البث المباشر

المقاتل الحسينية -۲۳

الأربعاء 12 يونيو 2019 - 09:59 بتوقيت طهران
المقاتل الحسينية -۲۳

الحمد لله رب العالمين، وأشرف الصلوات على المصطفى سيّد المرسلين، وعلى آله الميامين.
إذا كان في الاشياء تقدم وتأخر، أو تقديم وتأخير، فإنّ العلم مقدّم على العمل، والمعرفة متقدمة على الحديث والبيان. هكذا تفهمنا روايات اهل البيت النبوي الشريف:
فقد جاء في احدى وصايا رسول الله صلى الله عليه وآله قوله: إذا عملت عملاً فاعمل بعلم وعقل، واياك وأن تعمل عملاً بغير تدبير وعلم؛ فإنه جلّ جلاله يقول: «ولا تكونوا كالتي نقضت غزْلها من بعد قوّة ٍ أنكاثا»، وقوله صلى الله عليه وآله: من عمل على غير علم، كان ما يفسده أكثر مما يُصلح. ألا وإنّ العالم من يعمل بالعلم وإن كان قليل العمل. وأثر عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: العلم رُشد لمن عمل به.
أجل، فقبل أن يُحاط القلم بقبضة اليد ومسكة أصابعها، ينبغي أن يُحاط بالعلم والمعرفة والتريّث والدقّة، وحسن التحقيق ودقة البيان، وتلك كانت بعض مزايا المقتل الحسيني الشريف الذي كتبه السيّد علي بن جعفر بن موسى بن طاووس رضوان الله عليه، والمسمى بـ"الملهوف على قتلى الطفوف".
إنّ امتيازات المؤلَّف، هي من امتيازات المؤلِف كذلك خصائص الكتاب، مكتسبة من خصائص الكاتب. والسيّد ابن طاووس رحمه الله كان أحد العلماء من أهل المعنى والمعرفة، كما كان من الفضلاء المضطلعين في علوم كثيرة أتقنها وأجاد فيها، حتى كان له إجماع العلماء على سموّ مكانته العلمية، وعلوّ ملكاته العقلية والروحية، فأثنى عليه كلُّ من تأخر عنه، وأطروه بالعلم والفضيلة والتقى والنُّسك ِ والكرامة، والوثاقة والزهد والجلالة، والورع والعدالة. فلم يكتب إلا ّ عن علم واطلاع واطمئنان، وعن بصيرةٍ وتحقيق وإدراك، فهذا السيد كان أورع من أن ينتقل كلّ ما روي على غير هدى ولا علم، وأتقى من أن يترك الاخبار على علاتها من دون تمحيص وفحص وتنقيب واستخلاص علمي دقيق.
لذا جاء كتاب "مقتل الحسين عليه الصلاة والسلام" للسيد ابن طاووس، والموسوم بـ" الملهوف على قتلى الطفوف" في اوثق ما كتب من المقاتل الشريفة؛ وذلك لانسيابية ما جاء فيه وفق العقيدة الاسلامية الصحيحة، ولتناغم هذا المؤلف مع الحقائق الشيعية الحقّة والافكار الامامية السليمة، لان كاتبه رجل عالم كبير، وناقد خبير، فكتب "المقتل" هذا خالي عن الاشكالات العقائدية وملابساتها المتسربة عن بعض المرويات والاخبار الغريبة الهجينة، فجاء كتاب "الملهوف على قتلى الطفوف" منسجماً مع العقائد الامامية من جهة، والوقائع التاريخية المؤكدة من جهة ثانية، وذلك يعود الى انّ المؤلف كان عالماً في العقيدة، كما كان عالماً في التاريخ.
لاهمية موضوع "مقتل سيد الشهداء ابي عبد الله الحسين سلام الله عليه"، ولفضيلة المقتل الذي كتبه السيد ابن طاووس رحمه الله، وهو "الملهوف على قتلى الطفوف"، توجه الاهتمام:
اولاً: - الى نشرـ هذا الكتاب من خلال طبعه، وقراءته في المراسم الحسينية وشعائرها.
وثانياً: - الى مراجعته ـ وتحقيقه، فكان للاستاذ المرحوم عبد الزهراء عثمان محمد بذل جهد في هذا المضمار، اثمر عن اعداد للكتاب وتوثيقه بالمصادر، وتوشيحه بالهوامش والتعليقات التحقيقية حسب ما أرتآه من خلال دراساته في السيرة والتاريخ، وخرج الكتاب في حلته الجديدة سنة 1419 هجرية مزيناً بالملاحق، ومثبتاً بالمصادر، ومبيناً بالعناوين الاصلية والفرعية في ثلاثة مسالك:
الاول: في الامور المتقدمة على القتال.
والثاني: في وصف حال القتال.
والثالث: في الامور المتأخرة عن قتل الحسين (عليه السلام) تقدمها المحقق بمقدمة قرابة عشرين صفحة حول سيرة السيد رضي الدين ابن طاووس (المولود سنة 589 والمتوفى سنة 664هـ ) رضوان الله تعالى عليه.
وكان قد سبق الاستاذ عبد الزهراء عثمان محمد في تحقيق كتاب "الملهوف، على قتلى الطفوف"، المرحوم الشيخ فارس الحسون، حيث نشر الكتاب هذا في طبعته الثانية سنة 1417 هجري بتحقيق علمي جديد، مع مقدمة فاخرة، سماها بـ"البيانات التي ظهرت بعد شهادة الامام الحسين (عليه السلام)"، ذكر فيها على نحو تفصيلي عناوين الايات الكونية، والتقلبات الطبيعية التي حدثت اثر قتل سيّد شباب اهل الجنة موثقة بعشرات المصادر السنية، من تكلم رأس الحسين وهو على الرمح بالقرآن وغيره، الى وجدان الدم العبيط تحت كل حجر الى احمرار السماء كالعلقة، وتلطخ الحيطان بالدم، وظلمة الدنيا ثلاثة ايام، وانكساف الشمس حتى بدت الكواكب نصف النهار، واسوداد السماء وسقوط التراب الاحمر وغير ذلك من الظواهر الكونية الرهيبة الغريبة، اضافة الى نوح الجن، والعثور على حجر مكتوب ومخطوط على جدران دير تشير الى فاجعة الطف العظمى، وغير ذلك من الوقائع العجيبة التي حدثت، ومنها صور الانتقام الالهي من قتلة الحسين واهل بيته وأصحابه. كل ذلك دوّنه فضيلة الشيخ فارس الحسون نقلا ً عن اوثق كتب العامة. بعد ذلك عرّف (رحمه الله) باول من كتبوا في "المقتل الحسيني" الى زمن السيد ابن طاووس، فجاء بثلاثة وثلاثين عنواناً معروفاً من كتبه، الحق بذلك قرابة عشرين صفحة في التعريف بشخصية السيد ابن طاووس رحمه الله وقدس سره، لا سيما الجانب العلمي المعرفي منها، ذاكراً بعد ذلك خمسين شخصية علمائية كتبت في السيد ابن طاووس، مشيراً الى كتبهم والصفحات التي ذكروا المؤلف ابن طاووس فيها وقبل دخوله في عرض الكتاب وتحقيقه كتب عنواناً (حول الكتاب) في نسبته الى المؤلف وأسمائه التي عرفت وأشير اليها، وفي النسخ الخطية المتوفرة منه، وطبعاته وترجماته، واخيراً في عمله التحقيقي في الكتاب. ثم دخل الى متن الكتاب على ثلاثة ـ مسالك ايضاً: ما قبل القتال، وعنده، وما بعده.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة