البث المباشر

من ادعية الامام المهدي.. شرح فقرة "وهب لنا حقوقك علينا"

الإثنين 29 يوليو 2019 - 12:54 بتوقيت طهران

إذاعة طهران - ينابيع الرحمة: شرح فقرة "وهب لنا حقوقك علينا" من دعاء الامام المهدي (ع).

 

السلام عليكم ايها الأعزاء، تحية طيبة وأهلاً بكم في لقاء اخر من هذا البرنامج، نتابع فيه استلهام قيم العبودية الحقة والحياة الكريمة من خلال التدبر في كنوز المعرفة الإلهية الكامنة في ادعية اهل البيت (عليهم السلام) ومنها الدعاء الذي امرنا بتلاوته مولانا امام العصر (أرواحنا فداه) بعد نص زيارة جده سيد الشهداء (عليه السلام) يوم عاشوراء، وقد وصلنا الى حيث يقول الداعي: (اللهم، فصل على محمد وآل محمد ولا تؤاخذنا بما اخطانا ونسينا وهب لنا حقوقك لدينا وأتم احسانك الينا وأسبل رحمتك علينا). 
في الحلقة السابقة كانت لنا وقفة عند الشطر الأول من هذه الفقرة، وهنا نتوقف عند شطرها الثاني وفيها نلتقي بثلاث عبارات، يثار بشأن الأولى سؤال هو: ما هي حقوق الله على الأنسان؟ وكيف يهبها له؟ 
وبحثا عن الإجابة، نرجع الى اهم نص جامع بشأن الحقوق وهي رسالة الحقوق التي املاها مولانا الإمام زين العابدين (عليه السلام)، وقد جاء فيها فيما يرتبط بالعبارة المتقدمة قوله (عليه السلام): (إعلم ان لله عزوجل عليك حقوقا محيطة بك في كل حركة تحركتها او سكنة سكنتها، او حال حللتها او منزلة نزلتها او جارحة قلبتها او آلة تصرفت فيها، بعضها اكبر من بعض، فأكبر حقوق الله تعالى عليك ما اوجب عليك لنفسه من حقه الذي هو اصل الحقوق، ...). 
ثم قال (عليه السلام) بعد استعراض اجمالي لسائر الحقوق: (فأما حق الله الأكبر عليك فأن تعبده لا تشرك به شيئاً، فاذا فعلت ذلك بأخلاص جعل لك على نفسه ان يكفيك امر الدنيا والآخرة ويحفظ لك ما تحب منها، ...). 
من خلال التدبر في النص المتقدم نلاحظ انّ حقوق الله عزوجل على الأنسان تشمل جميع شؤونه وحركاته وسكناته، وهي ترجع الى حق محوري هو حق العبادة بما يتضمنه من توحيد الله عزوجل وإتباع الأنسان اوامره ونواهيه عزوجل في جميع حركاته وسكناته، وأن لا يتصرف الأنسان بشيء من جوارحه في غير ما يرتضيه الله عزوجل لأنه هو الذي انعم بها جميعاً على الأنسان، وعلى ضوء معرفة ماهية هذه الحقوق، نتسائل ما معنى ان يطلب الداعي من الله جل جلاله ان يهبه حقوقه عليه؟ 
من الواضح ان هذه الحقوق الالهية بالمعنى المتقدم لا يمكن التنازل عنها او هبتها فهو يعني ان يطلب الداعي حرمانه من كرامة العبودية لله وطاعته عزوجل التي فيها سعادته ونجاته في الدنيا والآخرة. اذن فأيُّ حقوق لله جل جلاله يطلب الداعي منه ان يهبها له؟ 
في الإجابة عن السؤال المتقدم نقول: إن المراد هو الحقوق المترتبة لله عزوجل على عباده نتيجة لعدم ادائهم حق العبودية والطاعة لله بالمعنى المتقدم. فعدم اداء الأنسان لأي حق من الحقوق الآلهية بالمعنى الأول يستتبع ان يكون لله عزوجل حقٌ بمعاقبته على ذلك، فمثلاً اذا استخدم الإنسان بصره فيما لا يرضي الله تبارك وتعالى او لم يستخدمه فيما يرضيه، فإن ذلك يعني عدم ادائه لحق الله فيما يرتبط بمنحه نعمة البصر، وبذلك يجعل على نفسه لله عزوجل حق معاقبته على ذلك.
وعليه يتضح ان الداعي يطلب من الله عزوجل ان يهبه هذه الحقوق الناشئة له من عدم ادائه لحقوقه الأصلية عليه. فيكون طلبه في الواقع طلبا للمغفرة الإلهية. اما سر استخدام هذا التعبير في الدعاء فيمكن ان يكون هو تقوية روح النفرة من المعاصي والذنوب بمختلف مراتبها في قلب الإنسان.
لأن الإنسان بفطرته السليمة يسعى لأداء حقوق الآخرين عليه لا سيما من احسن اليه، فكيف بحقوق مبدأ كل احسان عليه وخالقه الله جل جلاله؟ 
إذن فهذه العبارة تذكره بأن اي استفادة من نعم الله عزوجل فيما لا يرضيه 
هي جحود لإحسانه وانتهاك لحقوقه جل جلاله.
تبقى هنا قضية ينبغي الإشارة اليها فيما يرتبط بالعبارة المتقدمة، وهي ان يكون المعنى من الحقوق الإلهية هو - على نحو التخصيص - ما بذمة الإنسان من حقوق لا ترتبط بسائر الخلق، وعلى ذلك يكون في هذه العبارة تذكير للداعي بأن يحرص اكثر على ابراء ذمته من حقوق الناس لأن الله عزوجل قد يهب حقوقه للداعي، اما حقوق الناس فعليه ان يباشر الإنسان امرها بنفسه.
وعند هذه النقطة ننهي ايها الأعزاء لقاء اليوم من برنامج (ينابيع الرحمة) الذي تستمعون له من اذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران شكراً لكم ودمتم في رعاية الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة