البث المباشر

الادب العرفاني والشعر الصوفي

الأربعاء 16 يناير 2019 - 10:02 بتوقيت طهران

الحلقة 42

المذيعة: بسم الله الرحمن الرحيم. اعزاءنا المستمعين في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نحييكم ونرحب بكم اجمل ترحيب في برنامجكم دراسات مقارنة في الادب الفارسي والاداب الاخرى الذي يكتبه ويشرف على تقديمه الدكتور عباس العباسي وهو كالعادة حاضر معنا ابقاه الله في الاستوديو، اهلاً ومرحباً بكم دكتور.
الخبير: اهلاً وسهلاً بكم ومرحباً.
المذيعة: مستمعينا الاحبة زخر الادب الفارسي والادب العربي بالروائع الشعرية العرفانية وقد جاء هذا الفيض بعد موجة المجون واللهو في البيئات المترفة، اما البيئات الشعبية العامة فلم تكن تعرف الترف ولا ما يستتبعه من الخمر والمجون انما كانت تستقوي على قسوة الحياة وشغفها بتقوى الله والاستماع الى الوعاظ والمساجد وما يدعون اليه من الزهد في الحياة ومتاعها الزائل وما عندالله من نعيم وثواب في الدار الاخرة، وكانت العامة تنشغف بهم مغذية مشاعرها وعواطفها ومن هؤلاء الوعاظ ابو عثمان الصابوني شيخ الاسلام بنيسابور في القرن الرابع والخامس الهجريين، معنا خبير البرنامج لنناقش معه هذا الموضوع، دكتور كيف نشأ الشعر الصوفي او ما يقال الشعر العرفاني؟
الخبير: بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين.
طبعاً هذا حديث ذو شجون، حديث الادب العرفاني والشعر الصوفي، في الادب العربي انا لم ار استخدام كلمة الادب العرفاني بل يقولون الادب الصوفي ويقصدون به الادب العرفاني، في ايران ترفعاً للادب الصوفي ويبدو ان الصوفي هو سالك الطريق والعارف الواصل للطريق فلذلك انا ارى الادب العرفاني لجمل وافضل واليق لهذه المناسبة، الادب الصوفي له تاريخ طويل من تطوره ونحن في هذه العجالة لا نستطيع ان نلم بكثير منه ونسأل الله ان يوفقنا ان نعد برامج اخرى او حلقات اخرى لهذا الغرض يعني الادب العرفاني، طبيعي لمل ذكرتيه من تلك الموجة من المجون واللهو والترف وكثرة الغناء والموسيقي والرقص في ذلك الوقت، في القرون الاولى يعني الثاني والثالث الهجريين وحتى القرن الرابع كان هناك كثير من هذه المظاهر لذلك ظهرت صفوة من الناس كانوا يريدون ان يقولوا للناس ما هذه الدنيا بدار فانية ولا تستحق ان تلوثوا انفسكم وتلوثوا الطبيعة والحياة بهذه الانحرافات فطبيعي نشأ مع هذا الوعظ وذلك الزهد يعني الشعر الزهدي حتى على السنة الوعاظ والفقهاء والنساك فمثلاً هذا ابوالفرج الساوي واعظ يقول حين توفي السلطان فخر الدولة البويهي، يبدو هذا في القرن الخامس الهجري:

هي الدنيا تقول بملأ فيها حذار

حذار من بطشي وفتك

فلا يغرركم حسن ابتسام

فقول مضحك والفعل مبك

بفخر الدولة اعتبروا فاني

اخذت الملك منه بسيف هلك

ايضاً لدينا نماذج اخرى لاسيما في كتاب اليتيمة للثعالبي، هناك شاعر يسمى ابا محمد اسماعيل بن محمد الدهان يقول بعد ان اب الى الله وتاب، يبدو انه كان يمدح الامراء وقد قصد الحج وقبر رسول الله(ص) يقول:

اتبتك راجلاً وودت اني ملكت سواد عيني

امتطيه ومالي لا اسير على المافي

الى قبر رسول الله فيه.
المذيعة: دكتور كيف تطور شعر الزهد الى التصوف؟
الخبير: قلنا ان الفقهاء والمحدثون تعاطوا الشعر الزهدي مثلاً لدينا الامام الغزالي يقول اشعاراً زهدية ولكنه نزع فيها منزع الصوفية يقول وهذه صورة من الشعر العرفاني الصوفي:

سقمي في الحب عافيتي

ووجودي في الهوى عدمي

يعني انا ان مرضت في طريق الحب فهذا يدل على عافيتي وعلى صدق حبي واما انني موجود وكائن واضح فهذا يدل على انني لست موجوداً وان افنيت في الهوى فذلك وجودي يعني يجب عليّ ان افنى في سبيل هذا الحب.

سقمي في الحب عافيتي

ووجودي في الهوى عدمي

وعذاب يرتضون به

في فمي احلى من النغم

ما الضر في محبتكم

عندنا والله من الم

ايضاً هنا لدينا عالم كبير من علماء التفسير والحديث وعلم الكلام وعلم الاوائل وعلم التشريع والتفسير وهو الفخر الرازي كان يعظ الناس باللغتين الفارسية والعربية وكان عند الوعظ يصاب بالوجد فيكثر من البكاء يقول:

نهاية اقدام العقول عقال

واكثر سعي العالمين ضلال

الصوفيون يعتقدون ان الحب في القلب ليس في العقل، يقول ابو سعيد ابوالخير بالفارسية:

بشوى اوراق اگر همدرس مايى

كه درس عشق در دفتر

يعني الحب لا يسجل بقلم، الحب في القلب.

نهاية اقدام العقول عقال

واكثر سعي العالمين ضلال

وارواحنا في وحشة من جسومنا

وحاصل دنيانا اذىً ووبال

ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا

سوى ان جمعنا فيه قيل وقالوا

المذيعة: دكتور من هم المتصوفة البارزون؟
الخبير: سيدتي في الحقيقة تمييز الصوفي البارز العارف البارز من غير البارز في هذا المجال الخصب صعب جداً ولكننا هنا نشير الى ابي القاسم القشيري هذا الرجل كان عارفاً وهو صاحب كتاب "الرسالة القشيرية" في العرفان والتصوف والقشيري كان يجمع بين الشريعة والحقيقة، لان اشير ان الشريعة هي الدين الاسلامي والتعبد والعمل بالشريعة كاملاً اما الحقيقة فهي العرفان والتصوف فلدينا حقيقة وشريعة وهما متصلات ببعض لا ينفكان ابداً، يقول هذا الشاعر الصوفي:

واذ سقيت من المحبة جرعة

القيت من فرط الخمار خماري

كم تبت قصداً ثم لاح عذاره

فخلعت من ذاك العذار عذاري

طبعاً هنا جناس موجود بين الخمار والخمار الاول بضم الخاء يريد يعني بقية السكر بالحب الالهي والخمار طبعاً الحجاب، كذلك كلمة عذار تكررت في مكانين، العذار يعني الوجه الجميل والعذار ايضاً النقاب فهو يريد ان يقول انه يسكر بنشوة الحب الالهي وهنا يجب ان نشير وان كان هذا الموضوع مطروقاً بان الخمرة عند المتصوفة وعند العرفان يراد بها العزة الالهية ويراد بها الحب الالهي وهذا المراد من المصطلحات من المدام والخمر والى غير ذلك.
المذيعة: يعني وكأن الصوفي والعارف هو يسكر وان صفة الخمر هي السكر فهو يسكر في العشق الالهي والحب الالهي.
الخبير: هكذا بالفعل، هذا الصوفي الزاهد القشيري تبتلات ومناجات وكلها لوعة وحسرة يقول:

يا من تقاصر شكري عن اياديه

وكلّ كلّ لسان عن معاليه

وجوده لم يزل فرداً بلا شبه

على عن الوقت ماضية واتيه

لا دهر يخلقه لا قهر يلحقه

لا كشف يظهره لا ستر يخفيه

لا عد يجمعه لا ضد يمنعه

لا حدّ يقطعه لا قطر يحويه

جلاله ازليّ لا زوال له

وملكه دائم لا شئ يفنيه

المذيعة: دكتور من هو ابرز او من هم ابرز اصحاب الفكر الصوفي؟
الخبير: هذا سؤال لا اقول انه مكرر لانك اضفت كلمة الفكر، نحن امامنا رجل عملاق في هذا، صوفي صاحب فكرة وقد ضحى بنفسه في سبيل فكره ونحن لسنا بصدد ان هذا الفكر او هذه النظرية هل هي مؤيدة من جانبنا اولا ولكننا نشرحها، صاحب هذه الفكرة هو شهاب الدين السهروردي، صاحب حكمة الاشراق والف اكثر من اربعين كتاباً في الحكمة والفلسفة والمنطق هذا الرجل صاحب نظرية نور الانوار ويقصد بنور الانوار الله سبحانه وتعالى ولكن السهروردي هذا لج في اصراره وافرط في ارائه وكان ذلك سبب قتله في زمان الايوبيين فهو الذي قال لما رأى اجله عندما القي القبض علية احس بالموت قال:

ارى قدمي ارى قدمي

وها ندمي فها ندمي

ولكنه ندم في حين ولات حين مناص ولات حين مندم، وفي ابياته التالية نستطيع ان نرى ونلمس نظريته نور الانوار ويريد بنور الانوار الله سبحانه وتعالى كما قلنا:

اقول لجارتي والدمع جاري

ولي عزم الرحيل عن الديار

ذريتي ان اسير ولا تنوح

فان الشهب اشرفها السوار

اني في الظلام رأيت نوراً

كأن الليل بدل بالنهار

اذا ابصرت ذاك النور افني

فما ادري يميني من يساري

المذيعة: نعم دكتور مازلنا مع شهاب الدين السهروردي.
الخبير: اي والله هذا الرجل يستحق اكثر من حلقة ولكننا مضطرون الان ان نكتفي بهذا القليل.
المذيعة: كان ينظم باللغة العربية؟
الخبير: نعم هو فارسي ايراني ينظم باللغة العربية.
المذيعة: هل لديه شعر ايضاً باللغة الفارسية؟
الخبير: لا استعبد ولكنني لم ار، وها هو ايضاً شهاب الدين السهروردي يخاطب الذات الالهية قائلاً: ان الارواح معلقة بها اي بالله، هائمة تريد وصالها.
الخبير:

ابداً تحن اليكم الارواح

ووصالكم ريحانها والراح

وقلوب اهل ودادكم تشتاقكم

و الى لذيذ لقاءكم ترتاح

وارحمتا للعاشقين تكلفوا

ستر المحبة والهوى فضاح

بالسر ان باحوا تباح دماءكم

وكذا دماء العاشقين تباح

لا يطربون لغير ذكر حبيبهم

ابداً فكل زمانهم افراح

ركبوا على سفن الوفاء فدموعهم

بحر وشدة شوقهم ملاح

حضروا وقد غابت شواهد ذاتهم

فتهتكوا لماّ رأوه وصاحوا

افناهموا عنهم وقد كشفت لهم

حجب البقاء فتلاشت الارواح

فتشبهوا ان لم تكونوا مثلهم

ان التشبه بالكرام فلاح

المذيعة: دكتور هل هناك شعراء ايضاً جاروا السهروردي في تصوفه وفي شعره؟
الخبير: في مثل هذه الحائية، لدينا الشاعر الكبير الايراني سعدي الشيرازي:

تعذر صمت الواجدين فصاحوا

ومن صاح وجداً ما عليه جناح

اسروا حديث العشق ما امكن التقي

وان غلب الشوق الشديد فباحوا

سرى طيف من يجلو بطلعته الدجى

سائر ليل المقبلين صباح

اصيح اشتياقاً كلما ذكر الحمى

وغاية الجهد المستهام صياح

الا انما السّعدي مشتاق اهله

تشوّق طير لم يطعه جناح

المذيعة: احبتنا المستمعين وهكذا انتهت الحلقة من دراسات مقارنة من الادب الفارسي وقد كانت حول التصوف في الشعر الفارسي والعربي، نشكر الدكتور عباسي الذي امتعنا هذه الحلقة ايضاً ونشكر لكم مستمعينا الكرام على الاصغاء والمتابعة والى اللقاء.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة