البث المباشر

قامة الحب المديدة

الأربعاء 9 يناير 2019 - 11:18 بتوقيت طهران

الحلقة 16

اهلاً بكم اعزاءنا في حلقة اخرى من حلقات هذا البرنامج تحمل قصتها فيما تحمل من عبر عبرة مهمة وردت في كلمة رضوية نورانية صاغها قلم كاتب المجموعة بعبارة هي: لا يرجع عن هذا البيت يائساً الا ان يكون هو يائساً.
تأملوا في هذه العبارة وانتم تتابعون معنا قصة هذه الحلقة التي تحمل عنوان:
قامة الحب المديدة
المريضة المعافاة سكينة الباي العمر ۱٤ سنة من مدينة جرجان الحالة المرضية اعصاب وتشنج عصبي. كنت واثقة ان الامام سيمن علي. السماء تمطر بغزارة ادركت هذا من صوت مياه الميازيب الشديدة المستمرة من المألوف ان تمطر بغزارة في مثل هذا الوقت في مازندران احياناً يستمر المطر يومين متصلين او ثلاثة ايام. في كل سنة في مثل هذا الموسم كنت افتح الباب المؤدي الى فناء الدار واجلس تحت مظلة الباب اتطلع الى المطر يهطل كنت شغوفة بالمطر لا امل من التفرج عليه حتى لو استمر الى الليل.
اما الآن.. فأين تلك الايام الجميلة المرحة؟! كل شيء تغير، ولم اعد احب المطر كما في تلك الايام. صار المطر يأخذ بخناقي اخاف من صوت المطر اذا ارتطم بسطح دارنا، وانزعج من صراخ الميزاب يضيق صدري ويأخذني الاضطراب وكأني اكاد اغيب عن الوعي احس وجعاً في دماغي من أي صوت حتى لو كان ضعيفاً. اعصابي مرهقة واود لو اصرخ بصوت مرتفع مل اعد احب المطر وعندما تطرق حبات المطر زجاج نافذة الغرفة احس ان مسمار يدق في رأسي باستمرار فجأة افقد توازني ويعتريني التشنج يضطرب بدني بشدة ويتتابع من فمي الصراخ.
وعلى اثر صراخي تهرع الي امي من الغرفة الاخرى تتسمر عند عتبة الباب، وتأخذها الدهشة وهي ترى بدني النحيل على تلك الحال، فتخمش وجهها وتصيح بفزع اما انا فمطروحة على ارض الغرفة ثم لا اراها ولا اسمع لها صوتاً.
المطر ينزل ينزل هذه المرة على مهل وجذبني اليه صوت قطرت الميزاب امي جالسة عند فراشي تتقاطر من عينيها الدموع، مسكينة امي كم تقاسي وتتألم من اجلي! صار دأبها البكاء. تظن ان بكاءها دواء لمرضي الذي لا دواء له ياله من ظن بائس انها تعذب نفسها، وهذا يزيدني عذاباً فوق العذاب. آه.. ليتني استطيع ان احكي معها ليتني استطيع ان افهمها ان بكاءها لا ينفعني شيئاً غير مزيد من العذاب.
اني اتجرع آلامي اما يكفيني هذا؟! وحين فتحت عيني ابتسمت لي، ونهضت من مكانها لقد تعودت على طريقتها وصرت احفظ حتى الكلمات التي تتفوه بها حين تحضر لي العصير: خذي يا بيتي اشربي هذا العصير لينفتح قلبك وتتحسني.. وعندما غابت امي وراء الباب وهي ذاهبة لتأتي بكاس العصير.. ارتفعت اصوات الميزاب، واشتد قرع المطر الذي يتساقط على السطح تماماً كما يرتفع صوت الراديو ويرتفع ويطن بقوة في اذني.
ثقل جفناي وانطبقا وتمثلت لي ـ من وراء الجفون ـ صورة ابي وهو يدخل من باب الغرفة: حول عنقه شال اخضر، وفي وجهه صباحة وبهاء عجيب. نظرت اليه بدهشة فجاء وجلس عند سريري سلمت عليه: السلام عليك يا بابا اين كنت كل هذه المدة؟! انا في شوق اليك. ضحك.. فاشرقت في ضحكته شمس رائعة تبعث الدفء في روحي.
عليك السلام يا عزيزتي انا ايضاً مشتاق اليك يا بنيتي. ذاب قلب من اجل "سكينة" الجميلة الطول هل انت بخير يا بهجة قلب ابيها؟
طوقت عنقه بذراعي وقبلت وجهه: انا بخير يا بابا، انا باحسن حال كما ترى اذا جئت لتراني اشفي وانسى كل الآلام. لكن عندما تذهب.. انحنى وقبل جبيني: لن اذهب يا بابا اظل عندك بشرط ان تعاهديني على ان تكوني دائماً بخير.. اتعاهدينني؟
اعاهدك اعاهدك بشرط ان تقول لي من اين جئت بهذا الشال الاخضر.
يتلمس شال عنقه ويقبله: اقول لك لما كنت راجعاً من الجبهة ذهبت الى مشهد لزيارة الامام الرضا وهذا الشال هدية من الامام، جئت به اليك لشفاء آلامك الامام دعاك لزيارته، عليك ان تستعدي لتذهبي اليه.
عندها نهضت من مكاني مسرورة وصحت: اريد ان اروح الى الزيارة، اريد ان اروح الى مشهد ازور الامام الرضا ليشفيني. وسمعت امي صيحتي فدخلت الى الغرفة مسرعة: ماذا جرى يا بنيتي هل رأيت حلماً؟ تطلعت الي عينيها وقلت: حلم جميل يا ماما، حلم مشهد، حلم بابا، حلم شفاء حلم الامام .. الامام الرضا.
ضحكت امي بدموع الفرح احب من امي دائماً هذا النوع من الضحك هكذا تضحك اذا كانت محزونة ومسرورة في نفس الوقت تضحك وتبكي في وقت واحد وها هي الان تضحك لي بعيون دامعة: آخذك يا ابنتي آخذك الى مشهد "دخيلة" عند الامام ليشفيك ان شاء الله.
مر يومان وانا "دخيلة" عند الامام كلي امل ان الامام سيأتيني قطعت كل هذا الطريق يحدوني الامل ان اواثقة ان الامام سيمنُّ عليَّ في ليلة اليوم الثاني من حضوري في صحن الحرم الرضوي.. كان الجو مكفهراً الغيوم قد حجبت السماء، فلا يرى من ورائها حتى نجمة واحدة. ازدادت برودة الجو، واحسست اني ارتجف من البرد الذي كأنما كان يدخل في عظامي رفعت امي غطاء كان عليها والقته على كتفي. الرعد يزمجر وشق البرق سقف السماء الاسود. بدأ المطر ينث، ثم تحول الى زخات غزيرة فسارعت امي تمسكني من يدي وتدخلني معها الى داخل الروضة. انعشني الدفء في الداخل، وانا جالسة قرب الضريح وقامت امي تصلي "صلاة الحاجة" كان في القرب مني مصحف فتناولته.. وفتحته ظهرت سورة "الرحمن" وبدأت اقرأ.
ما كدت اصل الى منتصف السورة حتى شعرت بارتخاء يدب في بدني هو اشبه ما يكون بنعاس ما عبد الظهر في ايام الصيف، ووجدتني انزلق الى نوم اثقل جفني وضعت المصحف على "رحلة القرآن" واسندت كتفي الى الضريح .. ودخلت في اغفاءة هادئة.
ما زالت اصوات الحاضرين تدوي في اذني اجفاني مغلقة لكني كنت ارى الحاضرين عجباً لم اكن اعلم اني كنت الورد الجوري. انهضي يا حمامتنا المكسورة الجناح، وكوني مع الحمامات الطاهرة. حلقي معها، فقد شفيت.
صحت في لهفة: يعني انا...؟!
وكرة اخرى امر يده الودودة على راسي، وقال: ان احداً لا يرجع عن هذا البيت يائساًَ، الا ان يكون هو يائساً.
وفي لحظة .. تحولت هذه القامة المديدة الى نور، انطلق من امامي كالشهاب.
استيقظت من النوم كان المصحف مفتوحاً على الرحلة امامي. نسها سورة الرحمن وقرأت .. "فبأي آلاء ربكما تكذبان".
كانت امي قد اتمت سلام صلاتها، ومدت يدها المؤملة الراجية نحو السماء .. وكأنما قد وصل دعاؤها الى العرش نائمة ام يقظى! لم اكن يقظى .. انا متأكدة وما اراه الآن هو رؤيا حقيقية .. كأنما كنت اراها بعين راسي!
وسطعت من بين الحاضرين اشعة نور، وتوجهت الي ما ان تقدم النور نحوي حتى تبدل لونه لما وصل امامي كان اخضر اللون واضحاً شديد الوضوح، ثم اخذ يتبدل امام اجفاني المغلقة لوناً بعد لون: اصفر، ازرق، برتقالي، احمر، اخضر. ثم تجمع النور كله في نقطة واحدة .. بدأت تتشكل بشكل قامة مديدة ظهرت امامي: لحية طويلة ووجه مستطيل .. رائع قامته الراسخة عليها ثياب بيضاء ولهذا الرجل شال اخضر.. هو نفس الشال الذي رأيته حول عنق ابي كانت خضرة الشال منسجمة بشكل مدهش مع لون وجه الرجل، مع اني لم اقدر على تمييز ملامح وجهه، وكأنما هي مغيبة عني بالنور جاء الرجل الي ومسح على رأسي: ماذا بك يا ابنتي؟
وقفت قبالة قدميه: يا سيد .. انا مريضة انا حمامة مكسورة الجناح خلطت نفسي بحماماتك الطاهرة لاشفى. ضحك الرجل ضحكة كأنها وردة تعبق بالعطر عطر.

*******

مستمعينا الافاضل القصة التي استمعتم اليها تحكي كرامة شفاء الاخت "سكينة الباي من اهالي جرجان وهي ابنة شهيد استشهد في جبهات الحرب التي فرضت على الجمهورية الاسلامية. كان عمرها ۱٤ عاماً عندما اصيبت بمرض عصبي ادى الى حدوث تشجنات عصبية فيها وحالة صرع لم تجدر معها جهود الاطباء في معالجتها نفعاً وقد فازت بالشفاء ببركة التوسل الى اله بوليه الرضا في سنة ۱۹۹٥ ونشرت قصتها ووثائقها مجلة زائر في عددها الثالث والعشرين الصادر في شهر كانون الاول سنة ۱۹۹٦ الى لقاء مقبل نستودكم الله بكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة