البث المباشر

الولية بنت الحسين وعبد الله بن الحسن عليهما السلام

الأربعاء 18 سبتمبر 2019 - 12:03 بتوقيت طهران

سلام من الله عليكم أيها الإخوة والأخوات...
أزكى التحيات مفعمة من الله بالرحمة والبركات نحييكم بها ونحن نلتقيكم بتوفيق الله في الحلقة السادسة عشر من هذا البرنامج. نتابع أيها الأكارم رحلتنا في عالم المعنى ونحن نرافق عيال رسول الله – صلى الله عليه وآله – وهم يساقون أسارى الى الطاغية يزيد بعد مصرع سيد الشهداء الحسين – صلوات الله عليه –. 
نتابع هذا الركب المقدس وهو يقترب من دمشق وقد اشتد جراحات السبايا ليودعوا في البقاع اللبناني أجساد عدة من أفلاذ كبد الزهراء البتول سلام الله عليها. نتعرف في هذا اللقاء الى إثنين من هؤلاء الكرام من شهداء السبي هما:

الولية بنت الحسين والغيور عبدالله بن الحسن عليهم جميعاً سلام الله
أيها الاخوة والأخوات، الولية بنت الحسين – عليه السلام – هو الإسم عرف به أهالي منطقة البقاع مرقداً صغيراً يقع على المسار الذي سلكه ركب السبايا المحمديين حسبما حققه كثير من العلماء ودلت عليه عديد من النصوص التأريخية.
هذا المرقد يقع في قرية (المشرفة) على الطريق بين منطقة جوسية وسرغابا، ومنه عبر الركب المقدس قبل وصوله بعلبك آخر المدن المهمة يومذاك قبل وصوله الى دمشق. والمعروف المشهور والمتوارث بين أهل المنطقة عبر أجيالهم أن هذا المرقد هو لطفلة من بنات الحسين – عليه السلام – أستشهدت مظلومة عند مرور ركب السبايا بهذه البقعة لمشرفة بها – عليها السلام – وهم يزورونه ويتعبدون لله فيه ويسألونه قضاء حوائجهم بحق هذه الشهيدة المظلومة من شهداء السبي ويسمونه (مقام الولية).
جاء في التحقيق الميداني الذي أعدته جمعية (قبس) لحفظ الآثار الدينية في لبنان عن هذا المشهد: (الولية في المشهد لم يعرف إسمها.. والشيخ جعفر المهاجر يقول [عن ما يعتقده أهل المنطقة بشأنه عليها السلام]: إن الجمهور صادق لا يكتب، بينما المؤرخ السلطوي يكتب لصالح السلطة، والشيخ المهاجر مؤرخ يتابع قضية السبايا وقد كتب عن موكب السبايا).
ويضيف التحقيق لينقل شهادات أخرى بشأن هذا المشهد: (كذلك الشيخ نبيل أمهز يرجح سقوط الشهيدات في البلدات التي ذكرناها لأن الطريق طويلة وشاقة لم يتحملها الأطفال، فكانت النساء تحتضن من يموت حتى يصل الموكب الى المكان الذي يستطيعون فيه (دفن الضحية).
ويقول آخر من أهل المشرفة: إن المقام كان معروفاً من زمان وقبل أن يأتي أهله الى المشرفة وعلى اللحد أحجار قديمة وأنهم سألوا الشيخ موسى شراره قدس سره عن القبر الموجود فأخبرهم أن فيه طفلة للإمام الحسين – عليه السلام – وقعت عن ظهر الجمل في منطقة جوسي وتوفيت.
ويستفاد من إطلاق أهالي المنطقة لقب (الولية) على هذه الطفلة الحسينية الشهيدة، أنهم شاهدوا من الكرامات التي أظهرها الله عزوجل في مرقدها ما أيقنوا معه بسمو مقامها ومنزلتها عند الله عزوجل؛ بحيث عرفوا بأنها ولية الله نصرته بصبرها وشهادتها في ركب السبي ونصرها بإظهار من الكرامات ما يهدي الأجيال الى سمو منازل شهداء السبي – عليهم جميعاً صلوات الله –.
أيها الإخوة والأخوات، من قصيدة لأحد أدباء الولاء في رثاء هذه البضعة الفاطمية نقرأ قوله:

يا آه زينب والسبايا اليتّم

ألق بنارك في فؤادي وأضرمي

نار التفجع للولية إذ غدت

تسبى – وبعد اليتم – سبي الديلم

التفجع للبراءة سامها

أعداء أحمد بالجفاء الألئم

نار التفجع للطفولة نالها

سهم المنية في المصاب الأعظم

بنت الحسين وزهرة من فاطم

قد قطعت غدراً بليل مظلم

ويحي أيسلم معصم مني وذي

بنت النبي خضابها قاني الدم

يجري ومن تحت الحبال بحرقة

يدمي الصبية من عروق المعصم

فهوت على أرض الإله شهيدة

أحزان صفوته بدمع مسجم


مستمعينا الأكارم، يلاحظ المتتبع لمسار ركب السبايا إزدياد نسبة من استشهد منهم – عليهم السلام – في المنطقة القريبة من دمشق، فما هو تفسير ذلك؟
يجيب عن هذا السؤال أخونا الحاج عباس باقري على ضوء المستفاد من النصوص التأريخية؛ نستمع معاً:
باقري: بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم أيها الأفاضل ورحمة الله وبركاته. في الواقع السؤال المتقدم نلاحظ أن منطقة بعلبك ومنطقة البقاع قريبة من دمشق وهذا يعني أن ركب السبايا قد قطع ما يقارب الألف وخمسمئة كيلومتراً في حدود الأسبوعين وعلى طريقة من الحمل، حملوا على الأقتاب، والأقتاب رحل صغير يقام على سنام البعير بدون وطاء وبدون غطاء يعني ليس كالمحامل العادية، أصعب حالات السوق هي عندما تكون على الأقتاب وهي أساساً لم يجعلها العرب لحمل الأشخاص يعني كانت لحمل الأثاث وغير ذلك. على مدى مايقارب الأسبوعين بسرعة سير شديدة، هذه نقطة مهمة قد لايلتفت لها الكثيرون وهم يعالجون قضية عودة السبايا في يوم الأربعين. تصوروا أن رحلة السبايا الى الشام كانت كرحلة القوافل العادية، المستفاد من النصوص التاريخية وتصريح العلماء كالبيروني وغيره دخول السبايا في الأول من صفر وتصريح العلماء كإبن الجوزي وغيره بخروجهم من الكوفة في الرابع عشر او الخامس عشر من شهر محرم أن السبايا قطعوا هذا الطريق او سيقوا في هذا الطريق بسرعة تضاعف الضعف من سرعة القوافل العادية يوم ذاك، القوافل العادية يوم ذاك كانت تقطع قرابة الأربعين كيلومتراً في اليوم، السبايا كان معدل ما قطعوه من منازل طريق السبي مايقارب المئة كيلومتراً يعني في أقصى سرعة ممكنة كما هو كما هو حال البريد، هذا الأمر تصرح به رواية إلحاق السبايا بالرأس الشريف، في يوم عاشوراء بعث عمر بن سعد الرأس الى الكوفة مع خويلي عليه لعائن الله. وفي اليوم التالي تحرك من كربلاء الى الكوفة وقطع بالسبايا المسير نفسه في يوم واحد. الشيخ المفيد وغيره صرحوا جميعاً بأنهم لحقوا بالرأس في اليوم التالي وهو في الكوفة. اذن قطعوا ثمانين كيلومتراً حدود ما يقل عن اليوم الواحد، اذن يمكن تصور الحال عندما يساق السبايا بهذه السرعة الكبيرة وعلى مثل هذه المراكب، مراكب جرداء، خشبية ليس عليها وطاء فمن الطبيعي تولد لديهم جراحات شديدة، هذه الجراحات تضاف الى جراحات يوم عاشوراء ومابعدها وتضاف ايضاً الى جراحات الطريق والمسير والجراحات المعنوية لذلك كلما إقترب الرحل من دمشق إزدادت هذه الجراحات وتضاعفت وبالتالي من المتوقع نجد أن منطقة البقاع اللبنانية تضم عدة من شهداء السبي من الصبية والصبيات السبايا من آل رسول الله صلى الله عليه وآله كصفية وكخولة بنتا الحسين، الولية في منطقة المشرفة وعبد الله بن الحسن في منطقة حورت علا وغيرهم. هذه بسبب تراكم الجراحات بسبب سرعة المسير ورداءة المركب وكذلك كثرة الجراحات التي تراكمت عليهم، عليهم صلوات الله وبركاته. 
نشكر أخانا الحاج عباس باقري وننتقل الى الحديث عن شهيد آخر من شهداء السبي في منطقة البقاع وهو الفتى الغيور عبدالله بن الإمام الحسن المجتبى – عليه السلام –.
ويقع مرقده الشريف في بلدة (حورتعلا) البقاعية وهي تقع على المسار الذي تؤكد الشواهد التأريخية والميدانية مرور ركب السبايا عبره في طريقهم الى دمشق.
وهذا المقام معروف منذ القدم بنسبته الى مقامات ركب السبايا المحمديين وتظهر فيه كرامات إلهية متواترة ومشهودة خاصة في ليالي الجمعات وفي ليالي عاشوراء، ويزوره المؤمنون من مختلف مناطق الجنوب اللبناني؛ وكان يعرف منذ زمن طويل بمقام الإمام عبدالله.
وكان يعرف بمقام أولاد الحسين – عليه السلام – وقد وضعت على القبر الذي يضمه الضريح صخرة كتب عليه ذلك؛ ثم استبدلت بصخرة كتب عليها عبارة تصرح بأنه قبر عبدالله بن الحسن المجتبى – عليه السلام –.
ويبدو أن هذا التغيير قد حصل إثر التحقيق التأريخي الذي أجراه مفتي البقاع الغربي الشيخ محمد المصري وتوصل منه الى أن هذا المرقد يضم قبر الشهيد عبدالله بن الإمام الحسن – عليها السلام – وأن عمره إحدى عشرة سنة، وكان جريحاً في مسيرة السبايا وقضى نحبه شهيداً عند وصول الركب الى هذه البلدة.
والشيخ المصري ينتمي الى عائلة عريقة في هذه البلدة، وقد نقل قوله هذا في التحقيق الميداني الذي أجرته بشأن هذا المرقد جمعية (قبس) لحفظ الآثار الدينية في لبنان؛ وتؤيد قوله شواهد عدة وجدانية وتأريخية، منها الشهرة المتسالم عليها بين أهل المنطقة بأن إسم هذا الشهيد هو (عبدالله).
ومنها تصريح بعض المصادر التأريخية بأن من الأسرى الذين حملوا بعد واقعة عاشوراء أسير حسني هو (عبدالله بن الإمام الحسن) كما نص على ذلك القاضي النعمان المغربي وهو من أعلام العلماء والمؤرخين في القرن الهجري الرابع، وجاء نصه في كتابه (شرح الأخبار) بعد ذكره لوقائع يوم عاشوراء.
ومنها أن أغلب المصادر التأريخية المتقدمة التي ذكرت خروج عبدالله الأصغر بن الإمام الحسن – عليهما السلام – للدفاع عن عمه الحسين – عليه السلام – وهو في الساعة الأخيرة نصت نصت على إصابته بقطع يده دون استشهاده في ذلك الموقف، ولذلك فمن المحتمل جداً أن يكون – عليه السلام – هو عبدالله بن الحسن الذي عده القاضي المغربي في كتاب (شرح الأخبار) ضمن الأسرى الذين حملوا الى الكوفة.
أجل فقد جاء في كتاب الإرشاد للشيخ المفيد وتأريخ الطبري وتأريخ ابن الأثير وتأريخ ابن كثير وغيرهم واللفظ للشيخ المفيد ما نصه:
فخرج إليهم عبدالله بن الحسن بن علي – عليهم السلام – وهو غلام لم يراهق من عند النساء يشتد حتى وقف الى جنب الحسين فلحقته زينب بنت علي – عليهما السلام – لتحبسه، فأبى وامتنع وقال: والله لا أفارق عمي
وأهوى أبجر بن كعب الى الحسين – عليه السلام – بالسيف فقال له الغلام: ويلك يا ابن الخبيثة أتقتل عمي؟
فضربه أبجر بالسيف [ضربة] فأتقاه الغلام بيده فأطنّها الى الجلدة، فإذا يده معلقة.
فأخذه الحسين – عليه السلام – فضمه إليه وقال: يا ابن أخي إصبر على ما نزل بك واحتسب في ذلك الخير، فإن الله يلحقك بآبائك الصالحين.
ثم رفع الحسين – عليه السلام – يده وقال: اللهم إن متعتهم الى حين ففرقهم فرقاً واجعلهم طرائق قددا ولا ترضي الولاة عنهم أبداً فإنهم دعونا لينصرونا، ثم عدوا علينا فقتلونا.
وفي مرثية لهذا الشهيد الحسني الغيور يقول أحد أدباء الولاء:

هو زينة الأشبال ما أبهاه

ابن الإمام المجتبى وفتاه

شبل الولاء تفيض منه غيرة

فيها الولاء مشعشع معناه

ما طاق أن يبقى الإمام بلا حمى

مرمى السيوف مخضباً بدماه

فأطل بدراً للخيام مودعاً

نصر الحسين فللعلى مسراه

وكعمه العباس يجمي دينه

لحسينه أهدى الفتى يمناه

قد ضمه المولى الغريب مصبّراً

والشبل ينزف هاتفاً: عماه

يا ليت جسمي كله مرمى العدى

ولصدرك الدامي يصير وقاه

جمل الفتى تلك الجراح عميقة

والسبي يلهبها بحر لظاه

ودعاؤه طلب اللحاق بعمه

يسري بلهفته الى لقياه

عرج الأسير الى الحبيب معانقاً

بسنا الشهادة قد زهت شفتاه


تقبلوا منا أيها الأكارم جزيل الشكر على كرم متابعتكم لحلقة اليوم من برنامج (شهداء السبي) قدمناها لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران..
لكم منا خالص الدعوات ودمتم في أمان الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة