البث المباشر

إباء الذل في إحتجاجات سيد الشهداء عليه السلام

الثلاثاء 28 مايو 2019 - 14:34 بتوقيت طهران

سلام من الله عليكم أيها الإخوة والأخوات ورحمة منه وبركات..
معكم بتوفيق الله في حلقة أخرى من هذا البرنامج هي الخامسة عشر تتمحور فقراتها حول عنصر (إباء الذل) في احتجاجات سيد الشهداء وقيامه المقدس – صلوات الله عليه -..
يشاركنا في لقاء اليوم مشكوراً سماحة إبراهيم الحجاب االباحث الإسلامي من السعودية، تابعونا مشكورين..
"اللهم إنك أيدت دينك في كل أوان بإمام أقمته علماً لعبادك، ومناراً في بلادك، بعد أن وصلت حبله بحبلك، وجعلته الذريعة الى رضوانك، وافترضت طاعته وحذرت معصيته وأمرت بامتثال أمره، والإنتهاء عن نهيه، وألا يتقدمه متقدم، ولا يتأخر عنه متأخر، فهو عصمة اللائذين وكهف المؤمنين وعروة المستمسكين وبهاء العالمين"
إخوتنا الأعزة المؤمنين.. كان هذا مقطعاً من دعاء الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام في يوم عرفة، يشير الى أن الأئمة خلفاء رسول الله صلى الله عليه وآله هم مقامون من قبل الله تبارك وتعالى، والغاية من ذلك أن يكونوا أعلاماً للعباد كل العباد، ومناراً في البلاد كل البلاد، إذ هم المتلقون عن الله، لذا فهم حجج الله، والسبيل الى مرضاة الله، ومن هنا – أيها الإخوة الأكارم – وجبت طاعتهم، كما حرمت معصيتهم، لأنهم الآمرون بما يأمر به الله، والناهون عما ينهى عنه الله، عزوجل..
ومن هنا – أيها الإخوة الأفاضل – أمر الله بطاعتهم وحذر من معصيتهم، كذلك أمر بامتثال أوامرهم، والإنتهاء عن نواهيهم، وألا يتقدمهم متقدم، أو يتأخر عنهم متأخر، لماذا؟ تجيبنا على ذلك الزيارة الجامعة الكبيرة عن لسان الإمام الهادي سلام الله عليه: "فَالرّاغِبُ عَنْكُمْ مارِقٌ، وَاللاّزِمُ لَكُمْ لاحِقٌ، وَالْمُقَصِّرُ فى حَقِّكُمْ زاهِقٌ، وَالْحَقُّ مَعَكُمْ وَفيكُمْ وَمِنْكُمْ وَاِلَيْكُمْ".. أجل، كذلك تجيبنا على ذلك الصلوات الشعبانية عن لسان الإمام السجاد عليه السلام: "أللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ شَجَرَةِ النُّبُوَّةِ، ومَوْضِعِ الرِّسَالَةِ ومُخْتَلَفِ المَلائِكَةِ، وَمَعْدِنِ العِلْمِ، وأهْلِ بَيْتِ الوَحْيِ".
"أللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ الفُلْكِ الجَارِيَةِ في اللُّجَجِ الغَامِرَةِ، يَأْمَنُ مَنْ رَكِبَها ويَغْرَقُ مَنْ تَرَكَها، المُتَقَدِّمُ لَهُم مارِقٌ والمُتَأخِّرُ عَنهُم زَاهِقٌ واللاَّزِمُ لَهُم لاحِقٌ.
أللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ الكَهْفِ الحَصِينِ وغِيَاثِ المُضطَّرِّ المُسْتَكينِ، ومَلْجَأِ الهَارِبِينَ وعِصْمَةِ المُعْتَصِمِينَ".
هُم هم – أيها الإخوة الأعزة – الى سبيل الله يرشدون، وعليه يدلون، حيث أمرهم رشد، وشأنهم الحق والصدق والرفق، وقولهم حكم وحتم، ورأيهم علم وحلم وحزم.. وقد حزم الإمام الحسين صلوات الله عليه أمراً بالخروج، فتقدمت عليه آراء، وكأنها احتجاجات ملتمسة منه البقاء في المدينة، أو التنحي الى جهة بعيدة عنها، أو كلب المسالمة مع سلطة بني أمية!
فأبى عليه السلام وهو الأبي، ولكنه أشفق على المرتئين، فاحتج عليهم مرفقاً، وكان معهم معلماً وحليماً وحازماً.
أجل مستمعينا الأفاضل، لقد كان (إباء الذل) عنصراً أساسياً في احتجاجات سيد الشهداء – صلوات الله عليه – على من طالبه بمبايعة الطاغية يزيد، ولهذا الأمر دلالات مهمة في حفظ شعلة الإباء الإيماني حية تشكل مناراً يهدي الأجيال الى مصداق المنطوق القرآني بأن العزة هي لله وللمؤمنين.
عن هذا الموضوع يحدثنا مشكوراً في الدقائق التالية ضيفنا الكريم سماحة الشيخ ابراهيم الحجاب الباحث الاسلامي من السعودية، نستمع معاً.
الحجاب: بسم الله الرحمن الرحيم السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين وعلى الدماء السائلات من نحر الحسين. من الصفات البارزة عند الحسين سلام الله عليه إباء الذل وكان يلقب بأبي الضيم وهذا اللقب لقب به عليه السلام بأبي هو وأمي وهو من اعظم ألقابه شيوعاً وانتشاراً بين الناس، فقد كان المثل الأعلى في الإباء. هو الذي رفع شعار الكرامة الانسانية ورسم طريق الشرف والعزة فلن يخضع أبداً للذل، أبى أن يعيش إلا عزيزاً ولقد قال الشاعر عبد العزيز بن نباتة الشعبي:

والحسين الذي رأى الموت للعز

حياة والعيش في الذل قتالاً

نلاحظ هذه الأبيات التي قالها الشاعر يبين كيف رأى العز سلام الله عليه والعز هو عكس الذل وعكس الضيم. فلقد علم أبو الأحرار الناس نبل الإباء ونبل التضحية ويقول فيه مصعب بن زبير "وإختار الميتتة الكريمة على الحياة الذميمة". فقد كانت كلماته سلام الله عليه يوم الطف من الكلمات العظيمة التي تبين الإعتزاز بالنفس وتبين معنى العزة والكرامة. ولقد سجل التاريخ تلك العبارات الرنانة العظيمة حيث يقول "وإن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السلة والذلة هيهات منا الذلة يأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت وأنوف حنية ونفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام". ووقف بأبي هو وأمي كالجبل الصامد غير حافل بتلك الوحوش الكاسرة من جيوش الردة الأموية. ونلاحظ أن الكلمات التي ألقاها وهو يقول "والله لاأعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولاأفر فرار العبيد"، هذه كلمات مشرقة الأضواء على مدى ما يحمله الامام العظيم من الكرامة والعزة. لقد بين بعض الشعراء وصور لنا هذه الظاهرة الكريمة التي يحملها الامام الحسين سلام الله عليه وتعتبر من أثمن ما دونته مصادر الأدب العربي. قد بين شاعر أهل البيت السيد حيدر الحلي رضوان الله عليه في الكثير من روائعه الخالدة معنى الإباء عند الحسين سلام الله عليه، ومن أهم ما قاله:

طمعت أن تسومه القوم ضيماً

وأبى الله والحسام صنيع

الى أن قال:

كيف يلوي على الدنية جيداً

ليس والله ما لواه الخضوع

وايضاً بين السيد حيدر في رائعته والتي دائماً تقال في اليوم العاشر من شهر محرم الحرام عندما يقول في أبياته الغراء الرائعة، يقول:

وشامته يركب إحدى إثنتين

وقد صرت الحرب أسنانها

فإما يرى مذعناً او تموت

نفس أبى العز إذعانها

فقال لها إعتصمي بالإباء

ونفس الأبي وما زانها

اذ لم تجد غير لباس الهوان

فبالموت تنزع جثمانها

رأى القتل صبراً شعار الكرام

وفخراً يزين لها شانها

تشمر للحرب في معرك

ذي عرك الموت فرسانها


بهذا الإباء الامام الحسين سلام الله عليه أثبت لكل الدنيا بأن الانسان لابد أن يعيش عزيزاً، بهذا الإباء علم القادة الذين يسعون الى العزة والكرامة فعلن غاندي حيث قالها ولم يجعلها في قلبه، قالها امام الملأ "تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً وانتصر". بتلك الدماء الزكية التي أريقت على رمضاء كربلاء بين لنا الامام الحسين سلام الله عليه معنى الإباء ومعنى الصمود. فسلام الله عليه يوم رفع راية الحق وسلام الله عليه يوم يكون شافعاً لنا ونكون من احبابه وأنصاره معه في جنان الخلد والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جزيل الشكر نقدمه لضيف هذه الحلقة من برنامج الاحتتجاجات الحسينية سماحة الشيخ ابراهيم الحجاب الباحث الاسلامي من السعودية ونتابع تقديمها من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران بعرض نماذج من الروايات المبينة لموضوعها الأساس وهو عنصر إباء الذل في إحتجاجات سيد الشهداء صلوات الله عليه.
أيها الإخوة الأماجد.. أصابت محمد بن الحنفية أخا الإمام الحسين عليه السلام، قروح في عينيه، فلم يستطيع الخروج، لكنه لم يستطيع أن ينظر الى الركب الحسيني وهو مفارق مدينة رسول الله، فنادى بالحسين: يا أخي، أنت أحب الناس إلي، وأعزهم علي.. أنت أحق بها، تنح ببيعتك يزيد عن الأمصار ما استطعت، ثم ابعث برسلك الى الناس، فإن بايعوك حمدت الله على ذلك، وإن اجتمعوا على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولاعقلك، ولم تذهب مروءتك ولا فضلك..
وأخذ ابن الحنفية يقترح ملجأً، فأشفق عليه الحسين قائلاً له:
"يا أخي، لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية.. يا أخي جزاك الله خيرا".. ثم أودعه عليه السلام وصيته الشريفة، مختومة بقوله: "فمن قبلني بقبول الحق، فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين".
وكبر خروج الحسين صلوات الله عليه على نساء بني عبدالمطلب، فاجتمعن للنياحة والبكاء، فمشى إليهن الحسين وسكتهن، وقال لهن: "أنشدكن الله أن تبدين هذا الأمر معصية لله ولرسوله"، ثم عرف بعضهن أنه أمر جار وقضاء محتوم.
وفي (مثير الأحزان) روى ابن نما الحلي، وفي (اللهوف) روى السيد ابن طاووس، وكذلك الشيخ الصدوق في أماليه، أن عبدالله بن عمر طلب من الحسين عليه السلام البقاء في المدينة، فأبى الحسين وأنبأه قائلاً له: "إن من هوان الدنيا على الله أن رأس يحيى بن زكريا يهدى الى بغي من بغايا بني إسرائيل، وأن رأسي يهدى الى بغي من بغايا بني أمية!.. إتق الله يا أباعبدالرحمن، ولا تدعن نصرتي".
هذا، فيما اقترح قيس بن الأشعث رأياً يريد به الغدر، طالباً من الإمام الحسين عليه السلام أن يبايع الفاسق يزيد، فكان جواب الحسيني الإحتجاجي الحازم:
"لا والله، لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفر فرار العبيد.. أعوذ بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب!"
هكذا روى البلاذري في (أنساب الأشراف)، فيما روى الطبري في (تاريخه) أن الحسين سلام الله عليه كتب إلى أهل مكة يلقي الحجة عليهم:
"أما بعد، فإن الله اصطفى محمداً صلى الله عليه وآله من خلقه، وأكرمه بنبوته، واختاره لرسالته، ثم قبضه إليه وقد نصح لعباده، وبلّغ ما أرسل به. وكنا أهله وأولياءه وأوصياءه وورثته، وأحق الناس بمقامه في الناس، فاستأثر علينا قومنا بذلك، فرضينا، وكرهنا الفرقة وأحببنا العافية (أي للمسلمين)، ونحن نعلم أنا أحق بذلك الحق المستحق علينا ممن تولاه. وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب، وأنا أدعوكم الى كتاب الله وسنة نبيه؛ فإن السنة قد أميتت، والبدعة قد أحييت، فإن تسمعوا قولي الى سبيل الرشاد".
نعم – إخوتنا الأحبة – وفي منطقة (شراف) يوم التقى جيش الحر الرياحي بالركب الحسيني الشريف، وخطب أبوعبدالله عليه السلام موبخاً أصحاب الحر، قائلاً لهم ومذكراً إياهم: "وكان رأيكم الآن على غير ما أتتني به كتبكم انصرفت عنكم".
قال الحر: ما أدري ما هذه الكتب التي تذكرها. فأمر الحسين عليه السلام عقبة بن سمعان فأخرج خرجين مملوءين كتباً. عندها قال الحر: إني لست من هؤلاء، وإني أمرت ألا أفارقك إذا لقيتك حتى أقدمك الكوفة! فقال له الحسين – صلوات الله عليه – راداً عليه بحزم: "الموت أدنى إليك من ذلك"، ثم أمر – عليه السلام – أصحابه بالركوب لمواصلة السير، فحال الحر بينهم وبين الإنصراف، فقال له الحسين: "ثكلتك أمك! ما تريد منا؟!" قال الحر: والله ما لي الى ذكر أمك من سبيل، إلا بأحسن ما نقدر عليه، ولكن خذ طريقاً نصفاً بيننا، لا يدخلك الكوفة ولا يردك الى المدينة، حتى أكتب الى ابن زياد، فلعل الله يرزقني العافية، ولا يبتليني بشيء من أمرك.
ثم قال الحر للحسين: إني أذكرك الله في نفسك، فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلن!
فأجابه الإمام الحسين بقوله: "أفبالموت تخوفني؟! وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني! وسأقول ما قال أخو الأوس لإبن عمه وهو يريد نصرة رسول الله صلى الله عليه وآله:

سأمضي وما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى حقاً، وجاهد مسلما

وواسى الرجال الصالحين بنفسه

وفارق مثبوراً، وخالف مجرما

فإن عشت لم أندم، وإن مت لم ألم

كفى بك ذلاً أن تعيش وترغما!


وفي (مقتل الحسين عليه السلام) للخوارزمي الحنفي، أن أبا الهرم سأل الحسين: يا ابن رسول الله، ما الذي أخرجك عن حرم جدك؟ فأجابه الإمام بالحجة والإخبار:
"يا أبا هرم! إن بني أمية شتموا عرضي فصبرت، وأخذوا مالي فصبرت، وطلبوا دمي فهربت. وأيم الله ليقتلوني، فيلبسهم الله ذلاً شاملاً، وسيفاً قاطعاً، ويسلط عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من قوم سبأ.. ".
أجل، فالإمام الحسين خرج وقد كيدت له المكيدة باغتياله، وقد أعدت له سيوف الغدر فنهض يخبر ويأمر وينهى، ويقيم ملحمة طف كربلاء يقارع بها الظالمين والمفسدين والمنافقين، على مدى القرون والسنين، حجة حسينية قائمة على طول الزمان وعرضه، وعلى طول الأرض وعرضها، لأنها حجة إلهية بالغة، ما زالت ولا تزال ولن تزول تحاجج وتنتصر بالحق، فتعلى راية الحق.
يبقى أيها الإخوة والأخوات أن نلخص النتيجة والدرس المحوري الذي نستفيده من الفقرات المتقدمة، فقد اتضح أن احتجاجات سيد الأباة والشهداء – عليه السلام – خلدت للمسلمين بل ولكل الأحرار في العالم مناراً حياً وخالداً يهديهم الى حياة العزة والكرامة الإيمانية ويحذرهم من عواقب الرضا بالذل الذي لم يرتضه الله للمؤمنين الصادقين.
وختاماً نشكركم مستمعينا الأطائب على طيب الإستماع للحلقة الخامسة عشر من برنامجكم (الإحتجاجات الحسينية) من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران.. دمتم سالمين وفي أمان الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة