البث المباشر

إبتسامة في غرفة العمليات

الأحد 13 يناير 2019 - 12:41 بتوقيت طهران

الحلقة 31

السلام عليكم احباءنا ورحمة الله وبركاته.
اهلاً بكم في حلقة اخرى من حلقات هذا البرنامج اذكركم في مطلعها بالحديث الشريف الذي روته المصادر المعتبرة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه قال:
«ستدفن بضعة مني بخراسان مازارها مكروب الا نفس الله كربته».
وهذا من دلائل النبوة المحمدية العليا والتي صدقتها وتصدقها تجارب المؤمنين من يوم كان المهشد الرضوي في طوس والى اليوم، فما اجل ان يزوره الزائر وهو على يقين من هذه النبؤة المحمدية.
رواية هذه الحلقة نشرت اصلها اعزاءنا مجلة زائر الفارسية في عددها السابع من سنتها الثانية عشرة بتاريخ تشرين الثاني ۲۰۰٥ اختار لها معد البرنامج عنوان:

ابتسامة في غرفة العمليات


لم تهنأ بنوم منذ عدة ليال. واذا ما زارها النوم... زارها على عجل، وسرعان ما يودع اجفانها. فتحت عينيها وهي تحس بألم شديد في الرأس والعنق، وبجفاف في فمها جعل لسانها كالخشبة. استندت الى يديها، فنهضت... وراحت تتجرع قدحاً من الماء.
ملأت رائحة الكحول الطبي مشامها، فهيمن عليها مرةً اخرى الاضطراب، وشعرت ان احشاءها تكاد تنزلق من فمها! وعلى مبعدة منها في الناحية الأخرى كانت «صبا» تنام هادئةً على السرير، وكأنها ملاك صغير.
مشت «سوسن» الى النافذة.. فخطت باصبعها خطاً ‌على البخار المتكاثف على صفحة الزجاجة. تدفقت في خاطرها ذكريات ايام الطفولة: هي واخوها «كامبيز» يلهوان فرحين في دفء غرفتهما برسم اشكال على زجاج النافذة التي تكاثف عليها البخار لم يكونا يعرفان شيئاً من هموم الدنيا.
همست مع نفسها: كم كنا سعداء! ايه.. رحم الله تلك الأيام!
مسحت المرأة جانباً من متكاثف البخار.. فتراءت من وراء الزجاجة باحة المستشفى. كانت سحب مضيئة قد مدت خيمةً وسيعةً على فضاء المدينة تنبيء بهطول الثلج في الساعات القادمة.
الاشجار العارية في حديقة المستشفى مغطاة بالثلوج، وقطرات الثلج المتجمدة المتلاحمة تمد خيطاً ثلجياً من الميازيب حتى يلامس الارض البيضاء.
وضعت سوسن يدها على رقبتها، وضغطت موضع الالم. حركت رأسها ذات اليمين وذات الشمال، ثم عادت لتجلس على الكرسي. نظرت الى الساعة. كانت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل.
تمتمت هامسة: لابد ان حفلة الزواج قد بلغت نهايتها...
ثم راحت تحدق في المجهول وهي تقول:
ترى.. كيف هو مظهر كامبيز في بدلة العرس؟! طالما عددت الأيام بانتظار هذه اللحظة السعيدة. لكن... واحسرتاه!
كانت غموم مرض «صبا» تثقل قلب الأم، وكأنه واقع تحت ضغط حجارة متراكمة. انها الآن كطفل يلتمس ذريعةً لأن يبكي!.. وابتلت عيناها بالدموع.
احست بالضيق يشتد في صدرها.
ان شيئاً يأخذ بكظمها.. شيئاً كاللقمة المعترضة في البلعوم! بدأ كتفاها بالاهتزاز... وكانت قطرات من عينيها تتساقط على السرير.
السيدة محمد زاده.. السيدة محمد زاده!
شعرت سوسن بدفء كف توضع على كتفها.
رفعت رأسها لتنظر من خلال عينين تغطيهما غشاوة من الدمع. لقد كانت ممرضة القسم هي من نادتها.
قالت الممرضة: السيدة محمد زاده... عندك مواجهة!
التفتت المرأة الى ‌الخلف لتشاهد منظراً فاجأها وجعلها تقوم واقفة! عند باب الغرفة كان اخوها كامبيز وعروسه بثيابها البيضاء قد جاءا في ليلة زفافهما الى المستشفى! لم تصدق ما رأته. ومن فورها احتضنت عروس اخيها، وهي تقول بدمعة وابتسامة: مبارك لك ايتها العروس! مبارك لك!
قالت الممرضة لكامبيز وهي تهم بالذهاب: السيد محمد زاده.. عندكم عشر دقائق لتغادروا الغرفة!
وقف الثلاثة حول سرير صبا. ناداها خالها كامبيز برقة: صبا.. عزيزتي!
قالت الام: نامت بعد تزريقها بالمسكن.
التفت كامبيز الى اخته يسألها: وما كانت النتيجة؟
قالت سوسن وهي تحدق في الأرض: اخذوا تحاليل مفصلة. التصوير الملون والتصوير التلفزيوني اظهر ان حالبها قصير. لا تفرغ كليتها الادرار افراغاً كاملاً. الادرار يعود مرة ثانية الى الكلية... ولذلك اصيبت كليتها بالضرر.
اما كتبوا لها دواء؟
الدواء في مثل هذه الحالة لا يفيد.
اذن... ما العمل؟
قالوا: لابد من عملية جراحية.
سأل كامبيز: والآن... ماذا تريدين ان تفعلي؟
قالت سوسن وقد لاح في نظرتها المنكسرة بريق من الرجاء البعيد: اخذها الى مشهد، لعل الله يمن علينا بجاه الامام الرضا وتشفى ابنتي.
انكسر قلب الأم وتغرغرت عيناها وهي تواصل حديثها: طفلتي عمرها خمس سنوات فقط! لا طاقة لها على سكين الجراح...!
ثم سالت دموعها على الوجنتين.
صبا وامها وابوها جالسون عند النافذة الفولاذية ينتظرون. انهم بانتظار عطية سماوية تأتيهم بالفرج. بانتظار حضور أخضر يغمرهم بالبشرى، فيحول البؤس هناءً ويبدل الشقاء سعادة.
كانت الام عند النافذة‌ تقرأ القرآن. وصلت في قراءتها الى... «لقد خلقنا الانسان في كبد»، فغمرت عينيها الدموع، ولم تستطع مواصلة القراءة، أغلقت المصحف، واطبقت اجفانها. وكانت اصوات الزوار في مناجاتهم وضراعاتهم تسري في شرايينها. وغطت حبات من العرق وجهها على الرغم من برودة‌ الجو.
رفعت المرأة بصرها الى السماء، وقالت بنبرة مرتجفة: الهي... أرجوك. يجب ان نرجع، فلا تجعلنا نرجع صفر اليدين!
قال زوجها محمد: خلال هذه الايام لم نحصل على اشارة من الامام. لعل المصلحة ان تجرى العملية لصبا، وعلينا ان نسلم لمشيئة الله يا سوسن.
تهيأت سوسن ومحمد للوداع والعودة الى طهران. ودعا الامام بأهداب ماطرة. كان البرق يضييء في ناحية من السماء ويغيب في الناحية‌ الأخرى. وتداخلت الغيوم متشابكة، فاعقبتها زخة شديدة من المطر. كان المطر ينهال على ارض الصحن الرخامية‌ ليعلو لانهياله رجع صدى.. كأنما كانت السماء تواسي قلبيهما الجريحين.
اكتملت اجراءات التحضير للعملية الجراحية. تناول الطبيب الصور التي اخذت حديثاً ليتفحصها قبل البدء بالعملية. كان الابوان يرقبانه بعيون قلقة حينما سمعاه يهمس مع نفسه: يعني.. ماذا؟!
القى‌ نظرة على الابوين، ثم عاود النظر الى احدى‌ الصور. وبعد لحظات التفت اليهما وقد علت شفتيه ابتسامة‌ مبهمة.
قال: لا علامة على مرض ابنتكما. ابنتكما سليمة.. سليمة!
قال الطبيب وهو يمضي الى غرفة العمليات:
يبدو ان كل شيء جاهز الآن سنقوم في غرفة العمليات بفحص داخل مثانة صبا وكليتها لنتأكد من سلامتها... سنتأكد.
... ومرت الدقائق شديدة الوطاة، كأنها قطار طويل يجر عرباته المتعاقبة ببطء يرهق الاعصاب. وكان الخوف والرجاء يصطرعان في قلب الأم والأب.
وبعد انتظار عسير، سمعا صوت حركة تقترب... وانفتح باب غرفة العمليات! انخلع قلب الام، وهرع الاب بخطوات متعجلة نحو الطبيب. بادره الطبيب قائلاً:
السيد بيرامي، حالة صغيرتك مرضية. لم نجد اي علامة للمرض. لقد عوفيت صبا عافيةً كاملة!
غزا الابوين فجأةً اهتياج جامح. ارتبكا.. ولم يدريا ما يقولان. انهما الآن يريان الحياة طافحةً بالمباهج والافراح. وماجت في الهواء من حولهما رائحة بكاء. من مكانهما توجها الى جهة خراسان، وراحت تتدافع من قلبيهما ازهار التحية والامتنان. وشعرا انهما مدينان من العمق للامام الرضا (عليه السلام).
وفي هذه الأثناء... خرجت من غرفة العمليات ابتسامة بريئة مشرقة، كانت ترتسم على شفتي «صبا» المعافاة.
(ترجمة واعداد من مجلة الزائر، السنة ۱۲، العدد ۷، ص ۲۰-۲۱، تشرين الثاني ۲۰۰٥م)

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة