البث المباشر

مصادر الفكر الغربي

الأحد 3 فبراير 2019 - 12:34 بتوقيت طهران

الحلقة 235

اجمع الباحثون في تاريخ الفكر البشري وفلسفته على ان الفكر الغربي يقوم على ثلاثة مصادر هي الادب اليوناني والفكر الروماني والتفسيرات المسيحية كما عرفها الغرب، وحين جاءت النهضة الاوروبية في القرن الخامس عشر الميلادي كانت قد حدثت مرحله انقطاع بين سقوط الدولة الرومانية سنة ٤٥۰ ميلادي وبين النهضة لا تقل عن الف عام، كان قد جاء خلالها الاسلام الذي اشرق ضوءه على آسيا وآفريقيا وامتد الى اوروبا حين دخل الاندلس عام ۷۱۲ ميلادي، وانطلق منها الى جنوب فرنسا وايطاليا واستمر وجوده بها حتى اجلي عن غرناطة سنة ۱٤۹۲ للميلاد، وقد وجدت النهضة الغربية بعد نزول الدين المسيحي بخمسة عشر قرناً وبعد نزول الاسلام ببضعة قرون وكانت معطيات الاسلام فكره وعلمه ومفاهيمه قد دخلت اوروبا مع دخول الاسلام وقيام جامعات قرطبة واشبيلية وطليطلة وغرناطة.
مما لا ريب فيه ان الفكر الغربي اعتمد على التراث اليوناني في مجال الادب والفن وعلى الفكر الاسلامي في مجال العلم والعلوم الاجتماعية وعلى المسيحية في مجال الاخلاق والسلوك ثم كانت هناك ظاهرتان هامتان احدثتا تغيراً شاملاً في الاتجاه، هاتان الظاهرتان هما الاستعمار والحضارة وهما من منتجات العلوم التي مكنت اوروبا من انشاء العلوم الميكانيكية والبحث عن الخامات واسواق الانتاج، ومع الاستعمار انتج العلم وسائل الرفاهية والترف المادي في اساليب العيش وصحب ذلك كله فلسفة جديدة تقوم على‌ الاستعلاء بالعنصر الابيض الاوروبي صانع الحضارة وسيد الاجناس الملونة وصاحب الحق في السيطرة عليها، من هنا بدأ ذلك المنحى الخطر في الفكر الغربي الذي اعتمد اعتماداً كلياً على مفاهيم الحضارة الرومانية في الاستعمار ومفاهيم الفلسفة اليونانية في اسلوب العيش فجمع بين نظرية العبودية الرومانية في سيطرته على البلدان ونظرية الاباحية في اسلوب العيش.
وكانت منتجات العلم الاولى التي صدرت عن المنهج التجريبي الاسلامي قد اسيء استخدامها في الغرب فكانت اكبر عامل في تقويض نظرية التدين الغربي ذلك ان العلم والعقل قد استعلى كل منهما حتى لم يفسح مجالاً لاي قوة اخرى موجة. وكانت اليهودية التلمودية وراء ذلك التحول الخطير وتلك الحملة الضخمة على الدين وعلى الكنيسة، من هنا احتضنت اراء داروين وينتشة وشكلت فلسفة جديدة مادية خالصة ظلت تنمو وتضطرد حتى سيطرت تماماً على الفكر الغربي الان واحتوته بعدد من النظريات الاساسية، ترى ما هي هذه النظريات؟
هذه النظريات التي هيمنت على الفكر في الغرب وطبعته بطابعها تتمثل:

اولاً: في نظرية ماركس في تفسير التاريخ مادياً التي وجدت قبولاً حتى في غير البيئات الشيوعية، والتي تكاد تصبغ كل وجهات النظر في الفن والادب والفكر ولا تقف عند الاقتصاد وحده.
النظرية الثانية: هي نظرية فرويد في التفسير الجنسي في التاريخ والحياة وتعد الان من دعامات الفكر الغربي بحيث سيطرت على القصة والفن والنفس والاخلاق.
اما ثالثة النظريات: التي سيطرت على الفكر الغربي فهي نظريات المدرسة الاجتماعية الفرنسية دوركاين وليغي بربل والتي ادت الى تحطم فطرية الدين والاسرة والفردية واعلت شأن الجماعية على نحو مادي خالص ينكر وجود الدين والوحي وضحت بالاسرة في سبيل القضاء على‌ الجماعة كلها، وقد استطاع الفكر التلمودي الوثني الاباحي المادي ان يستقطب عدداً كبيراً من الباحثين والفلاسفة من غير اليهود ببناء قاعدته الفكرية، كان في مقدمتهم اسبينسر وهيكلي ورنانس ووليتر وراسل وقد استطاع هذا الفكر ان يشق طريقه الى الحد الذي ادى الى استيعابه الفكر الغربي كله واحتواءه.
الواقع ان الخلاف بين المذهب الفردي الليبرالي والمذهب الجماعي الماركسي انما هو اختلاف اقتصادي، ذلك ان المذهب الفردي رأسمالي له نظمه الطليقة في مجال الاقتصاد اما المذهب الجماعي فهو ماركسي له نظريته القائمة على تملك الدولة كل وسائل الانتاج، بيد ان المتعمق في النظرية يرى ان المذهبين قائمان على اساس واحد هو الاساس المادي الصرف وان الماركسية ليست الا رد فعل الى الرأسمالية ومنشقة عنها، فهي فكر غربي ايضاً جاء نتيجة بعض التحديات والظروف الخاصة بالعلاقة بين اصحاب رأس المال والعاملين وقد اوشكت نظرية التفسير المادي للتاريخ ان تكون اساساً للرأسمالية والماركسية على‌ السواء، وان كان الغرب لا يعتمدها وحدها بل يضيف اليها تفسيراً نفسياً ويعد فرويد مفكراً‌ ليبرالياً خالصاً اتخذت نظريته اساساً لدعم المجتمع الغربي الليبرالي، كذلك اعتمد الغرب على نظرية داروين في القول بتنازع البقاء وبقاء الاصلح واتخذها لتبرير استعمار الشعوب، ومن داروين خرجت على ايدي هربرت سبينسل نظريات التطور الاجتماعي المطلق التي هي اساس في المذهبين معاً.
ومن الفكر الغربي ايضاً ظهرت نظرية العنصرية ثم تجلت في الدعوة الجرمانية التي حملتها المانيا وكانت مقدمة الدعوة الى فكرة شعب الله المختار والعنصرية اليهودية ومن ثم بدأ الصدام بين العنصرية اليهودية والعنصرية الجرمانية، ومن الفكر الغربي كذلك نشأت فكرة القوميات الضيقة التي مزقت اوروبا على اثر الثورة الفرنسية الى قوميات تستعلي بالعنصر وتصارع العنصريات الاخرى، وتولدت من هذا الفكر المادي الاستعلائي الدعوة العالمية التي تعتمد على سيطرة اصحاب التقدم المادي والفكر الغالب على الامم المستعمرة والمستضعفة وصهرها في داخل فكرها والقضاء على مقوماتها الاصيلة.
اما غلبة الطابع المادي على الفكر الغربي فأنها واضحة منذ دعا بنتام الى مذهب المنفعة الذي كانت له امتداداته في ميادين السياسة والاقتصاد والاخلاق وارتفعت في الغرب صيحات ثلاث اللقمة التي نادى بها ماركس والجنس الذي دعا اليه فرويد والعنصر الذي تحمس له جوبنيو، وحاولت هذه الصيحات السيطرة‌ على الحياة سيطرة تامة، ونقل هذا التحول كله الفكر الغربي الى دائرة مغلقة هي الدائرة المادية الوثنية، حتى قال عنها محمد اقبال ان اوروبا اليوم هي اكبر عائق للرقي الاخلاقي عند الانسان ويقول جورود انه لم يزل سائداً في عقلية انجلترا منذ قرون شره المالك والتملك، ويرى جون جانتز ان الانجليز انما يعبدون بنك انجلترا ستة ايام في الاسبوع ويتوجهون الى الكنيسة في اليوم السابع، هذا وقد اكد غير واحد ان الفلسفة التي ازدهرت في جو من الانحلال الديني في الغرب فعلاً هي فلسفة المنفعة وكان من نتيجتها انهيار الاخلاق تحت سيطرة الاتجاه الوثني المادي.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة