البث المباشر

صلح الحديبية ۲

الإثنين 18 مارس 2019 - 11:25 بتوقيت طهران

الحلقة 78

 

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله والصلاة والسلام على حامل وحيه محمد المصطفى وآله الهداة الابرار مستمعينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته واهلاً بكم الى برنامج القصص الحق.
ايها الاحبة في هذه الحلقة من البرنامج نواصل الحديث حول قصة صلح الحديبية التي ذكرت في سورة الفتح الاية ۲۷. فتابعونا ايها الكرام ضمن الفقرات التالية:
• بداية ننصت خاشعين الى تلاوة هذه الاية.
• ثم نتعرف على معاني المفردات وأهمّ النقاط التي تشير اليها الاية. 
• نستمع الى اجابة سماحة السيد عبدالسلام زين العابدين الاستاذ في العلوم القرآنية.
• لنستمع بعد ذلك الى سرد الحكاية.
• نقدم لكم رواية عن الامام الصادق(عليه السلام) في آثار صلح الحديبية 
• ومسك الختام مع باقة من الدروس والعبر المستفادة من هذه الحكاية القرآنية.
• فأهلاً ومرحبا بكم الى فقرات هذا اللقاء.

المقدمة

إستكمالاً للحديث في اللقاء الماضي ترسم هذه الآية جانباً آخر من جوانب قصة الحديبيّة المهمة، فبعد أن رأى النبي(صلى الله عليه وآله) في عالم الرؤيا الصادقة أنه يدخل مكة مع أصحابه لأداء مناسك العمرة، حدّث أصحابه عن رؤياه فسروّا جميعاً، غير أن جماعة من أصحابه كانوا يتصورون أن تعبير الرؤيا سيتحقق في تلك السنة ذاتها لذلك لما منعهم المشركون من الدخول الى مكة أصابهم الشك والتردد.. ترى هل من الممكن أن تكون رؤيا النبي غير صادقة؟ ألم يكن من المقرر أن نعتمر هذا العام؟ فأين هذا الوعد؟ وأين صارت هذه الرؤيا الرحمانية فكان جوانب النبي لهم هو ما مضمونه: هل قلت لكم إن هذه الرؤيا ستتحقق هذا العام؟ فنزلت الآية الآنفة في هذا الصدد والنبي عائد من الحديبية الى المدينة وأكدت أن هذه الرؤيا كانت صادقة ولابدّ أنها كائنة.
نستمع معاً الى تلاوة الاية المباركة الـ ۲۷ من سورة الفتح ونعود الى حضراتكم.

التلاوة

"لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً ".

المفردات

تقول الآية: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ) مفردة «صدق» فعل ماض قد يستوفي مفعولين كما هي الحال في الآية الآنفة.
«فرسوله» مفعولٌ به أوّل «والرؤيا» مفعول ثان، وقد يستوفي هذا الفعل مفعولاً واحداً يتعدّى إلى المفعول الثاني ب حرف «في» كقولك «صدقته في حديثه» اذن جاءت الآية لتؤكد أنما رآه النبي في المنام كان حقاً وصدقاً ثمّ تضيف الآية قائلة: "لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا" وكان في هذا التأخير حكمة: "فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً".
التعبير بـ "مِن دُونِ ذَلِكَ" إما بمعنى قبل ذلك، أي قبل أداء العمرة يفتح الله عليكم فتحاً قريباً في السنة المقبلة، أو بمعنى غير ذلك أي سينال المؤمنون فتحاً قريباً غير زيارة بيت الله والعمرة أيضاً.
على كل في الآية الكريمة عدة ملاحظات تلفت النظر.
اولاً: ينبغي الإلتفات إلى ان «اللام» في "لَتَدْخُلُنَّ" هي لام القسم، وأن «النون» في آخر الفعل هي للتوكيد، بأن هذا هو وعدٌ إلهي قطعي في المستقبل وتنبؤ معجز صريح عن أداء المناسك والعمرة في كامل الأمان ومنتهى الطمأنينة كان هذا التوقع والتنبؤ صادقاً في شهر ذي القعدة ذاته من السنة المقبلة، وهكذا أدّى المسلمون مناسك العمرة بالصورة التي ذكرتها الآية مسبقاً.
ثانياً: عبارة (إِن شَاء اللَّهُ) هنا لعلها نوعٌ من تعليم العباد لكي يعوّلوا على مشيئة الله عند الإخبار عن المستقبل وأن لاينسوا إرادة الله، وأن لايجدوا أنفسهم غير محتاجين أو مستقلين عنه، وربما هي إشارة للظروف التي يهيؤها الله لهذا التوفيق اي «توفيق الله المسلمين لزيارة بيته في المستقبل القريب» والبقاء على خط التوحيد والسكينة والتقوى.
كما يمكن أن تكون إشارة إلى بعض المسلمين الذين تنتهي أعمارهم في هذه الفترة ولايوفقون إلى زيارة بيت الله، والجمع بين هذه المعاني كلها لا مانع منه 
ثالثاً: التعبير بـ"فَتْحاً قَرِيباً" كما يعتقد كثير من المفسرين هو إشارة الى صلح الحديبية الذي عبر عنه القرآن بالفتح المبين، ونعرف أن هذا الفتح كان السبيل الى دخول المسجد الحرام في السنة التالية.
في حين أنّ جماعة آخرين يعتقدون أنّ "فَتْحاً قَرِيباً" إشارة إلى فتح خيبر.
وبالطبع فإن كلمة (قريب) فيها تناسب اكثر مع (فتح خيبر) لأنه كان (تحققه العيني) بعد هذه الرؤيا في فترة أقل زمناً من فتح مكة ثمّ بعد هذا فإنّ القرآن يقول في الآية ۱۸ من هذه السورة ذاتها عند الكلام على بيعة الرضوان: "فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً".
رابعاً: قوله تعالى "مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ" إشارة الى واحد من مناسك العمرة وآدابها وهو «التقصير» و به ثخرج المحرم من إحرامه وقد استدلّ بعضهم بالآية في التخيير عند الخروج من الإحرام بين التقصير في تقليم الأظفار والحلق، لأنّ الجمع بينهما ليس واجباً قطعاً.
خامساً: قوله تعالى "فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا" إشارة إلى مسائل مهمّة مطوية في صلح الحديبيّة وقد انكشفت بمرور الزمن– إذ قويت قواعد الإسلام وانتشر صوته وترامت أصداؤه في كلّ مكان وطويت نزعة الحرب عند المسلمين واستطاعوا أن يفتحوا«خيبر» دون ان يخشوا من نصرة المشركين لليهود، وارسلوا المبلغين إلى أطراف الجزيرة العربية وبعث النبي(صلى الله عليه وآله) رسائله إلى أعاظم رؤوساء الدول آنذاك، فهذه مسائل كان الفرد المسلم لايعرفها لكنّ الله كان يعلمها.
سادساً: نواجه في هذه الآية الكريمة موضوع الرؤيا، وهي رؤيا النبي (صلى الله عليه وآله) الصادقة التي تعدّ(غصناً من غصون) الوحي وهي مشابهة لقصّة رؤيا ابراهيم(عليه السلام) وذبح ولده اسماعيل الواردة في سورة الصافات الآية ۱۰۲.
سابعا: الآية محلّ البحث واحدة من المسائل الغيبية التي أخبر عنها القرآن، وهي شاهدٌ على أنّ هذا الكتاب سماوىّ وأنه من معاجز النبي الكريم حيث يخبر قاطعاً عن أداء مناسك العمرة ودخول المسجد الحرام في المستقبل القريب وعن الفتح القريب قبله أيضاً، وكما نعلم أن هذين التنبؤين قد حدثا فعلاً.

*******

زين العابدين: بسم الله الرحمن الرحيم طبعاً في هذه الاية المباركة في سورة الفتح الاية الثامنة عشرة "لقد رضي الله عن المؤمنين اذا يباعونك تحت الشجرة علم مافي قلوبهم فأنزل السكينة عليهم واثابهم فتحاً قريباً ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عليماً حكيماً" يبدو بحسب السياق المقصود هنا الفتح هو فتح خيبر لأن الصلح صلح الحديبية كان نصراً رائعاً للمسلمين وان يتوجهوا الى خيبر والى يهود خيبر لأنهم نقضوا العهود فجاء فتح خيبر بعد ان رجع المسلمون من صلح الحديبية، مكث رسول الله صلى الله عليه واله في المدينة عشرون ليلة يعني عشرون يوماً ثم خرج الى خيبر فهذا هو الفتح القريب هو فتح خيبر لأن صلح الحديبية كما قلنا هو الفتح المبين لأن صلح الحديبية وفر ظروف رائعة للمسلمين وظروف ملائمة حينما كسرت جبهة كبيرة من جبهات الاعداء من خلال الصلح من جبهة قريش وتفرغ النبي صلى الله عليه واله الى اليهود الذين كانوا يتآمرون على الدولة الاسلامية الفتية رغم العهود التي كانت بينهم وبين النبي صلى الله عليه واله ولهذا الفتح القريب بحسب السياق هو فتح خيبر لأنه جاء مباشرة بعد صلح الحديبية، الفتح المبين هو صلح الحديبية الذي يسر للمسلمين الطريق لفتح خيبر ثم بعد ذلك يسر الطريق لفتح مكة ولهذا اعتبر صلح الحديبية فتحاً مبيناً هو الذي جاء بالفتح القريب وهو فتح خيبر الذي قلنا بعد ان رجع النبي بعدما بقي في المدينة عشرون ليلة فتوجه الى خيبر وتحقق ذلك الفتح القريب على ايدي امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام كما نعلم بأجماع المؤرخين الذي ذهب وقال له رسول الله "سأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار لايرجع حتى يفتح الله على يديه" قبل امير المؤمنين ذهب احد الصحابة فرجع يجبن اصحابه ويجبنونه ثم ذهب في اليوم الاخر صحابي اخر، قائد جيش معين فرجع يجبن اصحابه ويجبنونه فغضب رسول الله صلى الله عليه واله وقال قولته المشهورة "سأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار لايرجع حتى يفتح الله على يديه" وقلع امير المؤمنين باب خيبر كما يقول ابن ابي الحديد:
ياقالع الباب الذي عن هزه عجزت اكف اربعون واربع 
ماذا اقول سميدع حاشا لمثلك ان يقال سميدع 
فالفتح القريب بحسب السياق هو قريب من صلح الحديبية وهو فتح خيبر يعني انتصر المسلمون على اليهود بعد ان نقضوا العهود، طبعاً بعضهم قال الفتح القريب هو فتح مكة، صحيح فتح مكة من جملة التمهيدات التي هي من بركات صلح الحديبية ولكن الفتح القريب هنا بحسب السياق هو فتح خيبر وليس فتح مكة. 
يرى جماعة من المفسرين ان عبارة "فَتْحاً قَرِيباً" إشارة الى صلح الحديبية وآخرون يرون انه يقصد منه فتح خيبر ما هو الرأي الصائب في هذا المجال الذي يتناسب مع الأجواء والحقيقة؟ نستمع للإجابة عن هذا السؤال من خلال الاتصال الهاتفي التالي بخبير اللقاء سماحة السيد عبد السلام زين العابدين الاستاذ في العلوم القرانية من مدينة قم المقدسة.

*******

القصة الحديبية ۲

وصل بنا المقام في الحلقة الماضية الي انه تم عقد الصلح بين الطرفين وكان من موادّه أن يغض المسلمون النظر عن موضوع العمرة لذلك العام وأن يأتوا في العام القادم الى مكّة شريطة أن لايمكثوا في مكّة أكثر من ثلاثة أيّام وأن لايحملوا سلاحاً غير سلاح السفر. 
وكان مؤدّى هذه المعاهدة وما يتضمّنه عقد الصلح بالنحو التالي:
«قال النّبي لعلي(عليه السلام) أكتب: بسم الله الرحمن الرحيم: فقال سهيل بن عمرو الذي كان سفير المشركين لاأعرف هذه العبارة بل ليُكتبْ بسمِكَ اللّهمّ! فقال النّبي لعلي أكتب: بسمك اللّهمّ، ثمّ قال النّبي لعلي أكتبْ: هذا ما صالح عليه محمّد رسول الله سهيل بن عمرو، فقال سهيل: لو كنّا نعرفك رسول الله لما حاربناك فاكتب اسمك واسم أبيك فحسب. فقال النبيّ: لا مانع من ذلك أكتب هذا ما صالح عليه محمّد بن عبد الله سهيل بن عمرو أن يترك القتال عشر سنين ليجد الناس مأمنهم ثانية، وإضافة إلى ذلك من يأتِ محمّداً من قريش مسلماً دون إذن ولّه فيجب إعادته الى أهله ومن جاء قريشاً من أصحاب محمّد فلايجب إعادته إلى محمّد!
والجميع أحرار فمن شاء دخل في عهد محمّد ومن شاء دخل في عهد قريش! ويتعهّد الطرفان أن لايخون كلّ منهما(صاحبه) الآخرَ وأن يحترم ماله ونفسه!ثمّ بعد هذا ليس لمحمّد هذا العام أن يدخل مكّة، لكن في العام المُقبل تخرج قريش من مكّة لثلاثة أيّام ويأتي محمّد وأصحابه إلى مكّة على أن لايمكثوا فيها أكثر من ثلاثة أيّام ويؤدّوامناسك العمرة ثمّ يعودوا إلى أهلهم شريطة أن لايحملوا معهم سلاحاً سوى السيف الذي هو من عُدة السفر وأن يكون في الغمد وشهد على هذه المعاهدة جماعة من المسلمين وجماعة من المشركين وأملى المعاهدة علي بن أبي طالب(عليه السلام)».
وهنا أمر النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن تنحر الإبل التي جيء بها مع المسلمين وأن يحلق المسلمون رؤوسهم وأن يتحلّلوا من احرامهم!لكن هذا الأمر كان على بعض المسلمين عسيراً للغاية وغير مستساغ أيضاً.. لأنّ التحلل من الإحرام في نظرهم دون أداء العمرة غير ممكن!! لكنّ النّبي تقدّم بنفسه ونحر«هديه» وتحلّل من إحرامه وأشعرَ المسلمين أنّ هذا«استثناءٌ» في قانون الإحرام أمر به الله سبحانه نبيّه!ولمّا رأى المسلمون ذلك من نبيّهم اذعنوا للأمر الواقع ونفذوا أمر النّبي بدقة وعزموا على التوجّه نحو المدينة من هناك، غير أنّه كان بعضهم يحسّ كأنّ جبلاً من الهم والحزن يجثم على صدره لأنّ ظاهر القضية أنّ هذا السفر كان غير موفّق بل مجموعة من الهزائم! لكنّ مثل هذا وأمثاله لم يعلموا ما ينطوي وراء صلح الحديبية من انتصارات للمسلمين ولمستقبل الإسلام. وفي ذلك الحين نزلت سورة الفتح وأعطت للنبي الكريم بشرى كبرى بالفتح المبين.

من هدى الائمة _عليه السلام_

إعتبرت هذه السورة الصلح فتحاً... فقد دخل في الإسلام بعد هذا الصلح أكثر مما دخل فيه من بداية الدعوة حتى صلح الحديبية... ومهّد هذا الصلح الظروف لفتح مكة، قال الإمام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام) فما انقضت تلك المدّة حتى كاد الإسلام يستولي على أهل مكة.

دروس وعبر

*تؤكد الاية المباركة ان رؤيا الانبياء(عليهم السلام) هي رؤيا صادقة وستتحقق لا ريب فيها.*إن إخبار القرآن الكريم المسلمين انهم سيدخلون المسجد الحرام آمنين هو إخبارٌ عن الغيب الذي قد تحقق بالفعل ما يشير الى جانب من إعجاز القران الكريم.*بالرغم من ان صاحب الرؤيا هو النبي(صل الله عليه وآله) إلا أنه يجب أن لاننسى ان ارادة الله هي فوق كل الأمور، بمعنى ان تحقق الرؤيا لا يتم إلا بإرادة الله عزوجل لذلك جاء في الآية(إِن شَاء اللَّهُ).*نجد في صلح الحديبية ان المسلمين كانوا يرغبون في دخول مكة في ذلك العام دون صلح الله يعلم النتائج التي يحققها الصلح الذي مهّد للمسلمين الظروف لتحقيق النصر والغلبة.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة