البث المباشر

فن عمارة المآذن والقباب الاسلامي

الأحد 3 فبراير 2019 - 12:37 بتوقيت طهران

الحلقة 240

كان بلال بن الرباح يؤذن في المدينة المنورة من اعلى سطح مجاور المسجد، ثم كان اتخاذ المآذن اولاً في دمشق ثم كان استعمال الحجر او الطوب في بناء المآذن يتوقف على مادة البناء المستعملة في الاقليم، ففي الاندلس استخدم الحجر في بلاد العرب والشام وآسيا الصغرى وبلاد الجزيرة، واستعمل الطوب في العراق وغلب ايضاً في ايران وافغانستان، وفي الهند كان بناء المآذن من الحجر والطوب على السواء.
والثابت ان المآذن الاولى كانت ابراجاً مربعة ثم انتقل هذا الطراز السوري في بناء المآذن الى سائر انحاء العالم الاسلامي ولا سيما بلاد الجزيرة ومصر والمغرب والاندلس، ثم اتيح له البقاء في غرب العالم الاسلامي وما يزال هذا الطراز سائداً فيه اضافة الى وجوده في الشام وفي بعض اجزاء بلاد المسلمين، واقدمها في المغرب مأذنة جامع سيدي عقبة في القيروان وهي برج مربع ضخم يضيق قليلاً كلما ارتفع وتعلوه شرفات وطابقان، اما في مصر فقد عرف الطرز المختلفة من المآذن حتى ليمكن اعتبار القاهرة معرضاً لمعظم انواع المآذن التي شهدتها العمارة الاسلامية واقدم ما في مصر من هذه الانواع مأذنة جامع ابن طولون وهي تقع في الرواق الخارجي ولا تكاد تتصل بسائر بناء الجامع وتتألف من قاعدة مربعة تقوم عليها طبقة اسطوانية عليها اخرى مثمنة ومراقبها من الخارج على شكل مدرج حلزوني وليس لهذه المآذن نظير الا في المسجد الجامع وفي مسجد ابي دلف في سامراء، ونشأت في مصر في النصف الثاني من القرن الثامن الهجري منارات ذات رؤوس مزدوجة ومن امثلتها مأذنة الغوري في الجامع الازهر، امتازت هذه المأذنة بتلبيس القاشاني في دورتها الثانية، وكان لبعض المساجد الكبيرة في مصر مأذنتان كما في جامع الحاكم وجامع المؤيد. وكانت في ايران معظمها مثمنة الشكل ثم غلبت المآذن الاسطوانية منذ القرن الخامس الهجري وغدت تجمل بالزخارف الهندسيه وكانت المأذنة الايرانية دقيقة الاطراف قليلاً وتنتهي في اعلاها بدرهة تقوم على مقرنصات تكسبها شكل الكنار كما في عمارة مزار السيدة‌ فاطمة بنت الامام الكاظم (عليه السلام) في مدينة قم وتختلف المآذن الايرانية عن سائر المآذن الشامية والمصرية والمغربية في انها لا طبقات لها ولا نوافذ، اما الهند فقد ظلت المساجد تشيد فيها بغير مآذن مدة طويلة ثم شاع استعمال المآذن منذ القرن التاسع الهجري وسار الهنود على نهج الايرانيين في ترتيبها مزدوجة بحيث يكون للمسجد مآذنتان يحفان بمدخله وكانت المآذن الهندية في غالب الاحيان اسطوانية تضيق كلما ارتفعت وتزينها شرفات وتضليعات ومن اجمل المآذن الهندية القديمة قطب منار في مسجد قوة الاسلام بمدينة دلهي القديمة.
والعقود هي مجالاً آخراً من مجالات فن العمارة الاسلامي التراثي، والعقود او اقواس المداخل انواع شتى، اشهرها ما كان على هيئة حدوة الفرس كما هو الحال في الاندلس وبلاد المغرب، ومنها كذلك العقد المخموس ويتألف من قوس دائري وهو يشبه عقد حدوة الفرس غير انه مدبب الرأس وكثر استعماله ايضاً في المغرب والاندلس، وعرف الفن الاسلامي العقد ذا الفصوص الذي يتكون من سلسلة عقود صغيرة ‌او اقواس متتالية وكان الاقبال عليه كبيراً في بلاد المغرب ايضاً، اما العقد المزين باطنه بالمقرنصات فقد ذاع في الاندلس ولا سيما في قصر الحمراء وفي بلاد المغرب، وكان الاقبال في ايران على عقد مدبب مرتفع منه امثلة بديعة في مسجد الشاه في اصفهان فما استعمل هذا العقد في بعض العمائر المصرية.
ومن مظاهر العمارة الاسلامية المقرنصات او الدللايات وهي حليات معمارية تشبه خلايا النحل وترى في العمائر مدللات في طبقات مصفوفة بعضها فوق بعض وتستعمل للزخرفة المعمارية او للدرج من شكل الى آخر ولا سيما من السطح المربع الى سطح دائري تقوم عليه القباب. ويظهر ان بدأ استعمال المقرنصات في العمارة الاسلامية يعود الى القرن الخامس الهجري، ثم اقبل المسلمون على استخدامها كثيراً حتى صارت من اظهر مزايا العمارة الاسلامية في واجهات المساجد والمآذن وتحت القباب وفي تيجان الاعمدة وفي السقف الخشبية وبلغ استعمال المقرنصات اوسع مداه في قصر الحمراء بغرناطة.
وكان الاصل في المقرنصات الطاقة المفردة في ركن كل حجرة مربعة يراد ان يبنى فوقها رقبة قبة مستديرة او مثمنة ثم تطورت المقرنصات بمضاعفة هذه الطاقات، وقد ظلت المقرنصات عنصراً رئيساً في العمائر الاسلامية حتى العصر الحديث. اما الاعمدة والتيجان في العمارة الاسلامية فقد عرف الفن الاسلامي في البداية الاعمدة التي كانت تنقل من المعابد والعمائر المخربة،‌ ثم اتخذ المسلمون اعمدة وتيجان من مبتكراتهم فعرفوا الاعمدة ذات البدن الاسطواني وذات البدن المضلع تضليعاً حلزونياً وذات البدن المثمن الشكل وعرفوا من تيجان الاعمدة نوعاً بصلي الشكل واخرى تتضمن صفاً من الوريقات النباتية الجميلة كما عرفوا تيجاناً من المقرنصات واخرى على هيئة الناقوس، وكانت تيجان الاعمدة يتصل بعضها ببعض عند بدء العقود بروابط خشبية متينة وكثيراً ما كانت الاعمدة تتمنطق بحزام او حزامين. وفي ايران استعملت اعمدة من الخشب المذهب ابدانها مضلعة ومزينة بمرايا مقطوعة على هيئة معينات، من ذلك ما نراه في قصر جهل ستون بأصفهان وكان المهندسون في بعض الاحيان يتجنبون استعمال الاعمدة فيقيمون السقف على اكتاف من البناء كما في جامع ابن طولون وكانت الاعمدة الرخامية تستخدم احياناً في سمك الجدران كأربطة لها، ومن امثلتها ما نراه في اسوار القاهرة وابوابها وما في جامع الصالح طلائع وجامع الظاهر بيبرس، وكانت ايران تعنى بأستعمال الاكتاف في العمارة اكثر من سائر اقاليم العالم الاسلامي.
وانتشرت ظاهرة القباب في العالم الاسلامي، وكانت على انواع شتى ولعل ابدع القباب الاسلامية موجودة في مصر وسوريا ويرجع اقدمها الى العصر الفاطمي وفي العصر الايوبي زادت الزخارف الجصية في قواعد القباب وامتازت القباب المصرية بأرتفاعها وتناصف ابعادها وبما على سطحها الخارجي من زخارف جميلة يمكن رؤيتها من مسافة بعيدة، وعمد المهندسون في عصر المماليك البحرية الى زيارة ارتفاع القبة عن طريق رفع رقبة القبة التي تقوم عليها ، ومن انواع القباب القباب نصف الكروية المضلعة والبيضوية بل انهم عرفوا قبة كبيرة تنتهي في اعلاها بمنور فوقه مثمنة تحمل قبة ‌صغيرة مضلعة، تلك هي قبة الشيخ عبدالله المنوخي ذي الظرافة الشرقية في القاهرة وترجع الى القرن السابع او الثامن بعد الهجرة.
وعرفت مصر القباب الخشبية ولعل اجملها قبة الامام الشافعي التي انشأت سنة ‌٦۰۸ للهجرة وهي قبة خشبية مكسوة بالرصاص وتميزت بأبداع زخارفها وبالشرفات المسناة في خارجها.
ولم يكن تجميل القباب يقف عند نقشها من الداخل وتغطية قطبها وجوانبها بالزخارف والكتابات الكوفية بل كانت تكسى رقبة القبة او تكسى كل القبة بالقاشاني كما كان سطحها يغطى في كثير من الاحيان بشبكة من الزخارف النباتية الانيقة، اما في بلاد المغرب فقد كانت القباب في معظمها نصف كروية تقريباً ولم تكن فيها زخارف خارجية الا في القليل النادر والواقع ان تشييد القباب في المغرب لم يشهد اقبالاً كبيراً وقد عرفت الجزائر نوعاً من القباب البيضوية الشكل وكان معظم القباب في ايران بيضوية او بصلية، تغطى بلوحات من القاشاني البراق وينسب الى سمرقند نوع من القباب ذو رقبة طويلة وله غطاءان فيبدو تكوير القبة من الداخل من عقد شباك الرقبة اما من الخارج قباب على مسافة كبيرة من عقب الشباك المذكور، وكانت قباب الطراز العثماني على شكل نصف كرة غير كامل كما كانت هناك في معظم الاحيان قبة رئيسية تحيط بها قباب صغيرة او انصاف قباب.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة