البث المباشر

رحلة السيدة المعصومة الى ايران وحثها على تلاوة القرآن

الثلاثاء 8 يناير 2019 - 10:06 بتوقيت طهران

الحلقة 11

لهف نفسي لبنت موسى سقاها

الدهر كأساً... فزاد منه بلاها

فارقت والداً شفيقاً عطوفاً

حاربت عينها عليه كراها

أودعته قعر السجون أناس

أنكرت ربها الذي قد براها

وإلى أن قضى سميماً فراحت

تثكل الناس في شديد بكاها

وأتى بعده فراق اخيها

حين من «مرو» أسكنته عداها

كل يوم يمر كان عليها

مثل عام.. فأسرعت في سراها

أقبلت تقطع الطريق اشتياقاً

لأخيها الرضا وحامي حماها

ثم لما بها الظعينة وافت

أرض قم وذاك كان مناها

قام «موسى» لها بحسن مضيف

اذ ولاء الرضا أخيها ولاها

نزلت بيته فقام بما استطاع

من خدمة لها أسداها

ما مضت غير برهة من زمان

فاعتراها من الأسى ما اعتراها

والي جنبه سقام اذاب الجسم

منها... وثقله اظناها

فقضت نحبتها غريبة دار

بعدما قطع الفراق حشاها

أطبقت جفنها الى الموت لكن

 

ما رأت والد الجواد أخاها

 

*******

 

السلام عليك يا فاطمة‌ بنت موسى، يا نعم البنت لولي الله العبد الصالح موسى الكاظم، ويا نعم الاخت لولي الله انيس النفوس علي الرضا، ويا نعم العمة لولي الله محمد الجواد، ‌السلام عليك يا ولية الله يا بنت رسول الله ورحمة الله وبركاته.

تكبدت كريمة آل البيت فاطمة المعصومة عليها السلام مصاعب ومتاعب في هجرتها الى أخيها الامام علي الرضا صلوات الله عليه، فحملت نفسها في قافلة اخوتها نحو خراسان للقاء ذلك المولى العطوف، والولي الرؤوف... الذي عاشت عمرها المبارك في كنفه وقد غيب والدها الامام موسى الكاظم سلام الله عليه في غياهب المطامير والسجون... فلما رحل أخوها الى مرو استبد بها الشوق اليه، وأقرح كبدها الفراق، فمضت اليه، و كانت الفاجعة بقتل اخوتها في شيراز على يد والي تلك المدينة، وتمزق الركب القاصد لزيارة الامام الرضا عليه السلام في الطريق... فمضت هي في قافلة أخرى ضمت اثنين وعشرين علوياً من آل أبي طالب وفيهم بعض اخوتها، وهم:‌هارون، والفضل، وجعفر، وهادي، وقاسم... وبعض أولاد اخوتها.
وقد أرسل المأمون العباسي الى هذه القافلة من يداهمها، فقتل وشرد كل من فيها، وجرح هارون بن الامام الكاظم، ثم هجموا عليه في حملة أخرى فقتلوه. وكان ذلك نهايةً مفجعةً اليمةً لهذا الركب الرضوي من بني هاشم، ولم يكن منهم الا ان يبلغوا طوس حيث الامام علي بن موسى الرضا هناك.
وبذلك... فقدت السيدة فاطمة‌ المعصومة سائر اخوتها في الطريق، فألمت بها مصيبة كبرى قوضت قواها، وتحيرت في أمرها، ... واذا صح أن حمزة بن الامام الكاظم عليه السلام قد قتل في تلك المواجهة، فان المأمون يكون قد قتل سبعةً من أولاد الامام موسى الكاظم هناك، وهم اخوة السيدة‌ فاطمة المعصومة، فيا لها من نكبة عظمى حلت بها. وتعظم تلك النكبة اذا لاحظنا بعض الروايات كالتي ذكرها الكاتب علي اكبر التشييد في كتابه (نهضة السادة العلويين) من أن السيدة فاطمة المعصومة هي الاخرى قد دس اليها السم في (ساوة) فاعتصرها الالم، ورفعت رأسها لتيمم الركب نحو المدينة الموعودة «قم».
اخوتنا الافاضل... كتب جماعة من المؤرخين، ومنهم الشيخ حسن بن محمد القمي في (تاريخ قم)... أنه لما أخرج المأمون علي بن موسى الرضا عليه السلام من المدينة الى «مرو» بخراسان سنة مئة وتسع وتسعين، أو مئتين على بعض الاخبار، خرجت اخته خلفه سنة احدى ومئتين تطلبه، فلما وصلت الى ساوة حل بها من النكبات ما حل، فخارت قواها وضعفت عن مواصلة المسير الى خراسان، فسألت من بقي معها: كم بيننا وبين قم؟ فأجابوها: عشرة فراسخ. وكانت السيدة (فاطمة المعصومة سلام الله عليها) قد سمعت عن آبائها الاطهار احاديث عديدةً في فضائل هذه البلدة الطيبة وفضائل أهلها، مما جعلها تختارها للتوجه نحوها، والقاء‌ رحلها فيها.
وكان خبر الركب الرضوي وفيه فاطمة‌ المعصومة... قد وصل الى مدينة‌ (قم)، فلما اتجهت نحوها، كان سرعان ما خرج أشراف البلدة لاستقبال القافلة المفجوعة، يتقدمهم الرجل الفاضل الجليل موسى بن خزرج الاشعري، وكان على رفعة منزلته ومقامه بين قومه، أن اخذ بزمام ناقة‌ السيدة فاطمة‌ المعصومة وقادها الى منزله، متشرفاً ان تكون ابنة رسول الله ضيفاً كريماً عنده، فدخلت على علتها، فبقيت هناك معززة، ولكن المصيبة ما زالت تعتصر فؤادها بعد أن يأست من الوصول الى اخيها علي الرضا سلام الله عليه، وبعد ان شاهدت الفاجعة الكبرى بقتل اخوتها الواحد بعد الآخر وقد تفرقت قافلتها وتمزقت بهجوم الحاقدين على آل بيت النبوة‌ والرسالة.
لذا... تمكن المرض منها، فظلت طريحة الفراش تعاني شتى الآلام، ولعل أحدها كان السم الذي دس اليها ان صح الخبر في ذلك، وان كان حرمانها من الوصول الى اخيها قد أوجعها اشد مما يوجع السم صاحبه. وعلى أية حال ظلت هذه العلوية المكرمة تعاني، وتلفظ أنفاسها ببطء، .. هكذا سبعة عشر يوماً، حتى حل الاجل، فمضت الى رحمة الله تعالى وقد عم الحزن النفوس والاجواء، وانهالت لها العيون بمعصرات الدموع.
اخوتنا المؤمنين الأعزة... ذكر بعض المؤرخين... ونقل عنهم العلامة المجلسي في كتابه الشهير «بحار الانوار» عن الحسين بن علي بن بابويه، عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، أنه لما توفيت فاطمة المعصومة رضي الله عنها، وغسلتها النساء العلويات وكفنتها، ذهبوا بها الى بابلان ووضعوها على سرداب حفروه لها، فاختلف آل سعد بينهم في من يدخل السرداب ويدفن هذه العلوية الطاهرة، فينال بذلك شرفاً وكرامة، واخيراً اتفقوا على خادم لهم وهو شيخ كبير صالح يقال له «عبد القادر»، فلما بعثوا اليه لم يلبثوا أن رأوا راكبين مسرعين ملثمين قدما من جانب الرملة، حتى اذا اقتربا من الجنازة نزلا فصليا عليها، ثم دخلا السرداب وأخذا الجنازة فدفناها، وخرجا ثم ركبا وذهبا، والناس واقفون لا يقولون شيئاً، ولم يعلم أحد من كان ذلك الرجلان.
فسلام الله عليها بعد حياة طيبة قضتها في الطاعات، وصلوات الله عليها وافدة‌ علي ربها مكللةً بالتجليل والاكرام... بعد أحزان وآلام...
ننقل كرامة‌ اخرى من الكرامات الالهية التي ظهرت ببركة التوسل الى الله عزوجل بشأنها ومقامها. وكرامة ‌هذه الحلقة ننقلها من كتاب (حياة ‌وكرامات السيدة المعصومة) الذي ألفه بالفارسية الاستاذ احمد بانبور، والحادثة ترجع الى‌ اواسط القرن الهجري الماضي.
وقد نقل فيه عن احد الثقاة، ان صعوبة‌ الاوضاع المعيشية يومذاك قد اضطرت احد خدمة ‌حرم هذه السيدة الجليلة الى ترك الخدمة عدة اشهر والسفر طلباً للكسب. وكان يقوم - في خدمته للحرم المطهر- بتهيئة المصاحف وتقديمها للزائرين في مراسم تلاوة القرآن الكريم التي تقام يومياً في حرم السيدة.
عاد الرجل من سفره الذي استمر خمسة اشهر مصاباً بمرض قد صعب علاجه، ووجد زوجته قد اصيبت هي الاخرى بمرض عجزت بسببه عن القيام بأعمال المنزل.
وذات يوم تحامل الرجل على نفسه فخرج من المنزل بمشقة بالغة في حاجة ولما رجع الى المنزل وجد زوجته قد عوفيت من مرضها ودب فيها النشاط، وهي تبكي!! فسألها متعجباً عما جرى؟
اجابت الزوجة: أخذتني - بعد خروجك- سنة نوم رأيت فيها نفسي في حرم السيدة، وشاهدت في محل الضريح المقدس ثلاث سيدات علتهن هيبة وجلالة خاصة، وقد ظهرت آثار الايمان والجلالة على احداهن اكثر فأيقنت انها السيدة المعصومة، فلذت بها وطلبت شفاعتها للشفاء من مرضي، فقالت: ‌لابأس عليك! عافاك الله بنا، وهنا سألها زوجها وقد علته ملامح البهجة واللهفة: الم تطلبي منها الشفاء لي؟
اجابت: بلى، لقد طلبت منها وقلت: وزوجي، انه من خدامك فقالت: لكن زوجك مقصر، فقد ترك منذ شهور تقديم المصاحف للذين يتلون لي القرآن فقلت: ولكنه سافر طلباً للمعيشة وقد عاد فقالت: لا بأس عليه يعافى ان شاء الله.
عندها استيقظت فوجدت المرض قد ذهب عني والحمد لله.
يقول هذا الخادم: لقد عوفيت اثر ذلك ولم اصب بمرض منذ ذلك الحين.
من الجميل ان نتلو ما تيسر لنا من آيات الذكر الحكيم ونهدي ثوابه لهذه السيدة الزكيه من ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله فهذا من مصاديق الوفاء والعمل بالأمر النبوي بل الالهي بمودة ذرية خاتم الانبياء سيدنا محمد صلى الله عليه وآله.
رزقنا الله واياكم ذلك احباءنا، والى موعد الحلقة المقبلة نترككم في رعاية الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة