً التفكير بقيم القيام الحسيني المقدس، هذا الأمر ملحوظ في أن الكثير من الكرامات تظهر في الأيام العاشورائية، ذكر ذلك فيما يرتبط بعبد الله بن الحسن، ذكر ذلك فيما يرتبط بالسيدة صفية والسيدة رقية وغيرهم من شهداء السبي، حتى في مرقد السيدة خولة لاحظتم قبل سنتين او ثلاث ظهور الدم وثبوت ذلك بعد أن تحقق العلماء وصرحوا بثبوته عندما ذكرت مصيبة السيدة زينب في مرقد السيدة رقية. كل ذلك فيه إشارات الى أن هذه الكرمات الهدف منها فضلاً عن إيصال الرحمات الإلهية للعباد هنالك هدف مهم هو الإشعاع بقيم القيام الحسيني المقدس وبالتالي تحقق "حسين مني وأنا من حسين" بأن تحفظ الرسالة المحمدية والنهج المحمدي من خلال قيم القيام الذي قام به مصباح الهدى المحمدي مولانا أبو عبد الله الحسين صلوات الله عليه وعلى آله وعلى جميع شهداء السبي في رحلته المفجعة. 
نشكر أخانا الحاج عباس باقري على توضيحاته المتقدمة، ومن الكرامة المعاصرة التي أشار إليها تتضح أن في هذه الكرامات الإلهية هداية في الواقع الى قيم القيام الحسيني المقدس وترسيخ لها في القلوب.
كما أن فيها دعوة لتلبية نداء الإستنصار الحسيني بمجاهدة جميع قوى الشر والطغيان التي أدت الى مأساة عاشوراء وأشد إيلاماً منها ما أنزله الجفاة ببقية المصطفى وعيالاته وهم يسوقونهم أسارى الى طاغية الشام.
وهذا النداء ينطلق من مرقد الشهيدة الفاطمية السبية مولاتنا خولة بنت الحسين – عليها السلام – كل صباح ومساء يذكر العالمين بمظلومية العترة المحمدية واجتهاد الطواغيت في استئصالها حتى باسم خلافة سيدها الهادي المختار – صلوات ربي عليه وآله الأطهار –
فاستشهاد هذه البضعة المحمدية الأسيرة على صغر سنها شاهد صارخ على إنتهاك أدعياء الخلافة المحمدية لأبسط الحرمات الإلهية بحيث لا يتورعون عن قتل الطفولة البريئة بأقسى السياط التي وجهت الى أيتام الحسين رغم أنهم بقية سيد المرسلين – صلى الله عليه وآله الطاهرين –
يقول أحد أدباء الولاء في رثاء شهيدة السبي خولة بنت الحسين – عليهما السلام -:

أيا عين دمع الفؤاد اسكبي

وخولة بنت الحسين اندبي

ويا روح نوحي ألا فاجزعي

لخطب اليتيمة بنت النبي

ويا قلب اسعد فؤاد البتول

ومأتم طفلتها فانصب

أتسبى سليلة قطب الهدى

تضام وهي زهرة الأطيب

تساق مع السبي بعد الحسين

فآه على خطبها الزينبي

تقطع منها الفؤاد الرقيق

بأسهم بغي لأعتي سبي

يحرق الخيام ونار الظما

وآهات شوق لصدر الأب

ورفس الخيول وسلب الخدور

وغير الفواطم لم تسلب

وجرح السياط وحز القيود

وجرد المحامل والمركب

تلوذ بزينب لوذ الحمام

من الذابح الأشرس المرعب

وزجر اللئام ونير الطغام

تسعّر فيها الفؤاد الأبي

وزين العباد لها ناظر

بدمع يسيل الى المنكب

تقاسي الجراح بأشجائها

وتسري بحزن لها ملهب

وتشجي البتولة في نوحها

كنوح رقية في الموكب

كأن النياحة زاد لها

تنادي بوجد: أغثني أبي

فتقضي بركب السبا نحبها

عروجاً لركب الشهيد الأب

وصوت الظليمة من قبرها

أذان على الأفق الأرحب

فيا طالب الثأر، ثأر الحسين

وثأر السبايا الا فاطلب


وبهذا نصل مستمعينا الأكارم الى ختام الحلقة السابعة عشر من برنامج شهداء السبي.. إستمعتم لها من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران شكراً لكم وفي أمان الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة