البث المباشر

بهلول بن عمر الكوفي الصيرفي

الأربعاء 13 فبراير 2019 - 11:21 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- مع الصادقين: الحلقة 272

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
ومن الذين هم في جمهرة الصادقين واحد المدافعين عن الايمان والحق او المواجهين لاعداء الحق هو البهلول والذي اشتهر عنه انه البهلول المجنون، هذا العنوان اشتهر به عدة‌ اشخاص كالشاعر زيد المجنون او فلان المجنون ومنهم بهلول المجنون ولطالما ذكر هذا الرجل في المحافل والمخاطبات وعلى المنابر واصبح مثلاً سائداً يستشهد به في مختلف المناسبات، يعني لا اعتقد ان احداً منا لم يسمع بأسم هذا الرجل، فمن هو البهلول وما هي وضعيته وموقعه وهل هو مجنون حقاً ام انه اعقل من آلاف العقلاء؟ 
هو في الواقع من الصادقين، من طلائع الصادقين، اسمه بهلول بن عمر الكوفي الصيرفي كما ورد في ترجمته، يبدو انه اشتغل بالصيرفة في مقطع من مقاطع عمره، قال عنه المترجمون انه ممن ثبت فضله وجلاله وعلو رتبته وخصوصاً حينما تذكر في مجالس المؤمنين مقاماته ومناظراته مع اعداء الدين وروي انه كان من اصحاب الامام الصادق(ع) وان الامام الصادق امره بالتظاهر بحالة الجنون من اجل الافلات من سطوة الطغاة والقتلة حتى قيل ان هارون الرشيد كان يسعى في قتل الامام الكاظم(ع) فأستفتى بعض العلماء في استباحة دم الامام بدعوى ان الامام خارج عن القانون وطاعة ولي الامر والتآمر عليه وهذه ذرائع الطغاة دائماً تستعمل كحجة، احد الذين استفتاهم الرشيد هو البهلول فتظاهر البهلول هنا بعد ان وقع في حرج تظاهر بعدم الاتزان او شبه الجنون لانقاذ نفسه من هذه المحرقة، قالوا عنه انه كان مقبولاً عند كل الطبقات ومرضياً عنه حتى ان الرشيد اراد ان يعين للناس قاضياً فأستشار لصقائه، اقترح الكل عليه اسناد القضاء الى بهلول - يبدو الجميع يتحدون على سلامته- فعلاً استدعاه الرشيد واحضره وقال له اعنا على عملنا فقال له البهلول بأي شئ اعينك؟ 
قال بعمل القضاء فقال البهلول انا لا اصلح للقضاء، قال له الرشيد كيف وقد اطبق اهل بغداد على انتخابك وانك اصلح الناس له، فقال البهلول مازحاً وبنفس الوقت متملصاً، متخلصاً سبحان الله انا اعرف بنفسي من الناس فأن قبلت مني بأني صادق فهذا حجة عليك بأعفائي وان كذبتني واعتبرتني كاذب فالكاذب لايصلح للقضاء، وطبعاً هذا جواب جداً ماهر، فني وفعلاً افلت، لكن رغم متانة الرد الرشيد الح والح عليه فقال امهلوني ليلتين وبعدها تظاهر بالجنون فأشتهر ببهلول المجنون. روي انه كان يمر راكباً فرسه ويصرخ بالناس خلو الطريق لا يطئكم فرسي فقال الناس ان بهلول جن الا ان الرشيد ادرك النكتة فكان يعلق ويقول ما جنّ البهلول ولكن فرّ بدينه منا، سبحان الله هذا اقرار، يقول، هذا الكلام للرشيد ما جن البهلول ولكنه فر بدينه منا واخبار البهلول وتاريخ حياته تدل على انه كان شديد المودة لآل البيت ومحباً لهم عن بصيرة وتمعن فأنه لازم الامام الصادق والامام الكاظم وحتى ان روى عنه صاحب المجالس عن الشيخ الاجل محمد بن جرير الطبري ان البهلول كان ماراً في بعض ازقة‌ البصرة فرأى جماعة مسرعين مهتمين بمشيهم فقال لرجل منهم، هؤلاء البهائم الشاردون بلا راعي الى أين يذهبون فأجاب الرجل مازحاً، اجابه البهلول مازحاً يطلبون الماء والكلاء‌ فقال له البهلول كيف ذلك مع قلة الحمى والمنع الشديد والله لقد كان العلف رخيصاً كثيراً ولكنهم احرقوها بالنار ثم انشأ يقول:

برئت الى الله من ظالم

لسبط النبي ابي القاسم

ودنت الهي بحب الوصي

وحب الرسول ابي فاطم

وذلك حرز من النائبات

ومن كل متهم غاشم

بهم ارتجي الفوز يوم المعاد

وأأمن من نقمة الحاكم

فلما سمع القوم شعره رجعوا اليه وقالوا له انهم ذاهبون الى قصر الوالي على البصرة‌ محمد بن سليمان عم الرشيد ليحضروا ندوة ويشهدوا المناظرات العلمية فطلبوا اليه مصاحبتهم لمجادلة بعض العلماء الذين حضروا هناك فأعتذر البهلول قائلاً ان مجادلة العاصي توجب جرأته على العصيان، وتوقع اصحاب البصيرة في الشبهة وانا لا احضر ولا ارى جدوى في حضوري وافترق عنهم لكنهم لما ذهبوا الى الوالي اخبروه انه كنا في طريقنا وتكلم بهذه الابيات فأمر الوالي بأحضاره واصر على احضاره ولما حضر احتج عليه الوالي وكذلك عمر بن عطار والذي كان من وعاظ السلاطين على اعراضه عن الحضور الى مجلسهم فأجاب البهلول بجرأة ‌وجدية ان الله نهاني عن مجالستكم فقال عز من قائل واذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره، وانما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين وافلت منهم بهلول وخرج.
وللبهلول نكات جميلة ‌وطبعاً لا يسعني وقت البرنامج بأن اذكر بعضاً منها، ذكروا عنه ان احد وزراء الرشيد قال له امام الناس ذات يوم يا بهلول ان الامير ولاك على الخنازير والذئاب فردّ بسرعة قال للوزير اذن الزم نفسك كي لا تخرج عن طاعتي فضحك الناس بشدة وخجل الوزير واحرج ذات يوم بسؤال امام الناس يبدو قيل له يا بهلول نحن متحيرون في مسألة تقول ان هناك رواية ان يوم القيامة يؤتى بميزان فتوضع في كفة منه اعمال الخلائق كلهم وفي الكفة الثانية توضع اعمال فلان وفلان يعني رجلين فترجح اعمال فلان وفلان يعني الكفة التي فيها اعمال الرجلين على الكفة التي فيها اعمال الخلائق فما هو رأيك ؟ تأمل ثم قال العيب في الميزان، الميزان فيه عطل ويحتاج الى صيانة ‌وتصليح وذات يوم مر على جماعة يتذاكرون فرووا حديثاً لام المؤمنين انها قالت لو شخصت ليلة القدر ما سألت ربي فيها الا العفو والعافية ‌فصاح البهلول نسيتم نصف دعائي فيها قالوا وما هو قال والظفر بعلي ابن ابي طالب. 
على اي حال هذا شيء بسيط عن حياة هذا الرجل المجاهد ولمن يريد المزيد من اخباره يمكنه مراجعة‌ كتب التراجم حديثه وترجمته طويلة وجميلة وغنية بالمآثر والحكمة، توفي البهلول عام 190هـ ودفن ببغداد وقبره مشهور وقد اوصى ان تكتب على قبره بيتان من نظمه وهي من خيرة الابيات:

يا من تمتع بالدنيا وزينتها

ولاتنام عن اللذات عيناه

شغلت نفسك فيما لست

تدركه ماذا تقول لريك حين تلقاه

نسأل الله له الرحمة‌ والرضوان والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة