البث المباشر

أزمة العقل الغربي

الأحد 3 فبراير 2019 - 12:37 بتوقيت طهران

الحلقة 239

في هذا اللقاء ندخل في بعض قضايا الانسان، الانسان يحتل في الرؤية الاسلامية موقعاً كريماً عالياً عذا به اغلى الكائنات واكرم الموجودات لا يكون حديثنا الان عن الانسان في الرؤية الاسلامية بل سننظر اليه كما تصوره المناهج الغربية وما جر هذا التصور على الانسان من ويلات ودمار، فما هي هذه الرؤية الغربية للانسان؟
ان اخطر مفاهيم الفكر الغربي هي النظرة الى الانسان بمفهوم مادي وهذه ازمة ما تزال قائمة، وما تزال تزداد تأزماً تحت تأثير الفلسفات المادية ومدرسة التحليل النفسي الفرويدي وعلم اجتماع الدوغايني، لقد طرح الفكر الغربي بعد ان تخلى تماماً عن الدين ايدولوجيات مختلفة ما تتزال تتصارع، ديمقراطية، ليبرالية، ماركسية، وجودية، نفعية، نازية، فرويدية، هيبية، وما يزال هذا الفكر يتلقى الموجات الواحدة بعد الاخرى وقد عجز الفلاسفة عن الوصول الى الضوء الكاشف لانهم تجاهلوا النفس الانسانية والوحي والتوحيد والايمان بالبعث والجزاء.
لاريب ان ازمة الانسان الغربي المعاصر هي ازمة فكر وخلق ذلك ان مذاهب التحلل والاباحة قد استطاعت ان تنفخ في الدعوة ‌الى الحرية بغير ضوابط والى الاخلاق والقيم بغير ثبات، والى ازدراء الغيب والقيم المتصلة بالدين، وعمدت هذه المذاهب الاباحية المتحللة الى تغطية كل هذه المناطق الفارغة والناقصة من الفكر بمفاهيم بشرية مادية وصلت الى حد التضخم والصراع متصلة بحركات الوجوديين والهيبيين والتي عرفتها اوروبا في السنوات الاخيرة بصورة‌ عاصفة تصدر عن التمزق النفسي وعن القلق الاجتماعي، ولا ريب ايضاً ان مصدر ذلك كله هو اعلاء العلم المادي والعقل التجريبي وفقدان التوازن الانساني السوي بين العقل والقلب والروح والمادة والنفس والجسم، وانحراف البشرية عن الدين الالهي الحق وعن قيمه واخلاقه، وبناء نهج من الفكر البشري القاصر الذي ما يزال يضطرم بالاضطراب والفساد والتبدل والاضافة والحذف، دون ان يحقق شيئاً من الطمأنينة للمجتمع او السكينة للنفس.
يمر الفكر الغربي الان بمرحلة الانحلال والفساد بعد ان قطع اكثر من اربعمئة عام، مر خلالها بمراحل التكوين والقوة والتمزق ثم الانحلال، وهو في هذه المرحلة الاخيرة له سمات اربعة هي التجزيئية والشك والاباحة والتشاؤم، ونستطيع ان نقول ان التجزيئية هي مصدر الاخطار كلها، ذلك ان ابرز سمات الفكر الغربي التي هي نفسها اكبر مكاتبه وابرز عوامل اضطرابه هي فصل القيم والعزل عن اقامة‌ الترابط بينها واعلاء واحدة من هذه القيم اعلاءاً شاملاً مما جعل هذا الفكر ورجاله عاجزين عن الانتقال الى التوسط او الجمع والتكامل بين القيم. اجل لقد مر الفكر الغربي بمرحلتين منفصلتين تماماً وعجز عن الجمع بينهما وهما مرحلة الثبات المطلق او الوجدان الاعلى او المرحلة المثالية ثم انتقل بعنف الى مرحلة التحول المطلق او المادية العالية او مرحلة التحلل الكامل، تحت اسم الحرية ونسبية الاخلاق والتصور، فكيف تم هذا التحول من المثالية الصارمة الى المادية المستعلية.
نعم، مر الفكر الغربي بالمرحلتين تباعاً دون ان يفطن الى التكامل بينهم، ذهب الى اقصى اليمين ثم ذهب الى اقصى اليسار، وجد هذا الفكر الازمة الخانقة في المرحلة الاولى‌ عندما اعلا شأن الروح وبلغ اقصى درجات الرهبانية والزهادة والانصراف عن الحياة والعزوف عن التزوج والعمل والارتزاق واثر الاعتكاف في الاديرة، وكانت تلك هي ازمته الاولى، ثم لم يلبث الفكر الغربي ان انتقل الى النقيض فآثر المتعة والحسيات واعلا شأن الجنس والاباحة واللذة وبلغ كذلك اقصى مدى، وانكر انكاراً عنيفاً كلما يتعلق بالروح او الوجدان او ماوراء الكون وانكر الخالق تبارك وتعالى والرسالات والوحي والدين عامة، وتلك ازمته القائمة الان في اخطر مراحلها، هنا مصدر الخطر ومصدر الانحراف ذلك ان هذه الايدولوجية المادية الصرفة انما تقوم على انكار جذر عميق الاثر في النفس الانسانية وهو العقيدة والروح والعالم الداخلي وعالم الغيب كله، هذا العالم الذي اختفى تماماً في الكفر الغربي واتى بالشك والقلق والتمزق والتدمير النفسي فقد رفعت الايدولوجية التلمودية‌ المعاول لتهديمه وتدميره فكرياً بالفلسفات وعملياً بالاباحة فتحطم في الغرب الانسان، وما من شك ان العالم العقائدي الروحي المعنوي كامن في عمق الكينونة البشرية ولا سبيل الى الغاءه او انكارة، ومما شك ايضاً ان هذه الحملة المستمرة مصطنعة ومضادة لطبيعة الانسان والمعاكسة للفطرة سوف تنفجر يوماً ما لانها تحاول ان تقتل كائناً حياً نابضاً في كيان كل انسان هذا الكائن الذي لا يمكن ابداً الغاءه او تجاهله.
الكفر الغربي حاول ان يطرح هذه القضية في افق الفكر الاسلامي لكن الفكر الاسلامي بطبيعته فكر انساني الطابع الهي المصدر قائم على الفطرة التي فطر الله الناس عليها لا تبديل لخلق الله، فهو متكامل يفيض بالرحمة والطمأنينة والسكينة والسماح والسلام ولا يقبل التبديلية ولا التشاؤم اذ انه يقوم على توازن القيم وانسجامها ولا يفترض ان كان قيام جزء منها دون جزء آخر، ومن نقطة التجزئة هذه سقط الفكر الغربي في ازمة مادية عن طريق اعلاء العلم وتقديس العقل ومن ثم انكاره لجوانب اخرى من الحياة والنفس غير المادة والعقل، وكان لهذا الانحراف اثره فقد عمت ظاهرة التشاؤم في وجدانه وفكره كله ووسمته بسمة الملل والتمزق والتمرد والصراع والخوف من الموت والرغبة في اعتصار الحياة وانكار الاخرة والجزاء وهكذا سادت ظاهرة التشاؤم ايدولوجية النظام الغربي بكل ابعادها ومظاهرها في الاداب والفنون والفلسفة والاخلاق والسيادة.
المفكرون المتشائمون في الغرب صاروا يشنون هجمات هستيرية على كل فكر يؤمن بالتصور الانساني، من هذا كانت الوجودية والهيبية آخر صيحات الفلسفة التشائمية ويرد كثير من الباحثين هذه الظاهرة من التشاؤم الى القول بالخطيئة التي تطارد كل انسان في الغرب واذا كان لنا ان نتعمق في هذه الظاهرة وان نبحث عن خلفياتها فأننا نجدها ترجع الى الايدولوجية التلمودية التي استطاعت في هذا الوقت من تاريخ العالم ان تحتوي الفكر الغربي بشطريه وان تسيطر عليه وتوجهه الى غاياتها، والايدولوجية التلمودية هي فكر وفلسفة ونهج حياة معارض تمام المعارضة للفكر الاسلامي ذي المصدر الالهي الذي جاءت به رسالات السماء.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة