البث المباشر

المحسن بن الحسين عليه السلام

الأربعاء 18 سبتمبر 2019 - 11:57 بتوقيت طهران

سلام الله عليكم أيها الإخوة والأخوات ورحمة منه وبركات.. أزكى التحيات نحييكم بها مستمعينا الأكارم ونحن نلتقيكم بفضل الله في الحلقة الرابعة عشر من هذا البرنامج.
وفيها نصل الى جبل الجوشن على مشارف مدينة حلب الشامية القديمة ونحن نتابع في عالم المعنى رحلة العيالات النبوية وهي تساق أسارى الى طاغية البغي الأموي بعد مصرع سيد الشهداء الحسين – عليه السلام –.
وعلى هذا الجبل نرى اليوم مشهداً لرأس الحسين – عليه السلام – خلّد معجزة إلهية على صخرة ضمها وعليها آثار دمه الشريف باقية لا تمحوها الدهور. والى جواره مشهد مظلوم آخر من شهداء السبي نصره الله بأن خلد مرقده ليكون من منارات القيام الحسيني المقدس، إنه السقط الشهيد المحسن بن الحسين – عليهما السلام –.
أيها الإخوة والأخوات لا تكاد يخلو أي كتاب في تأريخ حلب أو دراسة عن هذه المدينة من ذكر مشهد المحسن الشهيد وإشارة الى قصة إستشهاده عند نزول ركب السبايا على جبل الجوشن في طريقه الى دمشق.
ولعل أول من سجل هذه الواقعة هو العالم الأديب أبومحمد عبدالله بن محمد بن سعيد بن سنان الخفاجي الحلبي المتوفى سنة أربعمئة وست وستين للهجرة، وهو صاحب عدة من الكتب الإسلامية والأدبية منها: كتاب (العادل في الإمامة) وكتاب (سر الفصاحة)، إضافة الى ديوان شعره الرائق.
قال – رحمه الله – في ديوان شعره طبق ما نقله عنه ياقوت الحموي في معجم البلدان ما ملخصه: " جوشن جبل في غربي حلب ومنه كان يحمل النحاس الأحمر وهو معدنه، ويقال أنه بطل منذ عبر عليه سبي الحسين بن علي ونساؤه وكانت زوجة الحسين حاملاً فأسقطت.. فمنعها الصناع – أي العاملين في هذا المعدن – الخبز والماء وشتموها فدعت عليهم، فمن عمل الآن من عمل فيه لا يربح، وفي قبلي الجبل مشهد يعرف بمشهد السقط، ويسمى مشهد الدكة والسقط يسمى محسن بن الحسين.
وهذه الرواية نقلها المؤرخ الحلبي كمال الدين عمر بن أحمد الشهير بابن العديم في كتابه (زبدة الحلب في تأريخ حلب)، كما أشار إليها ابن شداد الحلبي في كتاب (الأعلاق الخطيرة) وابن الشحنة الحنفي في تأريخه (روضة المناظر) والبغدادي الحنبلي في مراصد الإطلاع، ويحيى بن أبي طي في كتابه (معادن الذهب في تأريخ حلب)، والشيخ كامل الغزي الحلبي في تأريخه (نهر الذهب) وغيرهم كثير.
وقد صرح آية الله العالم المتتبع الشيخ محمد حرز الدين في كتابه القيم (مراقد المعارف) بأن تسمية هذا الشهيد بالمحسن كانت من قبل الإمام السجاد زين العابدين – عليه السلام – قال – رضوان الله عليه – .
" محسن السقط، مشهور بأنه ابن الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين – عليه السلام – مرقده في جبل الجوشن... وورد أنه هو الذي أسقطته بعض نساء الحسين عليه السلام المسبيات بعد حادثة الطف، وقد أسقطت حملها لما رأين النسوة من الجفاء والسير الحثيث والضرب المبرح من الأجلاف.. 
وقال – رضوان الله عليه – في هوامشه على كتاب (مراصد الإطلاع) وهو يعلق على قول البغدادي في مادة (آرل): هي من قرى حلب بها مشهد يزار يعرف بمشهد الرحم، قال: " الظاهر أنه إسم مصدر من الرحمة أو الرحم القرابة، ولعله المحل الذي أسقطت فيه زوجة الحسين الشهيد عليه السلام مع السبي الذي أمر ابن زياد بحمله الى الشام، فمروا بطريقهم بما يسامت حلب فأسقطت ولداً سماه علي بن الحسين – عليهما السلام – بالمحسن لأنه يشبه المحسن سقط الزهراء سلام الله عليها بين الحائط والباب، والمشهد الآن عامر يزار. 
أيها الإخوة والأخوات، ويظهر من النصوص التأريخية أن مشهد هذا السقط الفاطمي الشهيد كان مزاراً معروفاً منذ القرون الهجرية الأولى، إلا أن توسعته جاءت إثر كرامة أظهرها الله فيه نصرة لصاحبه المقدس – عليه السلام – فقد في المصادر المتقدمة وغيرها، قال الشيخ كامل الغزي في كتابه (نهر الذهب في تأريخ حلب) نقلاً عن تأريخ يحيى بن أبي طي، قال ما ملخصه:
" إن مشهد الدكة ظهر سنة إحدى وخمسين وثلاثمئة وأن سبب ظهوره هو أن سيف الدولة الحمداني كان في إحدى مناظره التي بداره خارج المدينة فرأى نوراً ينزل على مكان المشهد وتكرر ذلك فركب بنفسه الى ذلك المكان وحفره فوجد حجراً عليه كتابة هي: هذا قبر المحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب فجمع العلويين وسألهم: هل كان للحسين ولد إسمه المحسن؟
قال بعضهم: إن سبي نساء الحسين لما مروا بهن على هذا المكان طرحت بعض نسائه هذا الولد، فإن نروي عن آبائنا أن هذا المكان سمي بجوشن لأن شمر بن ذي جوشن نزل عليه بالسبي والرؤوس وكان معدناً يستخرج منه الصفر وإن أهل المعدن فرحوا بالسبي فدعت عليهم زينب ففسد ذلك المعدن، فقال سيف الدولة: هذا الموضع قد أذن الله بإعماره، فأنا أعمره على إسم أهل البيت – عليهم السلام -.
وقد نقل الشيخ الغزي في تأريخه كرامات شاهدها بنفسه بشأن هذا المشهد، كما أشار ابن العديم الى اهتمام المؤمنين بتعاهده وزيارته، والتبرك به وهذا ما يشهد له كثرة العلماء الذين أوصوا بأن يدفنوا فيه؛ قال آية الله الشيخ التقي محمد حرز الدين في كتاب (مراقد المعارف).
" وقد أصبح مشهد السقط مدفناً لوجوه الشيعة ومشاهير علمائها هناك منهم العالم السيد أبوالمكارم حمزة بن علي بن زهرة الحسيني صاحب كتاب (الغنية) مقتدى الشيعة في حلب ومفتيها الأوحد المتوفى سنة ٥۸٥ للهجرة، والشيخ أبوجعفر محمد بن علي بن شهر آشوب السروي المازندراني صاحب كتاب المناقب ويعد من مشاهير علماء الإمامية هناك المتوفى سنة ٥۸۸ والشاعر الشهير ابن منير الطرابلسي المتوفى سنة ٥٤۸ وغيرهم.
أعزاءنا المستمعين وعلى بعد قرابة المئتي متر من مشهد المحسن الشهيد يوجد مشهد النقطة الذي شهد كرامة إلهية أظهرها الله عزوجل وخلدها من نقطة من دم رأس الحسين – عليه السلام – فما هي دلالة ذلك؟
نستمع معاً لما يقوله أخونا الحاج عباس باقري في الإجابة عن هذا السؤال:
باقري: بسم الشهيد محسن بن الحسين صلوات الله عليه، هذا الأمر لايقتصر على مشهدي جبل الجو الله الرحمن الرحيم السلام عليكم أيها الأخوة والأخوات ورحمة الله وبركاته. نذكر أولاً بوجود مشهد لرأس الامام الحسين سلام الله عليه الى جوار مشهد السيد شن على مشارف مدينة حلب القديمة بل هو امر متكرر لاحظناه في مشهد السبط الشهيد في مدينة بالس القديمة او مسكنة الحالية التي أصبحت تحيط بها بحيرة الأسد بعد بناء السد، هنالك ايضاً تلة عليها مشهد للسبط محسن الطالبي الذي تحدثنا عنه في حلقة سابقة والى جواره مشهد رأس الامام الحسين صلوات الله عليه. هذا الأمر ايضاً وجدناه في الموصل ايضاً مشهد الطرح على الجبل الذي بني عليه فيما بعد جامع النبي يونس تغييباً لتلك النقطة او مشهد رأس الحسين عليه السلام، هذا المشهد ايضاً كان الى جواره مشهد السبط أحد أحفاد الامام الحسن المجتبى صلوات الله عليه كما فصلنا الحديث عن ذلك في حلقات سابقة من هذا البرنامج. اذن وجود مشهد لرأس الحسين سلام الله عليه وظهور كرامات من هذا الرأس الشريف ومن هذا المشهد الشريف، في مشهد الموصل سقطت نقطة على حجر بقيت تغلي في كل عام يوم عاشوراء ويجتمع الناس لإقامة المراسيم حولها الى أن أمر عبد الملك بن مروان الملك الأموي بنقل هذا الحجر وإخفاءه، هذا الأمر ذكره المؤرخون. كذلك الحال بالنسبة لمشهد بالس حيث تكرر هذا الأمر، ظهر في مشهد النقطة في بالس او مشهد رأس الحسين عليه السلام كرامة مماثلة وهذا المشهد نراه ايضاً في مشهدي جبل الجوشن في حلب، ايضاً سقطت نقطة على الحجر لازالت الصخرة التي سقطت عليها نقطة الدم الشريفة الحسينية موجودة وعليها آثار الدم وهذه من المعجزات الإلهية التي لايمكن إنكارها، هذه الصخرة موجودة في المشهد المبارك في جبل الجوشن. هذه الحالة في الحقيقة لها توجيه للقلوب يعني نوعاً من إتمام الحجة الإلهية على أن هؤلاء الأسقاط ليسوا أسقاطاً عاديين، ليسوا أجنة عاديين، إنهم من نور محمد صلى الله عليه وآله، إنهم أنوار أراد الله تبارك وتعالى أن يجعلهم وسائل لنشر رحمته وفيضه في الخلائق أجمعين وهذا سر إختيار اسم محسن لهم كما هو حال عمهم محسن بن فاطمة الزهراء عليها السلام الذي أسقط في فاجعة الهجوم على دارها صلوات الله عليها بعد رحيل أبيها المصطفى صلى الله عليه وآله. إختيار اسم محسن إشارة الى أن الله تبارك وتعالى أراد أن ينزل هذه الأنوار المحمدية الى الأرض في وجودات تكون ينابيع للرحمة الإلهية، للرحمة المحمدية ولكن الطغاة، ولكن الجفاة وأدعياء خلافة رسول الله صلى الله عليه وآله ارادوا منع هذه الينابيع، منع وسد هذه الأبواب الواسعة للرحمة الألهية. لذلك مشاهد رأس الحسين تنبأ الناس الى هذه الحقيقة، أن محسن السقط الشهيد ليس سقطاً عادياً وإنما هو إبن الحسين، هو نور من نور محمد صلى الله عليه وآله أراده الله أن يكون نبعاً للإحسان وكذلك هو الحال في جميع الشهداء الأسقاط من شهداء السبي، هم ليسوا أسقاط عاديين وليسوا أجنة عاديين إنهم من الأنوار المحمدية وإنهم من أبواب الرحمة الإلهية التي نسأل الله تبارك وتعالى أن تفتح أبوابها في رجعتهم عليهم السلام وإحياء الله تبارك وتعالى لهم عند ظهور قائم آل محمد والآخذ بثأر الحسين وثأر شهداء السبي وجميع الشهداء المظلومين صلوات الله عليهم أجميعن. 
نشكر أخانا الحاج عباس باقري على هذه التوضيحات ونعقب على كلامه بأن الله عزوجل أبى إلا أن يتم نوره الذي أظهره في هذا المشهد المبارك وسائر مشاهد العترة المحمدية – عليهم السلام – .
ومصداق ذلك نراه متجلياً في جعله عزوجل مشهد المحسن بن الحسين – عليهما السلام – من أبواب الرحمة الإلهية الكريمة يقضي حوائج المتوسلين به الى الله عزوجل حتى لو لم يكونوا من أتباع مدرسة أهل البيت – عليهم السلام –.
فمثلاً نقل لنا أحد خدمة هذا المشهد المقدس وقائع عدة شاهدها بنفسه منها أن رجلاً من غير أتباع مدرسة الثقلين أصيبت إبنته البالغة من العمر ستة عشر عاماً وكان ذلك في حدود سنة ۱٤۲۷ للهجرة بحادثة أدت الى انقطاع مجرى الدم عن عينها وبالتالي تعريضها للعمى، وقد أكد الأطباء ضرورة إجراء عملية جراحية سريعة لها في أوروبا وإن كانت نسبة نجاحها ضعيفة 
فلجأ الى مشهد السقط الشهيد وتوسل به الى الله فاستجاب الله دعاءه وعافى الفتاة وأنقذها من العمل ببركة المحسن صلوات الله عليه.
أما عن والدة هذا السيد الشهيد فينقل أنها السيدة الجليلة (أم إسحاق) التميمية زوجة الإمام الحسن المجتبى – عليه السلام – والتي أوصى الحسن أخاه الحسين – عليهما السلام – بأن يتزوجها بعد وفاته لرسوخ إيمانها وجميل صبرها، فتزوجها الحسين فأنجبت له قبل المحسن إبنته رقية وهي أيضاً من شهداء السبي – سلام الله عليهم أجمعين –. 
ويستفاد من التواريخ التقريبة بشأن حركة ركب السبايا ومنازله الواردة في دائرة المعارف الحسينية للشيخ الكرباسي، أن شهادة المحسن – سلام الله عليه – كانت في منتصف العشرة الأخيرة من شهر محرم الحرام سنة إحدى وستين للهجرة.
وممارثي به هذا الشهيد الحسيني المظلوم قول أحد أدباء الولاء:

يا بضعة الزهراء حلت في ربى حلب

يابن الحسين ونوراً طل كالشهب

يا محسن الفجر والإشراق شيمته

قبل الولادة هاج الليل في طلب

أولاد أحمد في الأرحام يقتلهم

قد فاق فرعونها في سالف الحقب

يا محسن الطف من غيب رحلت الى

غيب ونورك في الأرواح لم يغب

نور تنقل في الأصلاب شامخة

بعلى النبوة والأعراق والنسب

حتى استقر عزيز السبط في رحم

في (أم إسحاق) طهر نيّر الحسب

نور الجلال حنايا العرش مبدأه

نور الجمال بحسن الخلق والرتب

نور تجرع في عاشوراء محنته

قتل الأحبة قبل السبي والسغب

نور كسته جراح السبي حمرته

بعد الحسين وركب السبي في نصب

نور تجدد في طعنات مغربه

جرح البتول بيوم الرفس والحطب

نور له تشهق الحوارء تشهق في شجن

تحكي ظلامته في سبيها التعب


نشكركم أطيب الشكر مستمعينا الأطائب على طيب إستماعكم لحلقة اليوم من برنامج (شهداء السبي) قدمناها لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران..
دمتم في أمان الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة